تعتبر منطقة "رأس الحكمة" على الساحل الشمالي الغربي لمصر واحدة من أجمل المناطق الطبيعية ذات الإمكانيات السياحية الكبيرة. ومع ذلك، في السنوات الأخيرة، أصبحت المنطقة مسرحاً لخلافات شديدة تتعلق بملكية الأراضي وحقوق المواطنين، ما أثار جدلاً واسعاً حول السياسات الحكومية المتعلقة بتطوير هذه المناطق، وما إذا كانت هذه السياسات تتجاهل حقوق السكان المحليين والمستثمرين الصغار. تفريط في الأراضي العامة بدأت الأزمة عندما أطلقت الحكومة المصرية مشاريع تطويرية في "رأس الحكمة" تهدف إلى تحويلها إلى وجهة سياحية عالمية. وضمن هذه المشاريع، قامت الحكومة بطرح مساحات شاسعة من الأراضي في المنطقة للشركات الكبرى والمستثمرين الأجانب بهدف تطوير المنتجعات الفاخرة والمرافق السياحية. وعلى الرغم من الفوائد الاقتصادية المتوقعة من هذه المشاريع، يثير تفريط الحكومة في الأراضي العامة القلق بشأن مدى تحقيق التوازن بين النمو الاقتصادي وحماية حقوق السكان المحليين. وقد أشار عدد من الخبراء إلى أن عملية بيع الأراضي تمت بشروط تفضيلية للمستثمرين الأجانب على حساب المواطنين المصريين الذين كانوا يملكون قطعاً من هذه الأراضي أو يعيشون ويعملون فيها منذ أجيال. وقد أُجبر العديد من هؤلاء المواطنين على مغادرة أراضيهم دون تعويض عادل، فيما اتهم آخرون الحكومة بتجاهل حقوقهم القانونية في الأرض. نزع حقوق المواطنين المسألة لا تتعلق فقط بتفريط الدولة في أراضيها، بل تتجاوز ذلك إلى نزع حقوق المواطنين. فقد أُجبر الكثير من السكان الأصليين على مغادرة منازلهم وأراضيهم تحت ذريعة التطوير والاستثمار. ورغم أن الحكومة قدمت وعوداً بتعويضهم أو نقلهم إلى مناطق أخرى، إلا أن هذه الوعود لم تتحقق في كثير من الحالات، تاركةً العديد من العائلات بدون مأوى أو مصدر رزق. قررت الحكومة المصرية تشكيل لجنة ثلاثية لحصر منازل الأهالي في مشروع مدينة رأس الحكمة الجديدة، بهدف نزع ملكيتها وتعويض الأهالي. تمتد المرحلة الأولى على مساحة 10,000 فدان، ويجري اتخاذ إجراءات لضمان تنفيذ المشروع بدون مشاكل مع السكان. رئيس الوزراء مصطفى مدبولي يتابع مستجدات المشروع وتقديم التعويضات للأهالي، حيث تم تخصيص مدينة "شمس الحكمة" كسكن بديل لهم، وتم اعتماد اشتراطات بنائية مؤقتة للمنطقة. المشروع السياحي الضخم يتم تنفيذه بالتعاون مع مستثمر إماراتي، وقد تلقت مصر تمويلاً يبلغ 35 مليار دولار، بما في ذلك تحويل ودائع إماراتية إلى استثمارات. يشمل المشروع إنشاء أحياء سكنية فاخرة، فنادق عالمية، ومارينا دولية، بالإضافة إلى خدمات تعليمية وصحية. تداعيات اجتماعية واقتصادية إن نزع حقوق المواطنين من أراضيهم في "رأس الحكمة" لا يؤثر فقط على المستوى الفردي، بل يتعدى ذلك ليؤثر على النسيج الاجتماعي بأكمله. فالعديد من هؤلاء المواطنين كانوا يعتمدون على الأراضي كمصدر رئيسي للرزق، سواء من خلال الزراعة أو السياحة الداخلية المحدودة التي كانت تدعم بعض الأسر. وبالإضافة إلى الآثار الاقتصادية السلبية على السكان المحليين، هناك تداعيات اجتماعية أيضاً. فالتهجير القسري للسكان يؤدي إلى تفكك المجتمعات المحلية وزيادة مشاعر الاستياء والظلم بين الأهالي الذين يشعرون بأن الدولة قد تخلت عنهم لصالح المستثمرين الأجانب والشركات الكبرى. انتقادات حقوقية أثارت هذه القضية انتقادات واسعة من منظمات حقوق الإنسان والجماعات الحقوقية في مصر وخارجها. فقد أصدرت العديد من المنظمات تقارير تشير إلى أن ما يحدث في "رأس الحكمة" هو مثال على "التهجير القسري" وانتهاك حقوق المواطنين في السكن والعمل. ووصفت هذه التقارير السياسات الحكومية بأنها تنحاز إلى الشركات الكبرى على حساب المواطنين المصريين البسطاء. وقال أحد النشطاء الحقوقيين: "إن ما نشهده في رأس الحكمة هو جزء من اتجاه أكبر في مصر حيث يتم تفضيل الاستثمار الأجنبي والمشاريع الكبرى على حساب حقوق المواطنين. إنه ليس مجرد قضية أراضٍ، بل قضية عدالة اجتماعية". ما يثير الاستغراب هو أن الحكومة المصرية لم تبحث بشكل جدي عن حلول وسط تضمن الحفاظ على حقوق السكان المحليين وفي الوقت نفسه تطوير المنطقة بشكل مستدام. فبدلاً من التعاون مع السكان وتقديم تعويضات عادلة أو تطوير مشاريع مشتركة معهم، تم اللجوء إلى سياسات التهجير القسري والاستيلاء على الأراضي. خاتما ؛ في النهاية، تبقى قضية "رأس الحكمة" مثالاً على التحديات الكبيرة التي تواجهها مصر في تحقيق التوازن بين التنمية الاقتصادية وحماية حقوق المواطنين. وعلى الرغم من أن المشاريع السياحية الكبرى قد تجلب فوائد اقتصادية للبلاد، إلا أن هذه الفوائد لا ينبغي أن تأتي على حساب حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية. يظل السؤال مفتوحاً: هل يمكن تحقيق تنمية مستدامة تضمن حقوق الجميع، أم أن رأس الحكمة ستظل رمزاً للتفريط في الأراضي وحقوق المواطنين؟