كشف وفد اقتصادي مصري بقيادة رئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي، خلال زيارته للعاصمة السعودية الرياض مطلع هذا الأسبوع، عن تفاوض الحكومة المصرية لتحويل ودائع سعودية مستحقة بقيمة 5.3 مليارات دولار إلى استثمارات في أراض وأصول عامة.

هذا التوجه يأتي في إطار سعي مصر لمواجهة أزمة الديون الخارجية المتفاقمة، حيث تواجه البلاد التزامات مالية تقدر بنحو 11 مليار دولار من فوائد وأقساط واجبة السداد بحلول نوفمبر المقبل.

يتزامن ذلك مع ضغوط يمارسها صندوق النقد الدولي على الحكومة للإسراع في تنفيذ برنامج الطروحات العامة قبل بدء المراجعة الرابعة لأداء الاقتصاد المصري المقررة في بداية أكتوبر المقبل.

استثمارات سعودية مقابل التنازل عن أصول

أعلنت الحكومة المصرية في ختام زيارة مدبولي إلى الرياض عن نيتها استقبال استثمارات سعودية بقيمة 5 مليارات دولار.

تأتي هذه الاستثمارات كجزء من صفقة تتضمن التنازل عن أراض وشركات استراتيجية وحل سريع للمشاكل العالقة مع المستثمرين السعوديين، مقابل تحويل الوديعة الدولارية المستحقة.

تشمل هذه الإغراءات التنازل عن أراضٍ ومشروعات في قطاعات الزراعة والعقارات والبتروكيماويات.

وأوضح مصدر حكومي أن الاتفاق تم بعد عامين من المفاوضات، وأكدت السعودية موافقتها على ضخ قيمة الودائع في استثمارات مملوكة للدولة.

يُتوقع أن تشمل الاستثمارات السعودية تخصيص أراضٍ زراعية وللبناء العقاري، ومشروعات سكنية وفندقية، وأسهمًا في شركات بتروكيماويات.

كما اشترط الجانب السعودي إنهاء النزاعات القانونية القائمة مع المستثمرين السعوديين والتي بلغ عددها 14 حالة تتداول حاليًا في المحاكم المصرية.

دفع هذا رئيس الوزراء المصري إلى توجيه الوزارات المعنية بإنهاء هذه النزاعات بشكل سريع، دون انتظار لحكم القضاء.

مشاورات مع الصين

وفي سياق موازٍ، أكدت مصادر لـ"العربي الجديد" إجراء مصطفى مدبولي مشاورات مع الحكومة الصينية خلال وجوده في منتدى التعاون الصيني الأفريقي التاسع في بكين الأسبوع الماضي.

تناولت المشاورات تحويل قيمة وديعة صينية تبلغ 18 مليار يوان (تعادل 3.2 مليارات دولار) إلى استثمارات صينية في مصر.

تشمل هذه الاستثمارات تمليك الشركات الصينية الحكومية المشرفة على تنفيذ البرج الأيقوني في العاصمة الإدارية الجديدة، وأبراج العلمين بالساحل الشمالي.

كما سعت الحكومة المصرية للحصول على قرض عاجل من صندوق التنمية الصيني بقيمة مليار دولار لدعم الاحتياطي النقدي.

تأجيل مستحقات شركات البترول

من جهة أخرى، تسعى الحكومة المصرية لتأجيل سداد مستحقات شركات البترول التي تقدر بنحو 3.2 مليارات دولار لما بعد نوفمبر المقبل.

تتضمن هذه الاستراتيجية التزام وزارة البترول بالسماح للشركات المستحقة بزيادة حصتها من إنتاج الغاز خلال فصل الشتاء، بما يوفر للشركات العملة الصعبة ويخفف الضغط على الاحتياطي النقدي من البنك المركزي.

بيع أصول مقابل الديون

يرى الخبير الاقتصادي عبد النبي عبد المطلب أن تحويل الودائع السعودية إلى استثمارات في الشركات العامة يُعد عملية بيع أصول مقابل الديون، مشيرًا إلى أن الحكومة المصرية تعتمد على هذه الصفقات لتوفير احتياطي نقدي يضمن قدرتها على شراء السلع الأساسية واستقرار سعر الصرف لمدة عام.

ومع ذلك، يرى عبد المطلب أن مبادلة الدين بأصول عامة لا علاقة لها بالاستثمار المباشر، حيث لا يمكن للدولة التحكم في طريقة استخدام الأصول أو فرض خطط استثمارية معينة على المالكين الجدد.

التبعات الاقتصادية

حذر عبد المطلب من أن هذا النهج قد يؤدي إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية، حيث تعطي هذه الصفقات إشارات سلبية للمستثمرين بشأن قدرة الدولة على سداد ديونها والوفاء بالتزاماتها.

واستشهد بصفقة بيع منطقة رأس الحكمة لصندوق الاستثمار الإماراتي، حيث منح الصندوق ملكية الأرض دون خطة استثمار واضحة، ما يسمح للمستثمر بإعادة بيع الأرض أو تحويلها لمشروعات غير مستدامة، مما يؤدي إلى ضغوط جديدة على الدولار.

كما أشار إلى أن هذه الصفقات تُشبه الاعتماد على الأموال الساخنة، التي تعتمد على بيع أذون الخزانة بفائدة مرتفعة لجذب الدولار.

وعندما تنسحب هذه الأموال من السوق فجأة، يتعرض الاقتصاد لهزات شديدة كما حدث في فبراير 2022 عندما تراجع الجنيه من 15.5 إلى نحو 48.5 جنيهًا مقابل الدولار، بسبب خروج رؤوس الأموال الأجنبية.

تحذير من التنازل عن الثروات

حذر الخبير الاقتصادي من توسع الحكومة في هذه المشروعات، مشيرًا إلى أن بيع الأصول العامة مقابل الديون يشبه المزادات العلنية، حيث يُنظر إلى الدولة على أنها عاجزة عن الوفاء بالتزاماتها.

يمكن أن يؤدي هذا النهج إلى تحوّل الأراضي المتنازل عنها إلى مشروعات غير مجدية اقتصاديًا، بما يتعارض مع خطط التنمية المستقبلية.
وفي الختام، أكد عبد المطلب أن الحكومة تسعى لإتمام هذه الصفقات لتوفير احتياطي نقدي يمكنها من مفاوضة صندوق النقد الدولي من موقف قوة، ولتخفيف الضغط على الاقتصاد المصري في المرحلة الحالية.

لكن تبقى المخاوف من تداعيات هذا النهج على المدى الطويل، خاصةً فيما يتعلق بفقدان السيطرة على الأصول العامة والضغوط المستمرة على الاقتصاد.