تشهد العلاقات الجزائرية الإماراتية تصاعدًا جديدًا في التوترات الدبلوماسية، وذلك بعد أيام قليلة من مكالمة هاتفية بين الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون ونظيره الإماراتي محمد بن زايد.

وعلى الرغم من أن المكالمة تضمنت تهانيًا من محمد بن زايد لتبون على فوزه بولاية رئاسية ثانية، فإن صحيفة "الخبر" الجزائرية شنت هجومًا لاذعًا على الإمارات وسفيرها في الجزائر، واصفة إياه بـ"الشخص غير المرغوب فيه".

تصعيد غير مسبوق في وسائل الإعلام

صحيفة "الخبر"، التي تعتبر من الصحف الجزائرية الكبرى، نشرت مقالًا يتصدر صفحتها الأولى، وصفت فيه السفير الإماراتي يوسف سيف خميس سباع آل علي بأنه يسعى لـ"تخريب العلاقات" بين الجزائر والإمارات.

وأضافت أن السفير يتجاوز الأعراف الدبلوماسية ويتدخل في شؤون الجزائر الداخلية بشكل سافر، مما أدى إلى تصنيفه كـ"شخص غير مرغوب فيه".

وذكرت الصحيفة أن السفير الإماراتي يسهم في تسميم العلاقات بين البلدين من خلال رفع تقارير "مغلوطة" لقيادته في الإمارات، مشيرة إلى أنه يتدخل بشكل مباشر في الشؤون الجزائرية ويعمل على تعكير صفو العلاقات بين الدولتين.

كما أكدت الصحيفة أن الجزائر تحتفظ بحقها السيادي في طرد أي دبلوماسي يتجاوز حدوده، مستشهدة بالمادة التاسعة من اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لعام 1961.

خلفية التوترات بين البلدين

ليست هذه المرة الأولى التي تشهد فيها العلاقات الجزائرية الإماراتية توترًا، فقد كانت هناك تراكمات سابقة بين البلدين. واحدة من أبرز هذه القضايا هي الدعم الإماراتي للمغرب في نزاعه مع الجزائر حول الصحراء الغربية.

وذكرت تقارير إعلامية جزائرية أن الإمارات قد زودت المغرب بتقنيات تجسس إسرائيلية لاختراق هواتف مسؤولين جزائريين، في محاولة لإضعاف موقف الجزائر في هذا الصراع الإقليمي.

إضافة إلى ذلك، كانت هناك تقارير عن محاولة الإمارات توسيع نفوذها في منطقة الساحل الإفريقي، وهي منطقة تعتبرها الجزائر جزءًا من مجالها الحيوي.

واتهمت الجزائر الإمارات بأنها تحاول فرض نفوذها في المنطقة من خلال دعم الجنرال الليبي خليفة حفتر، الذي تربطه علاقات وثيقة بالإمارات، والذي اتهمته الجزائر بمحاولة زعزعة استقرار البلاد عبر تهريب المخدرات.

دور وسائل الإعلام في تفاقم الأزمة

وسائل الإعلام الجزائرية لعبت دورًا بارزًا في تصعيد هذه الأزمة. في يومياتها، نشرت صحيفة "جزائر الغد" ملفًا بعنوان "هل يخطط الصهاينة ومحور الشر لاغتيال الرئيس تبون؟"، وأرفقت صورة لكل من رئيس الإمارات، وملك المغرب، والرئيس الفرنسي، ورئيس وزراء إسرائيل.

ورغم أن السلطات الجزائرية علقت طباعة هذه الصحيفة بشكل فوري، إلا أن هذا الملف يعكس مدى تعقيد العلاقة بين الجزائر والإمارات، خاصة في ظل تلميحات متكررة عن وجود "مؤامرات" إماراتية ضد الجزائر.

المواقف الدولية وتأثيرها على الأزمة

الاتهامات الجزائرية لا تقتصر فقط على التدخل الإماراتي في شؤونها الداخلية، بل تشمل أيضًا محاولات الإمارات دعم دول أخرى للتطبيع مع إسرائيل. 

وفقًا لتقارير إعلامية، تحاول الإمارات دفع كل من موريتانيا وتونس وليبيا للتطبيع مع إسرائيل، وهو ما تعتبره الجزائر تهديدًا لأمنها القومي، في ظل رفضها القاطع لأي تقارب مع إسرائيل.

علاوة على ذلك، هناك اتهامات بأن الإمارات تسعى إلى بناء "نظام إقليمي جديد" يتماشى مع مصالحها، من خلال دعم الأنظمة الاستبدادية في المنطقة، وتعزيز التحالفات العسكرية مع المغرب وإسرائيل.

هذا الوضع يعزز المخاوف الجزائرية من أن الإمارات تحاول عزلها إقليميًا، مما يفاقم التوترات القائمة.

رد الفعل الجزائري والدبلوماسي

الرئاسة الجزائرية لم تصدر حتى الآن أي بيان رسمي حول الأزمة المتصاعدة مع الإمارات، ولكن تعليق طباعة صحيفة "جزائر الغد" يعكس نية الجزائر في كبح التصعيد الإعلامي الداخلي، ومع ذلك، يبقى السؤال حول مدى تأثير هذه التحركات على العلاقات الثنائية بين البلدين.

من المتوقع أن تشهد الأسابيع المقبلة تطورات إضافية في هذه الأزمة، إذا استمرت الجزائر في اتهام الإمارات بالتدخل في شؤونها الداخلية، قد تتجه نحو تصعيد دبلوماسي أكبر، يصل إلى طرد السفير الإماراتي أو تقليص مستوى العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.

ختاما ؛ الأزمة الدبلوماسية بين الجزائر والإمارات تشير إلى تعقيدات أعمق تتعلق بتوازن القوى في المنطقة العربية والإفريقية.

إذ تلتقي مصالح الدولتين في كثير من القضايا الإقليمية، لكنها تتعارض بشدة في ملفات أخرى، مثل الصراع في الصحراء الغربية والنفوذ في منطقة الساحل.

ومع تصاعد التصريحات الإعلامية والمواقف العدائية، يبدو أن العلاقة بين البلدين تسير نحو مرحلة جديدة من التوتر، قد تكون لها تداعيات واسعة على العلاقات الإقليمية والدولية.