صوّت مجلس الأمن الدولي على مشروع قرار أمريكي ينص على "وقف إطلاق نار دائم والانسحاب التام من غزة، وتبادل الأسرى والإعمار، وعودة النازحين، ورفض أي تغيير ديمغرافي للقطاع"، بأغلبية 14 عضوًا وامتناع روسيا عن التصويت.

كما يشدد على تطبيق غير مشروط للصفقة المقترحة التي سبق أن أعلنها الرئيس الأمريكي جو بايدن وشكلت نقطة الانطلاق في التحرك الأمريكي الأخير.

ويتوزع القرار على ثلاث مراحل، تبدأ الأولى بوقف فوري وكامل لإطلاق النار، والإفراج عن الرهائن من النساء والشيوخ والجرحى، وبعض رفات هؤلاء، وتبادل أسرى فلسطينيين، وانسحاب القوات الإسرائيلية من مناطق مأهولة، والتوزيع الآمن والفعال للمساعدات الإنسانية في جميع أنحاء القطاع.

المرحلة الثانية تتضمن «وقف الأعمال العدائية» بصفة دائمة، مقابل إطلاق سراح جميع الرهائن المتبقين، وانسحاب كامل للقوات الإسرائيلية.

في المرحلة الثالثة تبدأ خطة إعادة إعمار كبرى متعددة السنوات في غزة والمنطقة، وإعادة رفات أي رهائن متوفين في غزة.

ولعلّ الملاحظة الأولى الأهم بصدد هذا القرار هي أن واشنطن انتظرت 8 أشهر قبل أن تضطر إلى اقتراح هذا المشروع، بعد أن عطّلت مرارًا أو ماطلت حول مشاريع قرارات أبكر سعت إلى إقرار وقف لإطلاق النار، وبعد أن دفع المدنيون في قطاع غزة الأثمان الباهظة جراء حرب الإبادة الإسرائيلية، فبلغت أرقام الشهداء أكثر من 37 ألفًا والإصابات تجاوزت 84 ألفًا، في عدادهم أعداد هائلة من الأطفال، وفقًا لصحيفة "القدس العربي".

الملاحظة الثانية هي أن اضطرار واشنطن إلى طرح مشروع القرار لم يخلُ من مناورات في الصياغة استهدفت تفريغ بعض بنوده من مضامينها التطبيقية الفعلية، أو منحت دولة الاحتلال هوامش من الغموض والمواربة تتيح التملص من استحقاقات التنفيذ أو الالتفاف عليها. تلك كانت الأسباب وراء تعديل النص ثلاث مرات متتالية قبل عرضه على التصويت، وإلحاح المندوبين الجزائري والروسي على بقاء وقف إطلاق النار إذا استغرقت المفاوضات أكثر من 6 أسابيع، والنصّ أيضًا على تبادل الأسرى الفلسطينيين وليس الإسرائيليين وحدهم.

ملاحظة ثالثة تخص الفوارق الدلالية بين صياغة أولى أمريكية تقصدت الإبهام والتعمية، وبين التعديلات كما استقرت في النص النهائي قبيل التصويت. فعلى سبيل المثال كانت المسودة الأولى تقول إن المجلس «يرفض أي محاولة للتغيير الديمجرافي أو الإقليمي في قطاع غزة، بما في ذلك الإجراءات التي تقلل من مساحة غزة مثلًا، من خلال إنشاء دائم، رسميًا أو بشكل غير رسمي، لما يُسمى بالمناطق العازلة». والتعديل اقتضى القول إن المجلس «يرفض أي محاولة للتغيير الديمجرافي أو الإقليمي في قطاع غزة، بما في ذلك الإجراءات التي تقلل من مساحة غزة».

وإذا كانت المقاومة الفلسطينية، ممثلة في حركة «حماس» و«الجهاد الإسلامي» قد أبدت إشارات إيجابية تجاه القرار، فليس من المؤكد أن التصريحات المتضاربة لرئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو سوف تخلص إلى قبول صريح واضح بقدر ما تمعن أكثر في المراوغة بهدف المضي في حرب الإبادة ضد القطاع بشرًا وحجرًا.

 

نتنياهو تحت الضغط

وفي السياق ذاته، ركزت صحف عالمية اهتمامها على تطورات الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، والمستجدات السياسية داخل إسرائيل تزامنًا مع مقتل 4 جنود إسرائيليين في كمين جديد للمقاومة الفلسطينية بغزة.

وتقول صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يواجه ضغوطًا لاتخاذ خيارات حاسمة بشأن الحرب في غزة.

ووفق الصحيفة، يزعم محللون أن العملية الإسرائيلية في رفح ستنتهي قريبًا بتحقيق أهدافها، مما سيشكل فرصة، على نتنياهو اغتنامها ليقرر ما سيلي ذلك.

ونقلت الصحيفة عن القائد السابق لفرقة غزة بالجيش الإسرائيلي إسرائيل زيف قوله إن الوقت وقت قرارات، ولم يعد في متناول نتنياهو التهرب أو التأخير.

بدورها، تطرقت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية إلى تزامن مقتل 4 جنود إسرائيليين في غزة مع تصويت الكنيست على إعفاء اليهود المتدينين من الالتحاق بالخدمة العسكرية الإلزامية.

ورأت الصحيفة الاستمرار في التصويت وتعامل الحاضرين -ومنهم نتنياهو- مع الموقف بأنه يشكل واحدة من أسوأ اللحظات في تاريخ الكنيست، معتبرة أن هذا التصويت في مثل هذه الأوقات "يكشف حجم القطيعة بين الشعب ومسؤوليه المنتخبين".

في سياق آخر، نقلت صحيفة "الجارديان" البريطانية عن تقرير للأمم المتحدة أن "الانتهاكات التي ارتكبت العام الماضي في حق الأطفال في غزة والضفة الغربية وإسرائيل تفوق نظيرتَها في أي مكان من العالم".

وسجل التقرير أن إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة تشهد توسعًا وكثافة غير مسبوقين من الانتهاكات في حق الأطفال.

ونشرت صحيفة "لوفيجارو" الفرنسية تحقيقًا من مستوطنة كريات شمونة على ضوء التوتر بين إسرائيل وحزب الله اللبناني، واختصرت الوضع بالقول إن "الحرب هناك أصبحت أمرًا واقعًا والحياة مستحيلة".

ولفتت إلى أن المستوطنة مهجورة والمحلات مغلقة، كاشفة أن ما لا يقل عن 25 ألفًا من سكان المستوطنة هجروها، في حين لم يبق فيها سوى أقل 3 آلاف شخص.

 

واشنطن والعرب

بدورها، قالت مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية إن الولايات المتحدة بصدد خسارة العالم العربي، مشيرة إلى أن الرأي العام العربي انقلب بشدة ضد واشنطن منذ السابع من أكتوبر 2023.

وحذرت المجلة من أنه من دون تحول كبير في الموقف الأمريكي من حرب غزة، ودون تغييرات ذكية في السياسة الأمريكية في العالم العربي على المدى البعيد، ستجني أطراف أخرى مثل الصين فوائد التراجع الأمريكي.

من جانبها، قالت مجلة "لوبوان" الفرنسية إن السلطات الفرنسية تتعرض لضغوط من أجل منع مزيد من الشركات العسكرية والكيانات الحربية الإسرائيلية من المشاركة في معرض "يوروساتوري" المرتقب في باريس هذا الشهر.

وأوضحت المجلة أن باريس منعت -حتى الآن- 74 شركة أمنية إسرائيلية كانت مدعوة للمعرض الذي يقام كل سنتين، مشيرة إلى أن فرنسا أخذت قرارها بعد التطورات الحربية في رفح، لكن منظمات حقوقية وإنسانية تضغط من أجل منع كل ما له صلة بإسرائيل.