في الذكرى السنوية الأولى لمأساة، غرق السفينة قبالة بيلوس اليونانية، وتجاهل التحقيق بشكل سليم في دور خفر السواحل اليوناني في الجريمة الإنسانية، قالت جوديث سندرلاند، المديرة المساعدة لقسم أوروبا وآسيا الوسطى في هيومن رايتس ووتش: "من غير المعقول أنه بعد مرور عام على هذه المأساة المروعة، لم يُحرز تقدمٌ يُذكر في التحقيق في المسؤولية المحتملة لخفر السواحل اليوناني. فنحن بحاجة إلى رؤية عملية ذات مصداقية للمساءلة، وأن نشهد على وضع حد لدوامة العنف والإفلات من العقاب على حدود اليونان".

وأيدتها أدريانا تيدونا، الباحثة في شؤون الهجرة، بالقول "لقد تُركت مئات العائلات في وضع معلق، في انتظار الحقيقة بشأن مصير أحبائها. يجب على السلطات اليونانية أن تتقدّم في تحقيقاتها في المسؤولية المحتملة لخفر السواحل في هذا الحادث من أجل القيام أخيرًا بتحقيق العدالة لجميع المتضررين وإراحة قلوبهم".


وفي 13 يونيو 2023، تم تنبيه السلطات اليونانية بشأن وجود سفينة صيد مكتظة،  تسمى أدريانا، في منطقة البحث والإنقاذ الخاصة بهم؛ وقد غرقت بعد 15 ساعة.


وتوصلت هيومن رايتس ووتش إلى أن القارب الذي كان يحمل نحو 750 شخصًا، من سوريا وباكستان ومصر. وقد نجا 104 أشخاص فقط، وتم انتشال 82 جثة، ولكن تم التعرف على 58 من الجثث فقط. ولا يزال أكثر من 500 شخص في عداد المفقودين. ولا يزال التحقيق الذي تجريه محكمة بحرية يونانية حول المسؤولية المحتملة لخفر السواحل اليوناني عن غرق السفينة، والذي بدأ في يونيو 2023، في المرحلة الأولية.


وأوضحت منظمة العفو الدولية وآخرون أن إخفاقات من جانب السلطات اليونانية في الساعات التي سبقت غرق السفينة، وأن قارب دورية تابع لخفر السواحل اليوناني تسبب في انقلاب سفينة الصيد أثناء محاولته قطرها.


وانضمت منظمات غير حكومية إلى القضية المعروضة على المحكمة البحرية اليونانية بشكوى نيابة عن 53 ناجيًا تزعم فيها أن السلطات اليونانية مسؤولة عن غرق السفينة. وقد تُرك الناجون وأسرهم في حالة من عدم اليقين، حيث تشير التقديرات إلى أن أكثر من 500 شخص ما زالوا في عداد المفقودين.

وفي 21 مايو، رفضت محكمة كالاماتا الجنائية قضية ضد تسعة ناجين اتُهموا بالتهريب والتسبب في غرق السفينة، من بين تهم خطيرة أخرى، وكانوا محتجزين منذ 11 شهرًا وقت المحاكمة.


وشككت منظمات حقوقية عالمية  في نزاهة المحاكمة، قائلتين إن القضية تستند إلى أدلة غير كاملة، ومشكوك فيها، نظرًا لأن التحقيق في دور خفر السواحل لم يكن قد اكتمل بعد.

وقالت المظمات إنه لا يزال طلب المدعي العام للمحكمة البحرية لإجراء تحليل تقني جنائي لهواتف ضباط خفر السواحل – التي صادرتها السلطات فقط في أواخر سبتمبر 2023، بعد أكثر من شهرين من الأحداث – معلقًا.


وزار وفد من منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش اليونان بين 4 و13 يوليو 2023 في إطار بحث جارٍ حول الملابسات المحيطة بغرق الزورق والخطوات اللازمة لتحقيق المساءلة. وأجرت المنظمتان مقابلات مع 19 ناجيًا من حادثة الغرق، و4 أقرباء لأشخاص مفقودين، ومنظمات غير حكومية، وهيئات ووكالات أممية ودولية، وممثلين عن خفر السواحل اليوناني والشرطة اليونانية.


وتؤكد المشاهدات الأولية للمنظمتين بواعث القلق التي أوردتها عدة مصادر أخرى مرموقة فيما يتعلق بديناميات غرق الزورق. وعلى نحو متسق ذكر الناجون الذين تحدثت إليهم منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش بأن مركب خفر السواحل اليوناني الذي أُرسل إلى مسرح الحادث ربط الزورق أدريانا بحبل وبدأ بسحبه متسببًا بتأرجحه ثم انقلابه. كذلك قال الناجون على نحو متسق إن الركاب طلبوا إنقاذهم، وإنهم شاهدوا آخرين على متن الزورق يتوسلون إنقاذهم مستخدمين هاتفًا متصلًا بالأقمار الصناعية في الساعات التي سبقت انقلاب زورقهم.

وقال موظفون كبار في خفر السواحل اليوناني في اجتماع عقدوه مع منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش إن الأشخاص الذين كانوا على متن الزورق طلبوا فقط المساعدة في الحصول على الطعام والماء وأعربوا عن نيتهم في التوجه إلى إيطاليا. وقالوا إن أفراد طاقم مركب خفر السواحل اقتربوا من أدريانا واستخدموا حبالًا للاقتراب من الزورق لمعرفة ما إذا كان ركابه يريدون مساعدة، ولكن عقب “المفاوضات” الأولى ألقى الركاب بالحبل إلى البحارة، وتابع الزورق رحلته.

إفلاس سياسات الهجرة 

وقالت تقارير إن الحادث يدل على إفلاس سياسات الهجرة التي ينتهجها الاتحاد الأوروبي المستندة إلى الإقصاء العرقي للمهاجرين وطالبي اللجوء واللاجئين، وإلى الردع المميت.

وقالت العفو الجولية "فتحت السلطات اليونانية تحقيقَيْن جنائيَّيْن، استهدف أحدهما المهربين المزعومين، والآخر تصرفات خفر السواحل. ومن الضروري جدًا أن يتقيّد هذان التحقيقان بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان المتمثلة بالنزاهة والاستقلالية والفعالية".


وأشارت إلى أنه "لتعزيز مصداقية التحقيقات القضائية من الناحيتَيْن العملية والنظرية، يجب أن يخضعا لإشراف مكتب نائب عام المحكمة العليا. وعلاوة على ذلك، ينبغي على السلطات اليونانية التأكد من تزويد مكتب المظالم اليوناني بسرعة بالمعلومات والإمكانيات الضرورية للقيام بمهامه بوصفه الآلية الوطنية للتحقيق في حوادث التعسف فيما يتعلق بأي تحقيق تأديبي".


وحذرت من أن "التقاعس المزمن للسلطات اليونانية في الحرص على المساءلة على عمليات الإبعاد العنيفة وغير القانونية عند حدود البلاد يثير بواعث قلق بشأن قدرتها على إجراء تحقيقات فعالة ومستقلة واستعدادها للقيام بذلك".

حادث سابق

وكان قرار من المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان لعام 2022 حول غرق السفينة “فارماكونيسي”، عندما جادل الناجون إن زورقهم انقلب بسبب المناورات الخطرة التي قام بها خفر السواحل اليوناني لسحبهم نحو المياه التركية.


وقد أدانت المحكمة اليونان بسبب إخفاقات السلطات في التعامل مع عمليات الإنقاذ ونواحي القصور في التحقيق اللاحق في الحادثة، بما في ذلك كيفية التعامل مع أقوال الشهود.

وطالبت تقارير حقوقية بالسعى في التحقيق الكامل والموثوق به في غرق الزورق إلى توضيح أي مسؤولية عن كل من غرق الزورق وعمليات التأخير أو نواحي القصور في جهود الإنقاذ التي ربما ساهمت في وقوع الخسائر المريعة في الأرواح. ويجب أن يتضمن التحقيق أخذ شهادات جميع الناجين في أوضاع تضمن ثقتهم وسلامتهم.

وأضافت أنه يجب جمع كافة الأدلة الجنائية – مثل آثار الاتصالات ومقاطع الفيديو والصور، وتقييمها وحمايتها لتيسير عمليات المساءلة. ويتعين التسجيل الصحيح لأي متعلقات، مثل الهواتف الخليوية، التي تؤخذ من الناجين لأغراض التحقيق، وإعادتها إليهم ضمن مهلة زمنية معقولة.

وأشارت إلى أنه يجب دعوة جميع الأشخاص المعنيين بالحادثة أو الذين لديهم معرفة بها – ومن ضمنهم خفر السواحل اليوناني، ووكالة الحدود وخفر السواحل الأوروبية (فرونتكس)، وقباطين السفينتين التجاريتين وبحارتهما وطاقماهما، وغيرهم ممن شاركوا في عملية الإنقاذ عقب غرق الزورق – أو إلزامهم بالإدلاء بشهاداتهم، بحسب مقتضى الحال، وينبغي أن يُبدوا تعاونًا تامًا وسريعًا مع التحقيقات.


وفي 13 يونيو 2023، قالت فرونتكس إن طائرة الاستطلاع التابعة لها شاهدت أدريانا عند الساعة 09:47 بالتوقيت العالمي المنسق (الساعة 12:47 بتوقيت أوروبا الشرقية الصيفي/في أثينا) ونبهّت السلطات في اليونان وإيطاليا. 

وفي الساعات التالية، تواصلت سفينتان تجاريتان، وفيما بعد مركب لخفر السواحل اليوناني مع أدريانا. وبعد انقلاب الزورق عند حوالي الساعة 2 بتوقيت أوروبا الشرقية الصيفي من صباح 14 يونيو/حزيران، لم يُنقذ إلا 104 ناجين، من ضمنهم عدة أطفال.

وقد أمر نائب عام كالاماتا بإلقاء القبض على تسعة مواطنين مصريين، نجوا من غرق الزورق، بتهم التهريب وعضوية شبكة إجرامية منظمة، والقتل غير العمد، وغير ذلك من الجرائم الخطيرة إلا أنهم ثبت أنه لا تبعة عليهم وحصلوا على البراءة.

رغم أن السلطات صادرت هواتفهم الناجين في أعقاب غرق الزورق، لكنها لم تعطهم أي وثائق تتعلق بذلك أو تخبرهم كيف يستردون ممتلكاتهم..