أكدت دراسة – هي الأولى من نوعها على مستوى العالم ونُشرت في مايو الماضي -، على وجود مخاطر جسيمة تُحيط بأطفالنا بعدما باتت الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية جزءًا من حياتهم اليومية، ولعل أبرز المخاطر، استقبالهم – بكل سهولة – المحتوى الإباحي، الذي بات يظهر لهم فجأة ومن إرادة منهم، سواء أثناء اللعب أو مشاهدة مقاطع فيديو قصيرة أو كرتونية.

وكشفت الدراسة أن طفلًا واحدًا من بين كل 8 أطفال تعرّض خلال العام 2023، لمشاهدة محتوى ذات طابع جنسي من دون رضاه أو إرادته. وذلك بحسب دراسة لمعهد تشايلد لايت Child Light، التابع لجامعة إدنبره في اسكتلندا.

وقبل أسابيع، وفي بيان رسمي لها، أعلنت منصة “أكس” أنها باتت تسمح للمستخدمين بنشر أي محتوى جنسي أو إباحي على منصتها، علمًا أنه منذ تأسيسها لم تحظر الشبكة نشر أي مقاطع فيديو أو صور إباحية، لكنها لم تكن تسمح بها رسميًا أيضًا.

 

مشكلة مريرة

وعن تجربتها قالت هند إسماعيل – وهي أم لابنتين – إنها تفاجأت لعدة مرات بأن بناتها “تعرضن لمحتوى إباحي”، مشيرة: “في مرة من المرات قامت ابنتي الصغرى (8 سنوات) بتحميل برنامج (المفترض أنه ديني)، وصُدمت حينما وجدت إعلانًا غير لائق ظهر لها داخل المحتوى الديني”.

وتابعت: “ابنتي الأكبر سنًا (12 سنة) كانت يومًا تتصفح مقاطع الفيديو القصيرة REEL – Shorts، وإذ فجأة أبلغتني بأنها رأت شيئًا غير لائق أمامها، وحقيقةً عجزتُ عن التصرف”.

وعن محاولاتها لحماية بناتها، لفتت: “أقوم بمتابعة مُستمرة، وأراقب المحتوى الذي يتعرضون له، كما أنني أُمانع الجلوس بمفردهن أثناء استخدامهن للهواتف، وأُحدد أوقاتًا مُعينة لاستخدامها، وبكل تأكيد هذا يحدث ولكن بعد صراعٍ وخلافات نظرًا لتشبثهن الشديد بالهواتف، وارتباطهن بشدة بهذه المقاطع القصيرة التي تقدم معلومات – في الأغلب مغلوطة – بشكل سهل وبسيط من دون عناء”.

وعبّرت إسماعيل عن استيائها من منصة “يوتيوب كيدز”، لافتة: “تتضمن أفلام كرتون بها محتوى يدعم أمورًا غير أخلاقية”، مؤكدة: “هناك بعض الرسائل التي يتم دسّها بأدمغة الأطفال تحت مُسمى أفلام كرتون”.

وأوضحت هند في معرض حديثها: “لسنا مطمئنين لما يحدث، ومهما قمنا بتنقية المحتوى أو الإعلانات أو الألفاظ غير اللائقة، فهي تصل إلى أطفالنا في قوالب مختلفة”.

وعن الحلول، قالت: “علينا كأولياء أمور، أن نزرع بداخلهم أسلوب تصرف سليم عند تعرضهم لهذا المحتوى، من خلال عمل نقاش مفتوح، وأن تكون هناك صراحة بين الأهل وأبنائهم، وأن نجعلهم مطمئنين دائمًا لمصارحتنا بكلِ شيء”.

وشددّت: “هذا النوع من المحتوى غير اللائق هو بداية لإدمان المواقع الإباحية، لأنه عندما يتعرض الطفل أو المراهق لهذه المشاهد قد يدفعه الفضول لمشاهدة المزيد، تحديدًا إن لم يكن محميًا من أهله بمبادئ وبدين يمنعانه من مشاهدة هذه الأمور”.

 

مسألة خطيرة

وتعليقًا على هذه النقطة الأخيرة، أكد الخبير في مجال الذكاء الاصطناعي والتحوّل الرقمي، د. نادر غزال، خطورة المسألة، داعيًا الأهالي إلى ضرورة الانتباه لتصرفات أبنائهم سواءً كانوا أطفال أو مراهقين.

وقال د. غزال: “هناك العديد من الأمور الإيجابية التي يجب وضعها في الحُسبان”، مشيرًا: “منصة إكس هي في العموم منصة للكبار ولأصحاب الفكر والسياسي، ولذلك لن نرى أبناءنا يقضون وقتًا عليها كثيرًا، مقارنة بتطبيقات مثل سناب شات وتيك توك وإنستجرام، التي تحتاج إلى رقابة أقوى، بالإضافة إلى منصات الدردشة”، وفقًا لـ“أخبار الآن”.

 

مفاتيح للحل

وأضاف: “يُمكن للأهالي عمل نوع من الإلهاء لأبنائهم لتجنبهم التوجه نحو منصة إكس، أو أي منصة أخرى قد تُسيء إلى أخلاقياتهم وقيمهم وثقافتهم وتربيتهم، ونذهب لبدائل أخرى للترفيه، خاصة وأن الأطفال يستهدفون التسلية أثناء استخدامهم لأي تطبيق أو منصة”.

 

تعزيز الرقابة الذاتية

وأكد د. غزال: “نحن في عصر الرقابة الذاتية.. نحن بعصر يجب أن نعزز الرقابة لدى الطفل والمراهق والشاب بشكل ذاتي لجعلهم يتجنبون بأنفسهم المحتوى غير اللائق، لأنه ليس بإمكان الآباء والأمهات مراقبة الأبناء مثلما كان في السابق، حيث كنا نغلق التلفاز أو نُخفي (ريموت الكونترول)”.

 

التشاركية

ولفت أيضًا: “هناك نقطة مُهمة وهي التشاركية في المشاهدة لما هو مُفيد، إذ ليس بإمكانك أن توجه الابن إلى مشاهدة محتوى قيّم، فقد لا يستجيب، ولكن بالتشاركية قد تنجح في تحقيق ذلك، كما يُصبح من السهل فتح نقاش مفتوح معه”.

وتابع: “هذا النهج يُنمي الفضول الإيجابي لجعل الطفل يُشجع نفسه على مشاهدة المحتوى المفيد والمُهم بالنسبة له”.

وشدد د. نادر على ضرورة التحكم في نظم الضبط التقنية الموجودة على أجهزة التلفزيون وعلى المنصات، لحجب المحتوى السلبي، أو تحديد ما المسموح الدخول به وغير المسموح الدخول به.

كما أشار الخبير في مجال الذكاء الاصطناعي والتحوّل الرقمي إلى “ضرورة تتبع نشاط الأطفال والأبناء عبر المنصات كالفيسبوك والهواتف، وبإمكان الآباء والأمهات استخدام برامج تحجب تنزيل تطبيقات حساسة وغير مناسبة لأعمارهم، وهذا مُتاح سواءً على اللابتوب أو الهواتف الذكية”.

 

التواصل المُنتظم

ووجه د. نادر غزال حديثه أخيرًا إلى الأهالي، مؤكدًا على ضرورة التواصل المنتظم بين الأهالي وأبنائهم وتوعيتهم بالمناسب وغير المناسب، لافتًا: “من هنا تُبنى الثقة لبناء الرادع الذاتي لدى الأطفال”.

وواصل: “وإلا فنحن باتجاه الميكافيلية (أي الغاية تُبرر الوسيلة)، إذ سيصبح لدى الطفل شعور بأن الغاية تبرر الوسيلة، ويشعر بأنه في حاجة إلى هذا الشيء، ولا يجوز لأحد أن يمنعه عنه”.