وجهت وزارة التنمية المحلية خطابات لقاطني 3126 وحدة سكنية، بمناطق السكن البديل للعشوائيات لطردهم قبل نهاية الشهر الجاري، لعدم التزامهم بسداد قيمة إيجار الوحدات السكنية لمدد تتراوح ما بين عام وأربعة أعوام.

ألزمت الوزارة السكان المقيمين في الوحدات السكنية بسداد المستحقات المالية خلال أيام، لوقف إجراءات الطرد الفوري، بشرط التوقيع على تعهد يلزم المتأخرين بموافقتهم المسبقة على إخلاء الوحدات السكنية، في حالة تكرار عدم دفع الإيجارات بالتوقيتات المطلوبة من الإدارات التابعة لها بالمحافظات.
بررت الوزارة قرارات الطرد بأنها جاءت التزاماً بتعليمات رئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي، التي أقرها خلال اجتماعه الأول بمجلس المحافظين نهاية أغسطس الماضي، والذي شدد فيه على ملاحقة المتأخرين عن سداد الإيجارات أو قيمة حق الانتفاع بالوحدات السكنية التي نفذتها الحكومة لصالح الأسر الذي حصلوا على وحدات سكنية بالمناطق البديلة للسكن بالعشوائيات.
 

هلع سكان 60 منطقة
تسبب قرار الوزارة في حالة هلع بين سكان 60 منطقة سكنية بديلة أقيمت من بين 268 منطقة عشوائية بمحافظات القاهرة والإسكندرية والجيزة ودمياط والدقهلية، تولت الحكومة تطويرها بدعم من المجتمع المدني خلال الفترة من 2014 إلى 2023، شملت بناء 236 ألف وحدة سكنية بتكلفة 318 مليار جنيه.

وفي مناطق الأسمرات التي أقيمت فوق تلال هضبة المقطم، على مشارف الطرق الدائرية للعاصمة، رصدنا مخاوف الناس من تهديدات رئيس الوزراء بإخلاء مساكنهم التي حصلوا على حق الانتفاع بها، مقابل رسم شهري 350 جنيهاً، فرضت عليهم في بداية تنفيذ مشروع التطوير للعشوائيات، التي كانوا يقيمون بها بمناطق السيدة زينب وعين الصيرة وسط العاصمة.

أخبر مواطنون "العربي الجديد" بأن عدم التزام السكان بدفع الإيجارات في مواعيدها، بدأ منذ اللحظات الأولى من استلام الوحدات، مشيرين إلى إخطارهم من قبل المسؤولين عند خروجهم من بيوتهم القديمة، بأن الدولة ستكافئهم بمنازل بديلة، مزودة بفرش وأدوات كهربائية تغنيهم عن حمل أمتعتهم، فإذا بهم يفاجأون بأن تلك المعدات لا تناسب الحد الأدنى للإقامة، مع صغر حجم الوحدة.

يشير أحد المقيمين بالأسمرات، أحمد السيد، إلى أن الناس دخلوا في مفاوضات مع الجهات الأمنية المكلفة بإدارة المشروع لحساب الحكومة، وتركوا الأمور دون حسم، خلال الأعوام الماضية، حتى بدأت الشركات التابعة للجيش والقطاع الخاص إقامة مشروعات جديدة على الطرق المحيطة بالأسمرات، فأصبح للمشروع قيمة تجارية كبيرة وإطلالة خاصة من فوق جبل المقطم، تنافس المناطق الاستثمارية.

أوضح السيد أن بعض السكان تنازلوا من الباطن عن وحداتهم، أملاً في العودة إلى جذورهم بالقرب من مناطق العمل وباقي أفراد العائلة، وأن آخرين التزموا بالسداد الشهري والاستقرار التام، بعد أن تمكنوا من إيجاد بدائل لأعمالهم، وهناك من لم يتمكنوا من تدبير القيمة الشهرية للإيجارات التي تراكمت عليهم طوال الأعوام الماضية، منتظرين أن تخفف عنهم الحكومة المصروفات أو تعفيهم منها أو تسمح للجمعيات الأهلية التي شاركت في البناء، بسداد تلك الإيجارات.

يؤكد السيد أن تعسّف الحكومة بطلب طرد السكان المتأخرين، واكب دعوة مواطنين إلى عدم دفع الإيجارات والفواتير الحكومية احتجاجاً على رفع أسعار الكهرباء والمياه والغاز، وإلزام كل وحدة بتركيب عدادات مسبقة الدفع لكل الخدمات حملت الناس تكاليف باهظة، مشيراً إلى أن الإيجارات السكنية لا علاقة لها بهذا الأمر، مع ذلك تبدي الحكومة تعسّفاً في التعامل مع السكان، دون أن تدرس حالة كل شخص على حدة.

يشير السيد إلى أن الحكومة استفادت من المساكن التي أخرجوا منها، حيث قامت ببيع أرض عين الصيرة لشركة إماراتية حولتها إلى منتجع سياحي كبير يباع فيه المتر بعشرات الآلاف من الجنيهات، وفي أرض السيدة زينب، أعادت عدداً محدوداً من السكان إلى وحدات جديدة، بينما الباقي يسكن في مساكن بجبل المقطم، وبيعت المحلات بملايين الجنيهات، دون أن يستفيد الأهالي إلا بوحدة ضيقة بعيدة عن أعمالهم، ولا تتوافر بها فرص عمل كافية، دفعت الناس إلى تركها والسكن فوق أسطح المنازل بالمناطق القديمة.


نزلة السمان
في منطقة نزلة السمان الجديدة، القريبة من أهرامات الجيزة، كان المشهد مختلفاً، أمام السكان الذين نقلتهم الحكومة منذ عامين قسراً من بيوتهم الواسعة المحيطة بالأهرامات إلى وحدات سكنية لا تزيد عن 80 متراً.

يشير إبراهيم طلبة (أحد المنقولين إليها) إلى أن أغلب المنقولين لم يدفعوا قيمة الإيجارات، بسبب تعدد الجهات المسؤولة عن الموقع الجديد، فتارة تصبح الوحدات السكنية تابعة لهيئة التنمية العمرانية وأخرى لمدينة 6 أكتوبر القديمة وأخيراً استقرت تبعيتها لجهاز مدينة حدائق أكتوبر الجديدة.
يلفت طلبة إلى قبوله الانتقال إلى السكن المحدد من قبل الحكومة، بعد أن وجد التعويض النقدي عن وحدته المملوكة له بالوراثة، لا يزيد عن 150 ألف جنيه، بينما سعرها السوقي قدر حينه بما يفوق 700 ألف جنيه، عدا فرق المساحة، مع ذلك ارتضى طلبة النقل القسري، لعلمه صعوبة الوقوف في وجه مشروع تتولاه الدولة يستهدف تطوير منطقة الأهرامات بالكامل، يتطلب إزالة مئات المنازل القريبة من أهرامات الجيزة، بخلاف غيره من الذين حصلوا على وحدات سكنية، على مسافة 30 كيلومتراً في قلب الصحراء، بالقرب من محافظة الفيوم.

يبدي طلبة استغرابه من تشدد الحكومة المفاجئ مع غير الملتزمين بدفع الإيجارات، رغم أنها لم تلتزم بوعودها بصرف مستحقات الناس بموعدها أو تعويضهم بأماكن مناسبة، مؤكداً أن مشروع حي نزلة السمان الجديدة تحول الشهر الماضي إلى "كومبوند سياحي" لبيع الوحدات المستحقة للمنقولين قسراً، في مزاد للقطاع الخاص، بسعر 1.6 مليون جنيه للوحدة، بما حرم باقي المتضررين من حقهم في سكن نظيف قريب من بيوتهم القديمة وأعمالهم والمواصلات العامة.

جزيرة الوراق
في جزيرة الوراق الأكثر زخماً بالأحداث الساخنة، حيث تشهد من حين إلى آخر، صدامات عنيفة بين السكان وقوات الأمن، يؤكد الناشط الحقوقي رأفت عبد النبي، من الجيل الثالث لسكان الجزيرة الواقعة بمنتصف مجرى نهر النيل شمال العاصمة، أن الوضع أصبح هادئاً، في ظل التزام الحكومة بعدم تهجير المواطنين قسراً، وعدم رغبة الناس في إخلاء مساكنهم والخروج من أرضهم.

يؤكد عبد النبي لـ"العربي الجديد" أن التعويضات التي حصل عليها المهجرون من الجزيرة، بقيمة 4 آلاف جنيه للمتر بالوحدة السكنية، و1428 جنيهاً للمتر بالأراضي الزراعية، أو منح السكان غير المالكين شقة بديلة في مناطق صحراوية متطرفة خارج مدينة 6 أكتوبر، على مسافة 50 كيلومتراً من الجزيرة، جعلتهم يتوقفون تماماً عن التفاوض مع الحكومة بما يبقي الوضع على ما هو عليه.
يبين المحامي أن الحكومة أظهرت أنها الطرف المستفيد من صفقة خروج الأهالي من جزيرتهم التي يسكنون عليها منذ مئات السنين، حيث تشتري الأرض والمساكن بثمن بخس، لتلقي بها إلى المستثمرين الأجانب بمليارات الجنيهات، دون أن تفكر في البدائل التي تقدم بها الأهالي لتحويل الجزيرة إلى "مانهاتن" الشرق كما ترغب.

يصر أهالي الوراق على مشاركتهم في عمليات التطوير مع عدم التخلي عن أصولهم، وتحقيق العدالة بين مصلحة الدولة والناس، أسوة بتسويات تمت في جزر نادرة ومناطق كثيرة حول العالم. يبين عبد النبي أن المساكن التي حصل عليها أهالي الوراق، تمنحهم دون غيرهم من مشروعات الدولة، حق التنازل للغير، موضحاً أن الإيجارات المتأخرة على البعض، ترجع إلى صعوبة الوصول إلى مراكز التحصيل الحكومية بصفة شهرية أو عدم التزام المشترين للوحدات بالسداد، بالتوقيت المطلوب.

وأشار إلى أن تأخير المستأجرين في دفع قيمة الإيجار لا يعني حق الحكومة في طردهم من مساكنهم بهذه الطريقة، لأن القانون يعاقب على ذلك بالتدريج، والدولة تملك تحصيل حقوقها بعدة وسائل، حتى لا تشجع القطاع الخاص على السير في نفس الاتجاه، فتصنع كارثة اجتماعية أخرى.
يشير حقوقيون إلى أن الحكومة لم تعد طرفاً منصفاً في تعاملها مع المتضررين من الخروج القسري من بيوتهم لتطوير المناطق العشوائية، مشيرين إلى مصادرتها للمناطق الجديدة بقوة قانون المنفعة العامة، ثم تحصل على دعم من الموازنة العامة وأموال الجمعيات الأهلية، والتبرعات القسرية التي يدفعها الموظفون العموميون والعاملون بالقطاع الخاص لصالح صندوق "تحيا مصر" المشرف على تطوير العشوائيات، لتعيد بيع الأراضي والمحلات والوحدات للمستثمرين، وقليل منها ما يتجه إلى المتضررين الأصليين.
 

تفضيل العشوائيات
تدفع الإجراءات الحكومية كثيراً من الناس إلى تفضيل الحياة داخل العشوائيات والمناطق المعرضة للهدم، على أن تنتقل إلى المناطق البديلة التي يشعرون فيها بالاغتراب وبكثرة الأعباء المالية وندرة الوظائف.
تختلف أجهزة الدولة حول إحصاءات المناطق العشوائية وعدد الوحدات التي تحتاج إلى الهدم، فما بين وجود 113 منطقة عشوائية ترصدها لجان الإسكان والمحليات في البرلمان، تظهر دراسات مركز بحوث الإسكان أن عدد المناطق يتراوح ما بين 113 إلى 200 منطقة عشوائية، تحتاج إلى التطوير الشامل بإزالة بعض شوارعها والبيوت التي تعترض مناطق التطوير والآيلة للسقوط.
سجلت وزارة التنمية المحلية 111 ألف منشأة آيلة للسقوط على مستوى الدولة، منها 21.8 ألف وحدة، بمحافظة الغربية وسط الدلتا، والقاهرة 19.7 ألفاً والدقهلية 15.9 ألف وحدة سكنية.
يقدر جهاز التفتيش الفني على سلامة البناء عدد المباني الصادر لها قرارات إزالة بنحو 60 ألف عقار عام 2020. يرصد المركزي المصري للحق في السكن عدد العقارات الآيلة للسقوط بنحو 1.4 مليون عقار.
تشير دراسة للخبير المعماري والباحث العمراني بمعهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط بواشنطن، إبراهيم عز الدين، إلى أن مصر شهدت خلال السنوات العشر الأخيرة، توسعاً في مشروعات التنمية العمرانية صاحبته سياسات فرض السيطرة واستخدام القوة، حيث تزايدت عمليات إخلاء المساكن بالإكراه وطرد سكان الأحياء الفقيرة، بعضهم تم تغريبه عن منطقته وآخرون لم يجدوا مأوى.

تبين الدراسة الصادرة في أغسطس الماضي، أن الحكومات السابقة، كانت تراعي تطبيق بعض مواد القانون الخاصة بتوفير مساكن بديلة لأهالي المناطق التي تقرر إزالتها، وإن كانت غير ملائمة، أو تعويضهم مادياً وإن كانت زهيدة إلا أن الوضع تغير في الفترة الأخيرة، وتحولت السياسة الفعلية للحكومة إلى الإخلاء مقابل لا شيء.

أشار التقرير إلى آلاف الحالات من الإخلاء القسري التي قامت بها الحكومة بكل من ضاحية الجميل بمحافظة بورسعيد، وإخراج الناس بالأمر، دون تعويضات، لصالح مستثمر خليجي، بالتزامن مع إخلاء منطقة مشروع مدينة رأس الحكمة بالقوة مقابل تعويضات زهيدة للأهالي، عن مساكنهم وبيوتهم ومزارعهم.
يرصد التقرير إخلاء ما يقرب من 57 ألفاً و343 وحدة سكنية يقطنها 2.8 مليون نسمة بمحافظتي القاهرة والجيزة خلال الفترة من 2018-2022، لاستغلال قيمة الأرض بالمواقع الحيوية في مشروعات استثمارية، مستشهداً بنقل سكان منطقتي نزلة السمان بالجيزة، ومدابغ عين الصيرة جنوبي القاهرة في مدة تتراوح ما بين 14 إلى 30 يوماً فقط.

يذكر التقرير نقلا عن منظمة هيومن رايتس ووتش، إجلاء السلطات سكان مدينة رفح، وهدم 3 آلاف و255 منزلاً على الأقل خلال 48 ساعة، في الفترة من 2013 إلى 2015، دون تدبير بدائل لهم، بالمخالفة للدستور الذي يحرم التهجير القسري والقوانين التي تحدد آليات التفاوض والتعويض المالي والاجتماعي.