كشفت بيانات سلطة السكان والهجرة الإسرائيلية، الأحد الماضي، عن أنّ مئات الآلاف من الإسرائيليين غادروا فلسطين ولم يعودوا، منذ بداية الحرب على قطاع غزة في السابع من أكتوبر الماضي.

كان الجيش الإسرائيلي قد أعلن، منذ بداية الحرب، أن 500 ألف من المستوطنين نزحوا داخل فلسطين المحتلة، فيما أخليت مدينة سديروت بالكامل، وهي تضم نحو 20 ألف مستوطن، كما تمّ إخلاء المستوطنات القريبة من الحدود الشمالية مع لبنان.

 

نصف مليون مهاجر

منذ نشأت دولة الاحتلال، عمل حكامها على ترغيب أبناء دينهم في العودة إلى “أرض الميعاد” كما يدّعون، وفتحوا باب الهجرة لليهود من شتى أصقاع العالم إلى فلسطين، ضمن “قانون العودة” الذي أقرّته الحكومة الصهيونية عام 1950، حيث يُعطي الحق لليهود في الهجرة إلى فلسطين المحتلة والاستقرار فيها، ونيل الجنسية الإسرائيلية.

وعلى النقيض من ذلك، فقد ذكر موقع زمن إسرائيل الإخباري أنّ قرابة 550 ألف إسرائيلي غادروا فلسطين المحتلة ولم يعودوا حتى الآن خلال الشهور الستة الأولى من الحرب، وفقًا لـ"المركز الفلسطيني للإعلام".

وأشار الموقع إلى أنّ ما كان يعتبر هروبًا مؤقتًا للإسرائيليين خلال الحرب، أو صعوبة فنية في العودة إليها، تحول الآن إلى اتجاه نحو “هجرة دائمة”.

ووفق أحدث معطيات دائرة الإحصاء في إبريل الماضي، يبلغ عدد سكان الكيان الإسرائيلي نحو 10 ملايين شخص، بينهم أكثر من 2.5 مليون فلسطيني.

وبناء على الأرقام السابقة، فإنّ ما نسبته 7% من سكان الكيان تركوه وهاجروا كنتيجة مباشرة للحرب التي تدور رحاها في غزة وشمال فلسطين المحتلة.

ومع ضخامة هذا العدد من المهاجرين، فإنّ العدد مرشّح للزيادة، خصوصًا وأنّ هناك الملايين من مزدوجي الجنسية، الذين يحملون جنسية واحدة أخرى على الأقل بجانب جنسيتهم الإسرائيلية.

ومن مؤشرات قياس الهجرة العكسية من إسرائيل إلى باقي دول العالم، عدد الرحلات اليومية في مطارات إسرائيل، فبحسب موقع “فلايت رادار 24″، بلغ عدد الرحلات الجوية من مطار بن غوريون لوحده 120 رحلة يوميًا وبمعدل 24 ألف مسافر، وهو المعدل الأكبر المسجل في المطار على مدى الأشهر والسنوات الأخير.

هذا من غير احتساب الرحلات الجوية من مطاري إيلات وحيفا، والمغادرين عن طريق البحر من ميناءي حيفا ويافا، فإن المجموع يصبح نحو 40 ألف مسافر مغادر يوميًا. بحسب ما نقلته وكالة الأناضول عن مجموعة من الباحثين.

 

إسرائيل لم تعد آمنة

لقد سبّب اجتياح المقاومة الفلسطينية، يوم السابع من أكتوبر، لغلاف غزة ومستوطناتها حالات من الهلع والفرار الجماعي للمستوطنين، وكشف عن عجز الجيش الإسرائيلي أمام المقاومة.

وقد أدّى ذلك إلى فقدان الكثير من الإسرائيليين للشعور بالأمن، فقررّوا الفرار بعيدًا خارج حدود فلسطين.

يقول أحد الفارّين الإسرائيليين: “لقد هربنا إلى قبرص مباشرة بعد انطلاق صفارة الإنذار الأولى، أخبرني حدسي أن هذه لم تكن مجرد جولة أخرى، وكانت أعصابي متوترة لمدة 10 أشهر بسبب هذا البلد الذي جن جنونه علينا”. وفق ما جاء في تحقيق لصحيفة هآرتس العبرية.

وأشار تقرير لقناة الجزيرة حينها إلى أنّ مشاهد الازدحام غير المسبوق في مطار تل أبيب، الذي تعطل بعد قصف المقاومة في ذلك اليوم والمطارات الأخرى، أكبر من أن تفسر بسياقات السفر العادية، فمعظم من يخرجون باتوا لا يعودون، ويضرب كل ذلك عمق العقيدة الصهيونية التي تقوم على عنصر الإحلال والاستقرار وتشجيع الهجرة المكثفة إلى فلسطين.

وأكّد أنّ ظاهرة الهجرة العكسية المتزايدة تشير إلى انكسار أسباب الاستقرار المبنية على الأمن، فبالنسبة للكثيرين “لم تعد إسرائيل دولة آمنة”، ولا يتوفر فيها عنصر الاستقرار الذي يحقق لهم المستقبل الذي ينشدونه، في ظل “التآكل المتسارع لنظريتها الأمنية”.

ويُرجع التقرير تلك الهجرة العكسية لأسباب منها:

- لم تعد المواجهات العسكرية محدودة، بل شملت ضربات المقاومة إسرائيل كلها.

- أصبحت الخسائر الإسرائيلية في ارتفاع تدريجي.

- عدد القتلى والجرحى في ازدياد متواصل، ولم يعد أحد بمنأى عن ذلك.

- لم تعد القوة العسكرية والاستخباراتية قادرة على تجنيب الإسرائيليين الموت.

- فقد الجيش الإسرائيلي قدرته على الردع، وظهرت حقيقة ضعفه.

ويخلص التقرير إلى أنّ المشروع الإسرائيلي، حتى بأبعاده الدينية التاريخية، لم يعد عنصر جذب لليهود للبقاء، كما أن عنصر استقرار السكان على الأرض، كأحد عناصر تكوين الدولة، لم يعد قائمًا بحكم الضغوط الأمنية والعسكرية، وبالتالي فإنّ فكرة الرحيل أو الهجرة العكسية كانت البديل الأنسب للكثيرين.

 

انهيار إسرائيل

ووصفت صحيفة "هآرتس" الصهيونية المرحلة التي تعيشها إسرائيل بالوحشية، قائلة أثناء تعليقها على مسيرة الأعلام ومظاهرات الإسرائيليين إنه "يتعذر النظر إلى التصوير الموثق للمتظاهرين العنيفين القبيحين في أثناء مسيرة الأعلام في شوارع القدس دون سماع تحذير البروفيسور يهوشع ليفوفيتش يصدح في الخلفية"، وفقًا لـ"الجزيرة".

ووفق ما أوردته هآرتس، فإن المفكر والمؤلف والناقد للمجتمع الإسرائيلي يهوشع ليبوفيتش (1903-1994)، قال سابقًا إن "العزة الوطنية والنشوة في أعقاب حرب الأيام الستة (عام 1967) مؤقتة، وستحملنا من نزعة قومية صاعدة إلى القومجية المتطرفة، والمرحلة الثالثة ستكون الوحشية، بينما المرحلة الأخيرة ستكون نهاية الصهيونية". ووصفت الصحيفة الفيلسوف بأنه كان بعيد النظر.

وختمت الصحيفة بالتحذير أنه "إذا لم يعمل الوسط الإسرائيلي كي يعيد المتطرفين إلى هوامش المجتمع، ويقضي على الكاهانية ويمحو وباء الاحتلال الخبيث من جسم الدولة، فإنها ليست سوى مسألة وقت حتى الانهيار التام لإسرائيل. العد التنازلي بدأ"، وفق تعبيرها.