تصاعدت حدة الإضرابات العمالية في مصر بشكل ملحوظ خلال الفترة الأخيرة، نتيجة تدهور الحالة المعيشية لملايين العمال في ظل ارتفاع غير مسبوق في أسعار السلع الأساسية، يقابله تراجع في مستويات الدخل. ورغم القبضة الأمنية المشددة وغياب أي فعل سياسي تقليدي في الشارع، سواء من خلال الأحزاب أو النقابات، شهدت البلاد عدة إضرابات عمالية كبيرة، ما يطرح تساؤلات حول مدى تأثير هذه التحركات في إحياء النشاط السياسي في مصر، والذي شهد تراجعاً حاداً خلال السنوات العشر الماضية. الإضرابات العمالية: تعبير عن رفض الواقع الاقتصادي خلال الأشهر الماضية، شهدت مصر أربعة إضرابات عمالية كبرى، بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية وتراجع الدخل وارتفاع الأسعار، والتي طاولت كل شيء في البلاد، بنسب زادت في بعض الأحيان عن 50%. وعلى الرغم من القيود المفروضة بموجب قانون التظاهر الذي يقيد التجمعات، إلا أن العمال لجأوا إلى الإضراب للتعبير عن رفضهم لارتفاع الأسعار والمطالبة بزيادة الأجور، خاصة بعد إعلان الحكومة زيادة الحد الأدنى للأجور. إلا أن بعض الشركات، لا سيما في القطاع العام وقطاع الأعمال الحكومي، رفضت تطبيق هذه الزيادات، مما دفع العمال إلى المجازفة بالإضراب، رغم ما قد يترتب عليه من عواقب قانونية وأمنية. إضراب غزل المحلة: بداية سلسلة الاحتجاجات كان إضراب عمال شركة غزل المحلة، الذي بدأ في فبراير الماضي، من بين أبرز هذه الإضرابات، حيث خرج العمال احتجاجاً على استثنائهم من قرار رفع الحد الأدنى للأجور. استمر الإضراب نحو أسبوع، وانتهى بصدور قرار من وزير قطاع الأعمال السابق بالاستجابة الجزئية لمطالب العمال، بعد أن تكبدوا خسائر كبيرة، منها توجيه إنذارات بالفصل والقبض على عدد من القيادات العمالية. ورغم محاولة قمع هذا الإضراب، إلا أنه شكل حافزاً لعمال شركات أخرى للقيام باحتجاجات مشابهة. إضراب عمال "الشوربجي" و"وبريات سمنود": استمرار الاحتجاجات تلى إضراب غزل المحلة احتجاجات لعمال شركة النصر للغزل والنسيج "الشوربجي" في أغسطس الماضي، حيث تجمع العمال داخل مقر الشركة للمطالبة بحقوقهم، وسط تهديدات باستدعاء الأمن الوطني والقبض عليهم. وطالب العمال بعودة اللجنة النقابية للشركة للعمل وتطبيق الزيادات المقررة في الأجور، مشيرين إلى التمييز في المعاملة بينهم وبين عمال مجمع حلوان. وفي نفس الشهر، دخل عمال "وبريات سمنود" في إضراب عن العمل للمطالبة بتطبيق الحد الأدنى للأجور، وتبع ذلك تصعيد من قبل الإدارة، باستخدام الأمن والبلطجية لترهيب العاملات والعمال. تزايد الإضرابات رغم القمع الأمني ورغم أن السلطات المصرية تتعامل بقسوة مع الإضرابات، بما في ذلك القبض على العمال وفصلهم من العمل، إلا أن الاحتجاجات العمالية في تصاعد مستمر. هذا التصاعد يأتي دون دعم سياسي أو نقابي، ويعبر عن حالة من الإنهاك الشعبي بسبب الضغوط الاقتصادية المتزايدة، إذ يعاني المواطنون من ارتفاع تكاليف المعيشة، بما في ذلك أسعار السلع الأساسية والخدمات مثل النقل والوقود والكهرباء والغاز. وقد أشار الأمين العام للحزب المصري الاشتراكي، أحمد بهاء الدين شعبان، إلى أن هذه الإضرابات ليست ظاهرة ضخمة بعد، لكنها تتبلور باتجاه تصاعدي لأسباب موضوعية مفهومة، من بينها الزيادات الهائلة في تكاليف المعيشة وتجاهل الشركات لتطبيق الحد الأدنى للأجور. الإضرابات كنوع من الحراك السياسي من ناحيته، اعتبر رئيس حزب الإصلاح والتنمية، النائب السابق محمد أنور السادات، أن الإضرابات العمالية في مصر تشكل "نوعاً من الحراك السياسي الموجود في النقابات والاتحادات"، وأوضح أنه رغم وجود مساحة من الدولة للسماح بالتعبير عن النفس، فإن هذه الاحتجاجات لا تدفع إلى تغيير في البنية السياسية، وإنما تعكس حالة الاحتقان الاجتماعي والاقتصادي. وأكد السادات أن الأوضاع لم تعد مقتصرة على محدودي الدخل، بل شملت أيضاً متوسطي الدخل وحتى رجال الأعمال، ما يعني أن الاحتجاجات قد تتصاعد في المستقبل إذا لم يتم التوصل إلى حلول حقيقية. في ظل استمرار التدهور الاقتصادي، من المتوقع أن تتصاعد الإضرابات العمالية في مصر خلال الفترة المقبلة، خاصة إذا استمرت السلطات في التعامل الأمني مع الاحتجاجات دون تقديم حلول جذرية لمشاكل العمال. وعلى الرغم من أن القبضة الأمنية قد تنجح في قمع التحركات العمالية على المدى القصير، إلا أن استمرار الضغط الاقتصادي سيؤدي في النهاية إلى انفجار اجتماعي يصعب السيطرة عليه. يبقى السؤال المطروح هو: هل ستكون هذه الإضرابات نواة لإعادة إحياء النشاط السياسي في مصر، أم أنها ستظل مجرد صرخة في وجه واقع اقتصادي خانق؟ الأيام المقبلة ستكشف الكثير عن مستقبل الحراك العمالي والسياسي في البلاد.

