يواصل الاحتلال الإسرائيلي انتهاك الاتفاقيات المشتركة مع مصر، والتي كان آخر وقائعها الخميس، زيارة رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، معبر رفح البري، الذي أصبح قاعدة لقوات الاحتلال، ويواصل منه حرب الإبادة الدموية على 2.3 مليون فلسطيني في قطاع غزة منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.

ظهور نتنياهو، الذي جاء محاطا بأحدث الدبابات والمدرعات والجنود المدججين بالسلاح، ويرتدي درعا واقيا، خاطب خلاله جنود "لواء جفعاتي" المحتل لمعبر رفح قائلا: "ماذا تبقى لنا لنفعله؟".

ورأى مراقبون في ظهور نتنياهو في معبر رفح تحديا كبيرا للدولة المصرية، واستهانة بكل الاتفاقيات الدولية بين القاهرة و"تل أبيب"، وإشارة إلى ما هو قادم من تحدّ لمصر التي ترفض رسميا استمرار جيش الاحتلال في هذه المنطقة من الحدود.

كما أن زيارة نتنياهو، التي تحدت الغضب الشعبي المصري من احتلال محور فيلادلفيا ومعبر رفح البري، زادها رئيس وزراء الاحتلال تحديا بقوله إنه "ترسخ لديه الإدراك بأن الإمساك بمحور فيلادلفيا ومعبر رفح ضروري للمراحل اللاحقة"، ما يشير إلى استمرار احتلاله المنطقتين، ضاربا عرض الحائط بتعهدات الاحتلال الدولية مع مصر.
"خطط البقاء الإسرائيلية"
وتشير التقارير الصحفية إلى وضع الاحتلال خططا للبقاء بالمعبر والمحور، إذ كشفت "يديعوت أحرونوت" العبرية الأربعاء الماضي، أن "أولى الخطط العسكرية للاحتلال لمشكلة محور فيلادلفيا تتمثل في إقامة حاجز تحت الأرض على الجانب المصري، مماثل للعائق الذي أقيم على حدود غزة، بحيث يغلق الأنفاق".
وألمحت إلى أن ثاني الخطط "وضع منظومة مشتركة مكونة من أجهزة استشعار ستعطي إشارة لحفر الأنفاق"، مبينة أن ثالثها خطط حكومة نتنياهو، "ترك القوات في الميدان بتشكيلات مختلفة، وفي حالة تحرك دائم".

وأكدت أن "قيادة المنطقة الجنوبية لجيش الاحتلال تفضل الخيار الثالث وهو التواجد البري"، موضحة أنه "ولهذا الغرض تنخرط قوات الهندسة الآن في كشف المنطقة المحيطة بالسياج لجعل حفر الأنفاق فيها أكثر صعوبة على حماس".

وعن الخطط الإسرائيلية بشأن معبر رفح، المنفذ البري الوحيد لقطاع غزة مع مصر وبالتالي مع العالم الخارجي، أكد الموقع الإسرائيلي نقلا عن ضابط كبير زعمه أن "هناك اتفاقا على أن معبر رفح الأهم من حيث السيطرة عليه، لأن حماس نقلت عبره صواريخ مضادة للدبابات".

وأشارت "يديعوت أحرونوت" إلى أن "التحدي الكبير التالي هو من سيدير المعبر، لأنه في إطار مفاوضات عودة المختطفين، التي تجري بنسب متفاوتة في الآونة الأخيرة، تطرح هذه القضية المعقدة مرارا وتكرارا، ما يشكل قلقا كبيرا للمؤسسة الأمنية والمستوى السياسي".

ومنذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، تشن "إسرائيل" بدعم أمريكي حربا على غزة، أسفرت عن نحو 128 ألف شهيد وجريح فلسطيني، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على الـ 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قاتلة، فيما تواصل "تل أبيب" حرب الإبادة الدموية متجاهلة قراري مجلس الأمن الدولي بوقفها فورا.

ومحور فيلادلفيا هو شريط حدودي عازل بطول (14 كيلومترا)، ويفصل الأراضي الفلسطينية المحتلة عن شبه جزيرة سيناء، والتعامل حوله من الجانب المصري أو الإسرائيلي يخضع لاتفاقية مصرية إسرائيلية مشتركة منذ اتفاق السلام "كامب ديفيد" عام 1979.

ويواصل الاحتلال ترسيخ حضوره بالمحور الذي احتله منذ 29 أيار/ مايو الماضي، والتأكيد على بقائه حيث أنه خلال الأسابيع الماضية، أقام منطقة عازلة بعمق من 700 إلى 1500 متر وبطول المحور من معبر (كرم أبوسالم) وحتى ساحل البحر المتوسط.

"مطالب خجولة"
من آن إلى آخر، تخرج مطالبات مصرية خجولة تطالب الاحتلال بمغادرة معبر رفح ومحور فيلادلفيا، وهو ما تضرب به "تل أبيب" وحكومة نتنياهو عرض الحائط، وتصر على استمرار تواجدها في المنطقتين.

والخميس، دعا وزير الخارجية المصري بدر عبدالعاطي، إلى "ضرورة انسحاب القوات الإسرائيلية من مدينة رفح الفلسطينية وتشغيل المعبر من قبل السلطة الفلسطينية".

والأربعاء الماضي، حذر مندوب مصر بالأمم المتحدة، أسامة عبدالخالق، أمام مجلس الأمن "من تداعيات الانتهاكات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، وانتهاك القانون الدولي الإنساني، والاستهتار بميثاق الأمم المتحدة"، محذرا أيضا من أن "التصعيد الإسرائيلي قد يؤدي إلى حرب إقليمية شاملة".

وفي 15 تموز/ يوليو الجاري، نقلت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، عن مسؤولين إسرائيليين ودبلوماسي غربي، أن هناك محادثات سرية بين القاهرة و"تل أبيب" تجري بشأن انسحاب جيش الاحتلال الإسرائيلي من محور فيلادلفيا.

لكن الصحيفة ألمحت إلى أن "تل أبيب" ترفض الانسحاب، مشيرا إلى اعتقاد حكومة نتنياهو بأن مغادرة قواتها المحور الحدودي يمنح المقاومة الفلسطينية فرصة إعادة التسليح مجددا والاستمرار في حكم غزة، ما يشير إلى توجه إسرائيلي نحو البقاء في المحور والمعبر.
"خطط التهجير"
وطالما تثار المخاوف المصرية على مستقبل سيناء المصرية وسط الأطماع الإسرائيلية فيها، ووفق الخطط والسيناريوهات المعلنة طوال الشهور الماضية منذ طوفان الأقصى، ومن قبله ما أثير منذ العام 2018 حول "صفقة القرن"، وجميعها خطط داعية لطرد الفلسطينيين من قطاع غزة، وتوطينهم في شبه جزيرة سيناء المصرية.

بل إنه قبل أكثر من 12 عاما، تثار تلك المسألة، حيث تداول نشطاء مقطع فيديو عقب ثورة يناير 2011، لمقابلة للمذيع الراحل وائل الإبراشي، مع الفريق أحمد شفيق الذي قال إنه منذ أن كان وزيرا للطيران المدني في حكومة رئيس وزراء عهد مبارك أحمد نظيف، وكانت تتداول خرائط تقول إن "إسرائيل" تسعى لنقل الفلسطينيين من الضفة الغربية إلى سيناء، لإقامة دولة فلسطينية على غزة والأراضي المصرية، على أن يتم تعويض مصر بقطعة من أرض النقب جنوب الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وفي ذات اللقاء قال شفيق إن هناك شخصية مصرية قد تقوم بدور الروسي "ميخائيل غورباتشوف" في تفكيك مثير لمصر كما قام الأخير بتفكيك الاتحاد السوفييتي لحساب الغرب، قائلا: "هناك غورباتشوف لمصر لتقسيم مصر. دوره فعل ما جرى في الاتحاد السوفييتي"، دون أن يكشف عن تلك الشخصية.