“الدواء ناقص” أصبحت أكثر العبارات تداولا على لسان الصيادلة في مصر عند صرف “الروشتات”، أو الوصفات الطبية، وتعكس إحباطا كبيرا لدى المرضى الذين يعانون خلال البحث عن الأدوية التي يحتاجون إليها، ولا تتوافر في الأسواق، ولدى الصيدليات التي تعاني بدورها من تراجع مبيعاتها.

وتعاني مصر، أكبر بلد عربي بعدد سكان يبلغ 110 ملايين نسمة، من نقص الكثير من الأدوية لأسباب متعددة، منها نقص المواد الخام اللازمة لتصنيع الدواء محليا، وقلة المعروض من الدولار اللازم لاستيراد المواد الخام، وعدم رفع أسعار الأدوية كما تطالب الشركات المنتجة.

ويخضع الدواء لـتسعيرة جبرية، وهي من اختصاص هيئة الدواء المصرية باعتباره سلعة استراتيجية، وتغطي مصانع الأدوية المصرية أكثر من 85% من احتياجات البلاد، لكن أكثر من 90% من المواد الخام التي تعتمد عليها هذه المصانع مستوردة أيضا.

الصيدليات غير مسؤولة
ودافعت الصيدلانية نرمين كمال عن دور الصيدليات، مؤكدة عدم مسؤوليتها عن ارتفاع أسعار الدواء ونقصه في الأسواق، وأوضحت أن الصيدليات ملزمة بالأسعار الجديدة التي تفرضها الشركات.

وعلى سبيل المثال ذكرت نرمين أن سعر دواء “الانترلوك” للمعدة ارتفاع من 75 جنيها إلى 188 جنيها (نحو 4 دولارات)، فيما ارتفع سعر دواء دواء “الميلجا” للأعصاب من 68 جنيها إلى 108 جنيهات. وارتفع سعر دواء “أوبلكس” للسعال من 19 جنيها إلى 31 جنيها.

التحديات المرتبطة بتوفير الدواء
وأشار محمود فؤاد، المدير التنفيذي لمركز الحق في الدواء، إلى العوامل المؤثرة في نقص الأدوية، موضحا أن التحديات المرتبطة بتسعير الأدوية وتأثيرها على الأرباح، تدفع بعض الشركات إلى تقليل الإنتاج أو التوقف عن التصنيع.

وأضاف فؤاد أن قلة المتوافر من الدولار في الأسواق اللازم لاستيراد المواد الخام يعيق عملية التصنيع المحلي للأدوية.

واعتبر فؤاد، في تصريحات للجزيرة مباشر، أن الحكومة المصرية تأخرت في معالجة الأزمة وكان عليها أن تتحسب لها مع نقص العملة الأجنبية وتحرير سعر الصرف، مشيرا إلى أن نقص المواد الخام المستوردة، التي تُشكل أكثر من 90% من مكونات تلك الأدوية، أدى إلى تفاقم الأزمة على الرغم من أن 85% من الأدوية في مصر تُصنع محليا.

ووعد رئيس الوزراء مصطفى مدبولى مؤخرا بإنهاء الأزمة، من خلال توفير 250 مليون دولار شهرياً للأدوية، مؤكدا أنه خلال 3 أشهر سيتم الانتهاء من مشكلة نقص الدواء.

زيادة الصادرات
وعلى الرغم من النقص الحاد في الأدوية، إلا أن صادرات مصر منها تجاوزت حاجز المليار دولار لأول مرة في عام 2023، ما أثار تساؤلات بشأن تأثير ذلك على نقص الدواء في السوق المحلي حيث ارتفع حجم سوق الدواء إلى 214 مليار جنيه (حوالي 4.4 مليارات دولار)، وتجاوزت حجم المبيعات 140 مليار جنيه في عام 2023.

وتعد واردات مصر من المواد الصيدلية ضمن قائمة أعلى 10 سلع تستوردها، وبلغت 3.6 مليارات دولار العام الماضي، حسب هيئة الدواء المصرية.

واستبعد رئيس شعبة الأدوية باتحاد الغرف التجارية، علي عوف، أن تكون هناك علاقة بين زيادة صادرات مصر من الأدوية وأزمة نقصها في الأسواق المحلية، قائلا “الحكومة لا تسمح لشركات الأدوية بتصدير أي نوع من الأدوية دون وجود مخزون محلي”.

وأعرب عن تفاؤله، في حديثه للجزيرة مباشر، من انتهاء أزمة النقص في الدواء قبل 3 شهور، بعد قرار تدبير العملة الصعبة اللازمة للمواد الخام، مضيفا أن المصانع تحتاج إلى بعض الوقت من أجل تشغيل خطوط الإنتاج ثم توزيع الدواء.

وأرجع عوف سبب نقص الأدوية إلى عدم قدرة المصانع على تحمل التكلفة الكبيرة لتصنيع الدواء بسبب تحرير سعر الصرف.

وأوضح أنه بعد التوصل إلى قرار برفع أسعار الأدوية بشكل تدريجي بنسب تصل إلى 25% سوف تنتهي الأزمة. وقدًر وزير الصحة خالد عبد الغفار، نسبة الزيادة في أسعار الدواء في حدود 30 إلى 35%.