شهدت ولاية غرب كردفان السودانية تطورًا ميدانيًا خطيرًا، بعد إعلان قوات الدعم السريع سيطرتها الكاملة على مدينة بابنوسة الاستراتيجية، في ظل تصاعد العمليات العسكرية وتدهور الأوضاع الإنسانية بشكل حاد.

 

وأدى استمرار القتال وانهيار الخدمات الأساسية إلى نزوح آلاف السكان من المدينة، بينما عرضت قوات الدعم السريع خروجًا آمنًا لعناصر الجيش المتحصنين داخل مقر قيادة الفرقة 22 التابعة للقوات المسلحة.

 

مدينة بابنوسة.. السيطرة والانهيار

 

أكدت مصادر ميدانية أن قوات الدعم السريع أحكمت قبضتها على مدينة بابنوسة بعد أسابيع من الحصار والقصف المدفعي، فيما بدأت قوات الجيش الانسحاب تدريجيًا من مواقعها داخل المدينة.

 

وأفادت لجنة الطوارئ المحلية بأن المدينة أصبحت "شبه خالية من السكان" نتيجة موجة نزوح جماعي باتجاه القرى المجاورة، حيث وصل نحو 700 شخص، بينهم نساء وأطفال، إلى قرية جبلية قرب مدينة الدلنج بعد رحلة استمرت أكثر من عشر ساعات وسط ظروف أمنية بالغة الصعوبة.

 

وتشير تقارير ميدانية إلى أن الخدمات الأساسية — من مياه وكهرباء واتصالات — انهارت بالكامل، مما جعل المدينة غير صالحة للحياة في الوقت الراهن.

 

عرض خروج آمن لجنود الجيش

 

أعلن العقيد تاج التجاني، قائد قطاع غرب كردفان في قوات الدعم السريع، أن قواته تضمن خروجًا آمنًا للجنود الراغبين في مغادرة المدينة طوعًا، مؤكدًا أن الهدف من العملية هو "تحييد الجيش" وليس استهداف الأفراد.

 

وأوضح أن قوات الدعم السريع تسعى إلى "استكمال السيطرة الميدانية" في الإقليم، مشيرًا إلى أن أي عناصر عسكرية تسلم نفسها ستحظى بمعاملة إنسانية وفقًا للقوانين الدولية.

 

وبحسب مصادر عسكرية، فقد فشلت آخر محاولة إمداد جوية للجنود المحاصرين عندما تمكنت قوات الدعم السريع من إسقاط طائرة نقل من طراز “إليوشن”، مما أدى إلى مقتل طاقمها المكوّن من ثلاثة روس وبيلاروسي واحد، وفق بيان رسمي نشرته القوات على حسابها في “إنستجرام”.

 

تداعيات إنسانية خطيرة

 

يواجه سكان غرب كردفان ودارفور كارثة إنسانية متفاقمة، إذ تسببت المعارك المستمرة في نزوح عشرات الآلاف من المدنيين، مع انقطاع طرق الإمداد ونقص الغذاء والدواء.

 

وتشير تقارير الإغاثة الدولية إلى أن الوضع في بابنوسة يعكس "نموذجًا مصغرًا" لما يحدث في غرب السودان عمومًا، حيث تتقاطع السيطرة العسكرية مع المعاناة الإنسانية.

 

كما حذر مراقبون من أن استمرار انهيار الخدمات الأساسية في المدن التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع قد يؤدي إلى أزمة نزوح إقليمي جديدة نحو جنوب السودان وتشاد، في ظل غياب أي ممرات إنسانية آمنة.

 

الفاشر وبابنوسة.. خارطة جديدة للسيطرة

 

تأتي السيطرة على بابنوسة بعد أسابيع من إعلان قوات الدعم السريع سيطرتها على مدينة الفاشر، آخر معاقل الجيش في إقليم دارفور.

 

وبذلك تكون القوات قد أحكمت نفوذها على معظم مناطق غرب السودان، بما في ذلك ولايات ذات أهمية استراتيجية واقتصادية كبيرة.

 

فكل من دارفور وكردفان تمثلان نحو نصف مساحة السودان ويقطنهما قرابة 30% من السكان، إلى جانب الثروات النفطية والحيوانية التي تُعد هدفًا رئيسيًا في الصراع بين الجيش والدعم السريع.

 

المبادرات الدولية في مأزق

 

في ظل هذا التصعيد، تزداد الشكوك بشأن فرص نجاح المبادرات الدولية لوقف الحرب.

 

فقد طرحت المجموعة الرباعية — المكوّنة من الولايات المتحدة، والإمارات، والسعودية، ومصر — في 12 سبتمبر خطة تتضمن وقف إطلاق نار وهدنة إنسانية لمدة ثلاثة أشهر، يليها مسار سياسي شامل لإنهاء الصراع.

 

ورغم إعلان قوات الدعم السريع موافقتها المبدئية على الخطة، إلا أن الجيش السوداني لم يصدر موقفًا رسميًا حتى الآن، وسط أنباء عن ضغوط يمارسها حلفاؤه من تنظيم الإخوان للاستمرار في الحرب وعدم تقديم تنازلات سياسية.

 

في النهاية يمثل سقوط بابنوسة تحولًا استراتيجيًا في مسار الحرب السودانية، إذ لم تعد المعارك مقتصرة على دارفور فحسب، بل امتدت إلى العمق الغربي للبلاد.

 

وبينما تسعى قوات الدعم السريع لتكريس سيطرتها الميدانية، يعيش آلاف المدنيين في مأساة إنسانية حقيقية.

 

ومع فشل محاولات الإمداد العسكري وتراجع فرص التسوية السياسية، يبدو أن السودان يتجه نحو مرحلة أكثر تعقيدًا من الصراع والانقسام، ما لم تنجح الضغوط الإقليمية والدولية في فرض هدنة شاملة تنقذ ما تبقى من الدولة.