فجر العدوان الإسرائيلي على لبنان جراح الاقتصاد المصري المأزوم، لتطاول نيرانه أسعار السلع وتزيد حال الأسر والشركات سوءًا، و دفع العدوان إلى مخاوف المصريين من توسع نطاق الحرب بالمنطقة، بعد عام من الحرب الوحشية على غزة، أدت إلى تكبد الاقتصاد خسائر فادحة جراء تزايد أزمة نقص العملة الصعبة مع تعطيل حركة مرور السفن عبر قناة السويس وتراجع عائدات السياحة، وحالة عدم يقين تعطل تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر. قال قائد الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي، خلال حضوره حفل تخرج دفعة جديدة من الضباط بأكاديمية الشرطة بالقاهرة الجديدة أمس الأحد، إن التطورات التي تشهدها المنطقة خطيرة ويمكن أن تؤدي إلى اتساع رقعة الصراع، لافتاً إلى تأثيرها في تراجع حركة المرور بقناة السويس وعائداتها بنسبة تتراوح ما بين 50% و60% خلال سبعة أشهر مضت، بما يعادل نحو ستة مليارات دولار. عكست المخاوف حالة القلق التي تنتاب السلطة من اشتعال الحروب الإقليمية والمحلية في الدول المحيطة بمصر، أدت إلى حالة عدم استقرار واسعة، ومحاذير من عدم تورط مصر في أمور تؤثر على أمنها، بينما يرى خبراء في تلك المخاوف تجسيداً لما تعايشه الدولة منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة، ومحاولته تهجير الفلسطينيين قسراً إلى سيناء. سجلت قناة السويس أعلى دخل في تاريخها عام 2022-2023، بقيمة 8.75 مليارات دولار وفقاً لبيانات البنك المركزي، سرعان ما تراجع بنسبة كبيرة وفقاً لتصريحات مسؤولين بهيئة قناة السويس منذ اندلاع العدوان الإسرائيلي على غزة في 7 أكتوبر 2023. ضغوط على الاقتصاد المصري يتوقع خبير التمويل والاستثمار رشاد عبده أن يدفع العدوان الإسرائيلي على غزة ولبنان إلى ضغوط شديدة على الاقتصاد المصري، ليرفع حجم الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد منذ سنوات، ونقص العملة الصعبة، ومعاناة المصريين من الزيادة المستمرة بأسعار السلع وارتفاع معدلات التضخم. أوضح عبده أن توجه جماعة الحوثيين إلى إغلاق باب المندب، وملاحقة السفن التي تتعامل مع الاحتلال، لحين توقف الحرب على غزة، سيؤدي إلى استمرار نزيف إيرادات قناة السويس، وفقدان نحو 80% من عوائدها بالعملة الصعبة حتى نهاية 2024، مشيراً إلى أنه رغم عدم تأثر حجم الصادرات وتحويلات المصريين بالخارج، فإنّ الضغوط في تكاليف التشغيل تهدد بتراجع صافي العائد، بالتوازي مع التراجع في أعداد السائحين والعائد من الأنشطة السياحية. يبدي خبير التمويل والاستثمار لـ"العربي الجديد" خشيته من أن يسبب العدوان الإسرائيلي على لبنان بالتوازي مع غزة، وتأجيج الصراع العسكري لفترة زمنية طويلة، في زيادة معاناة الحكومة من نقص الإيرادات، وتفاقم أزمة الديون المحلية والخارجية، وتكاليف أعباء الدين، بما يمنحها مبرراً لتسويق خططها لبيع الأصول العامة بسرعة والاتفاق على مزيد من القروض، لتدخل البلاد في دائرة مغلقة غير منتهية، تبدأ بشح الدولار والاقتراض ثم خفض قيمة الجنيه، لمواجهة التضخم المتزايد، ورفع أسعار السلع والخدمات. يؤكد عبده أنه مع عدم التزام الدولة بالبحث عن كفاءات لإدارة الموارد العامة في ظل حالة الحرب والطوارئ الاقتصادية التي تعيش فيها البلاد منذ مدة، يدفع المواطن تكلفة كافة الضغوط والمخاطر، عندما يتحمل بمفرده الزيادة الهائلة في الأسعار وندرة السلع والخدمات العامة. تراجع القطاع الخاص كشف مؤشر بارومتر الأعمال الذي أصدره المركز المصري للدراسات الاقتصادية، أمس الأحد، عن تراجع أداء الأعمال بشركات القطاع الخاص بمقدار خمس نقاط عن المستوى المحايد، في الربع الثاني من العام الجاري، متأثراً بارتفاع أسعار الطاقة ومعدلات التضخم. يعكس الانخفاض تراجع مؤشرات الإنتاج والمبيعات المحلية والصادرات لكافة الشركات، واستمرار ارتفاع مدخلات الإنتاج بسبب مشكلات التصدير وتأثر حركة الملاحة العالمية بالتوترات الجيوسياسية في البحر الأحمر، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار المنتجات النهائية. رصد المؤشر استمرار أداء الأعمال المتدهور خلال فترة الدراسة، بالصناعات التحويلية والتشييد والبناء والنقل والخدمات المالية والسياحة والاتصالات. يلجأ مستوردون إلى المخاطرة بشراء العملة الصعبة، والاقتراض بمعدلات فائدة مرتفعة، لجلب الواردات مبكرا في ظل حالة عدم اليقين ومخاوف اضطراب حركة الشحن وعدم وجود ضمانات دولية تحول دون وقف ضرب الحوثيين السفن المارة في البحر الأحمر، في مواسم ذروة الطلب على السلع لتجنب تباطؤ عمليات الشحن والتوريد، ما يرفع معدلات التكلفة والتضخم. تسببت أزمات الشحن المتكررة في نقص توريد أشباه الموصلات والسيارات والمعدات الصناعية والتكنولوجية واللحوم والمنتجات الزراعية من منطقة جنوب آسيا وأستراليا ونيوزيلندا إلى الأسواق المصرية على مدار العام الجاري.
تشير بحوث أجراها خبراء مؤسسة "فيتش المالية" إلى أن المستهلكين في مصر ومنطقة الشرق الأوسط الأكثر تعرضاً لارتفاع الواردات منذ بداية العام، بسبب عدم قدرة سفن الشحن من المرور بالبحر الأحمر، حيث إن نسبة 81.6% من الواردات إلى المنطقة تمر عبر طرق معرضة للانقطاع، ما أوجد مخاطر على أسعار المنتجات الاستهلاكية النهائية مع ارتفاع تكاليف الشحن الفوري مع إضراب حركة الموردين منخفضي التكلفة عبر طرق شحن بديلة أو موردين أكثر تكلفة. وأكد الخبراء أنه مع استمرار أزمة العبور في البحر الأحمر، ستضطر الشركات إلى تمرير التكلفة إلى المستهلكين. تمر 10% من حجم تجارة النفط على مستوى العالم من باب المندب و30% من تجارة الحاويات العالمية عبر قناة السويس، تحولت 90% منها منذ ديسمبر 2023 إلى رأس الرجاء الصالح، لتسبب ضررا فادحا بحركة السفن التي تربط بين آسيا وأوروبا عبر قناة السويس. أدت قيود الحوثيين على مرور السفن في البحر الأحمر إلى زيادة الازدحام في الأرصفة بجميع أنحاء العالم، وانخفض معدل الالتزام بمواعيد التسليم في الموانئ الرئيسية حول العالم إلى 44.47% وفقاً لمعدل الالتزام بالمواعيد في بورصة شنغهاي للشحن منذ يونيو/ حزيران 2024.