قالت دراسة بعنوان "تصديق جوبا على اتفاقية مياه النيل: الأسباب والتداعيات" نشرها موقع الشارع السياسي على الشبكة إن تصديق جنوب افريقيا على اتفاقية عنتيبي يُعد بمثابة اختبار حقيقي للعلاقات بين مصر وجنوب السودان، ويُثير تساؤلات حول مستقبل تلك العلاقات، ويفتح جبهة جديدة في الصراع على مياه النيل خاصة لمصر والسودان.
وبعد قيام دولة جنوب السودان بالمُصادقة رسميًا على اتفاقية عنتيبي الإطارية لدول حوض النيل؛ تُصبح الدولة السادسة التي تُقرّ بالاتفاقية، مما يُتيح المجال لتأسيس “مفوضية حوض النيل” خلال 60 يوما.
وعلى الطرف الآخر، سارعت إثيوبيا؛ ورئيس الوزراء آبي أحمد إلى الإشادة بتلك الخطوة التي وصفها بأنها "لحظة تاريخية بالنسبة لإثيوبيا".
واعتبر آبي أحمد في تغريدة عبر حسابه على منصة (إكس) أن ذلك إنجاز دبلوماسي، "يُمثِّل هذا الإنجاز الدبلوماسي خطوة مهمة في تطلعنا الجماعي للتعاون الإقليمي في حوض النيل، وسيُوفِّر التصديق قوة دفع للعمل من أجل تحقيق الصالح المشترك لشعوبنا من خلال إنشاء مفوضية حوض النيل".
الاتفاقيات التاريخية
واتفاقية عنتيبي تواجه اتفاقيات تصر مصر على التمسك بها وبحصصها التاريخية في مياه النيل، المُقرَّرة باتفاقيات 1902 و1929 و1959، وتُطالب باتفاق مُلزم قانونيًا يُنظم عملية ملء وتشغيل سد النهضة الإثيوبي، الذي تعتبره مصر تهديدًا مباشرًا لمواردها المائية.
إلا أن مُصادقة جنوب السودان على اتفاقية عنتيبي بحسب الدراسة كانت مفاجأة لمراقبين، لأن مصر اعتادت الوقوف إلى جانب دولة جنوب السودان، كما تُقيم العديد من المشاريع وتُقدِّم مساعدات للدولة الناشئة حديثًا، وهو ما دعا مُعلِّقين للقول إن مصر -بصمتها الرسمي- لا تريد أن توصد الباب تمامًا مع جنوب السودان بتصريحات قد تُنهي ما تبقَّى من حسن العلاقات.
وأشارت الدراسة إلى رفض مسؤولون بالخارجية المصرية التعليق على خطوة جنوب السودان، رغم إبداء مسؤولين سابقين القلق من الاتفاقية، التي تُعارضها مصر والسودان بشدة، خوفًا من إعادة توزيع حصص المياه بشكل غير عادل يُهدِّد الأمن المائي للبلدين.
أبرز التداعيات
وأكدت الدراسة أن تأسيس "مفوضية حوض النيل" هو أهم التداعيات المُحتملة لمُصادقة جوبا على اتفاقية عنتيبي، وتُعد المفوضية خطوة كبيرة في مسار تنفيذ اتفاقية عنتيبي التي ظلت مُتعثرة طوال 14 عامًا، حيث ستكون المفوضية هي الجهة المسؤولة قانونيًا عن جميع الحقوق والالتزامات الخاصة بمبادرة حوض النيل، والتواصل مع كافة الجهات المسؤولة.
وأوضحت أنه سيتمثَّل دورها في تعزيز التنسيق بين الدول الأعضاء لإدارة الموارد المائية بشكل مُستدام وعادل، بعيدًا عن نظام الحصص المائية السائد سابقًا. وستكون اتفاقية عنتيبي هي الإطار القانوني والمؤسسي الذي يُرجع إليه في حالة الخلافات والنزاعات.
واشنطن وتل أبيب
ومنذ انشقاق جنوب السودان عن السودان، تدعمها واشنطن وتل أبيب مما يؤكد أن مخطط تسليع مياه النيل وفض المياه الواصلة لمصر هدف صهيوني وقالت الدراسة إن إقدام جنوب السودان على تلك الخطوة لدور واضح لكلٍّ من الولايات المتحدة والكيان الصهيوني وإثيوبيا وأطراف إقليمية ودولية في دفع جنوب السودان لهذه الخطوة.
وأكدت الدراسة أن هذا الجدور يخدم مساعي إثيوبيا وحلفائها لتسريع تصديق دول حوض النيل على الاتفاقية يهدف إلى شرعنة سد النهضة، وتفريغ الاعتراضات المصرية والسودانية على السد ومطالبتها باتفاق قانوني مُلزم من مضمونه، ومن ثمَّ تكريس رأي عام عالمي داعم لحق إثيوبيا في بناء السدود على النهر دون العودة إلى مصر والسودان.
واستعرضت الدراسة التقصير من جانب القاهرة في اقتصار مشروعات مصر في جوبا على المشاريع التنموية فقط. فيما تُقدِّم كلٌّ من واشنطن وتل أبيب وأديس أبابا خدمات استخباراتية ودفاعية وعسكرية تُحافظ على بقاء نظام سلفا كير الهش وتُقوِّي وجوده بالسلطة، وهو ما جعل جوبا تنحاز لهذا الفريق وتتجاهل مصر.
وثالثا رأت أن انحياز جوبا إلى تحسين علاقاتها مع دول حوض النيل الأخرى، خاصةً مع إثيوبيا، حيث يرى هؤلاء أن جوبا ترى في الانضمام إلى الهضبة الإفريقية مصالح أكبر خاصة أنها أقرب إليهم دينيًا وعرقيًا وثقافيًا.
أسباب موضوعية
ومن جانب الموضوعية في التناول اشارت الدراسة إلى أسباب أسمتها موضوعية دفعت جنوب السودان للإقدام على تلك الخطوة: أولها؛ رغبتها في الاستفادة من المشاريع المشتركة التي ستترتب على الاتفاقية.
ومن أمثلة هذه الأسباب؛ تعزيز إمكانات الطاقة الكهرومائية، والتغلب على النقص المُزمن في الكهرباء وانقطاعاتها المستمرة في البلاد، ومُعالجة مخاوف الأمن المائي مثل الجفاف والفيضانات وتأثيرات تغير المناخ.
وأوضحت الدراسة أن (مشاكل توزيع المياه والبنية التحتية) يكشف مشكلة كامنة في جنوب السودان في توزيع المياه وتوفير البنية التحتية لنقلها لجميع أنحاء البلاد، وبالتالي باتت الحاجة للبحث عن مشاريع مشتركة لضمان عملية التوزيع، خاصة في ظل وجود أماكن تتعرض للجفاف في أقصى الشمال والجنوب.
وثالثها؛ مواجهة التداعيات السلبية للأزمة الإنسانية: حيث تمر جنوب السودان بأسوأ أزمة إنسانية في العالم بعد تفاقم عمليات النزوح؛ بسبب الحرب في السودان المجاورة العام الماضي، فضلًا عن الجفاف الذي ضرب مناطق عدة في البلاد، ونجم عنه معاناة قرابة ثمانية ملايين نسمة "ثلثي السكان"، من انعدام أمن غذائي شديد، وواجهت البلاد أسوأ أزمة جوع في تاريخها.
ورابعها؛ بحسب الدراسة تقوية موقفها التفاوضي: حيث تسعى جنوب السودان لتقوية موقفها التفاوضي عند بحث ملف تقاسم المياه مع السودان. رغم أن جنوب السودان لا تعترف باتفاقية 1959 لتقسيم مياه النيل بين مصر والسودان، إلا أنها تظل إحدى القضايا العالقة بين الجانبين منذ استقلال جنوب السودان في 2011.
وخامسها؛ رغبة النظام في إحراز أي إنجاز قبل الانتخابات المقررة نهاية هذا العام: خاصة في ظل استمرار العنف والاضطرابات الأمنية في البلاد منذ أوائل هذا العام، واضطرار الأمم المتحدة لنشر قوات حفظ سلام إضافية، مع تمديدها العقوبات المفروضة على البلاد؛ بسبب استمرار انتهاكات حقوق الإنسان، فضلًا عن استمرار التمرد المسلح جنوب البلاد بقيادة توماس سيريلو وجبهته الوطنية للخلاص.

