لم تكتمل فرحة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بعد تخليصه 4 من أسرى الاحتلال في غزة بعد مجزرة مروّعة في النصيرات؛ حيث تلقى صفعة قوية باستقالة ثلاثة من وزراء حكومة الطوارئ، فضلًا عن استقالة قائد فرقة غزة بعد اعترافه بالفشل المدوّي يوم السابع من أكتوبر يوم انطلاق طوفان الأقصى المبارك.

واستقال مساء الأحد الماضي، رسميًا، الوزيران في مجلس حرب الاحتلال، بيني غانتس وغادي آيزنكوت، عبر خطابين منفصلين. وقد هاجما نتنياهو مؤكدين على أنه “يعمل لمصلحته الشخصية”.

كما قدّم الوزير الإسرائيلي حيلي تروبير من حزب “معسكر الدولة” استقالته من حكومة الطوارئ، ليحذو بذلك حذو رئيس الحزب بيني غانتس والقيادي في الحزب غادي آيزنكوت.

وأعلن بيني غانتس، رئيس كتلة “المعسكر الوطني”، استقالته من مجلس الحرب وحكومة الطوارئ التي شكلها بنيامين نتنياهو عقب “طوفان الأقصى” في السابع من أكتوبر 2023 الماضي.

وقال غانتس في خطاب الاستقالة، إن مشاركته في مجلس الحرب “كانت للمصير المشترك وليست شراكة سياسية والخروج من الحكومة قرار معقد ومؤلم”.

 

انقسام حاد داخل المجتمع الإسرائيلي

وفي هذا السياق، أكد الكاتب والمحلل السياسي حازم عياد أنّ الاستقالات التي عصفت بحكومة الطوارئ الصهيونية ومجلس الحرب ستعمّق أزمة نتنياهو وتزيد الشرخ الحاد في المجتمع الإسرائيلي، الأمر الذي سيكون له تداعيات بالغة لن تقف عند حدود الجبهة الداخلية الإسرائيلية بل سيصل إلى الولايات المتحدة الأمريكية والتأثير على الانتخابات الرئاسية المقبلة.

ويرى عياد أنّ من دلالات استقالة ثلاث وزراء من حكومة الطوارئ الإسرائيلية أنّها كشفت أنّ الانقسام داخل المجتمع الإسرائيلي والسياسة الإسرائيلية عميقٌ وقويٌ، وأنّ محاولات إنتاج صورة نصر من خلال مجزرة النصيرات، لم تتمكن من إخفاء هذا الانقسام الحاد، وفقًا لـ"المركز الفلسطيني للإعلام".

وأضاف بالقول: إنّ العملية كانت كارثية ولها تداعيات كبرى على الكيان الصهيوني بل وورطت الولايات المتحدة الأمريكية وإدارة بايدن وأربكت المشهد الداخلي في أمريكا، التي كانت تسعى لإتمام صفقة ترمم فيها الحزب الديمقراطي وعلاقة بايدن مع قاعدته الانتخابية وجاءت هذه الجريمة لتزيد من عمق الشرخ داخل الحزب الديمقراطي.

وتابع، أنّ الاستقالة جاءت لتؤكد على أنه لا يوجد لدى حكومة الحرب بقيادة نتنياهو أي إنجازات، وأنّ الصراع الداخلي في الكابنت وداخل الساحة السياسية والمجتمع الإسرائيلي سيكون عميقًا جدًا، وأنه لا يمكن معالجته بعمليات عسكرية أو أي إنجازات موهومة يحاول تسويقها نتنياهو بل على العكس من ذلك.

ولفت عياد إلى أنّ الانقسام داخل المجتمع الإسرائيلي يتفاقم، ورأينا خروج المظاهرات الحاشدة في الشارع الإسرائيلي احتجاجًا على سياسة نتنياهو، رغم محاولات إظهار صورة الانتصار أو تسويق صورة الانتصار إلا أن الانقسام لم يغب عن الساحة الإسرائيلية حتى في ذروة عملية تخليص أسرى من غزة.

وأشار المحلل السياسي إلى أنّ التداعيات المباشرة ستعمق الانقسام داخل المجتمع الإسرائيلي وستضعف حكومة نتنياهو وشرعيتها داخل الولايات المتحدة الأمريكية وشرعيتها في المجتمع الدولي، وفي أوروبا، وحتى في الإقليم، لأنّ غياب أقطاب المعارضة سيضعف موقف نتنياهو وسيزيد الجهود المبذولة لمحاصرته سواء على الصعيد الدولي عبر الدعوات لمحاكمته عبر الجنائية الدولية أو الجهود التي يبذلها بايدن لإقصائه لحسابات انتخابية ولحسابات تتعلق في الانقسام بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي.

 

التداعيات الإستراتيجية

كما أكد عياد أن تداعيات الاستقالة سوف تستمر على الإستراتيجية الإسرائيلية وعلى حالة الانقسام، وسوف تزداد استراتيجية الحكومة الإسرائيلية تبعثرًا وتفككًا، ولن يتمكن الكيان الصهيوني من رسم إستراتيجية متماسكة على الصعيد السياسي والعسكري في قطاع غزة أو المواجهة مع الشعب الفلسطيني.

ولفت إلى أنّ هذا الانقسام سيكون له امتدادات للداخل الأمريكي بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي ومعلوم أنّ غانتس مرشح مفضل لدى بايدن، واستقبله في واشنطن، وكذلك بايدن مرشح مناسب بالنسبة لغانتس ليكون رئيسًا لأمريكا، في حين أن نتنياهو يرى في الحزب الجمهوري وترامب مرشحه المفضل والعكس صحيح.

وتابع بالقول: وواضح جدًا من خلال دعوة الكونجرس الأمريكي والحزب الجمهوري لنتنياهو ليلقي خطابًا هناك.

كما شدد على أنّ كل ذلك سينعكس في النهاية على تعميق الانقسام داخل المجتمع الإسرائيلي وزعزعة ثقته بنفسه، وعجزه عن امتلاك إستراتيجية واضحة للحرب، بما فيها من يوميًا أو الإجابة على سؤال اليوم التالي للحرب.

وخلص عياد إلى أنّ “هذا يجعل المقاومة هي صاحبة اليد العليا والمبادرة في تحديد مستقبل هذه الحرب، ورسم شكل وهندسة هذه الحرب ومآلاتها النهائية بأيدي الفلسطينيين، لأن الانقسام داخل المؤسسات الأمريكية والإسرائيلية يشير إلى أنهم لا يملكون أي رؤية للحرب أو لما بعدها، الأمر الذي يملكه الفلسطينيون بكل وضوح”.

 

ماذا لو سقطت حكومة نتنياهو؟

رأى محاضر العلوم السياسية بالجامعة العبرية يوناثان فريمان أن بقاء حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بدعم 64 من أعضاء الكنيست (البرلمان) يشكل تحديًا كبيرًا أمام المعارضة لإسقاطها.

ولفت فريمان إلى وجود استقطاب بأوساط المعارضة بين من سيقودها لإسقاط حكومة نتنياهو في أي انتخابات قادمة، وخصوصًا بين زعيم "الوحدة الوطنية" بيني غانتس وزعيم "هناك مستقبل" يائير لابيد وزعيم حزب "العمل" يائير غولان.

ومنذ انضمامه الى الحكومة في 11 أكتوبر الماضي، لم يختلف غانتس كثيرًا مع نتنياهو بشأن الحرب، بل شكل غطاءً لقبول الإدارة الأمريكية لقرار إسرائيل التوغل البري في رفح بعد أن كانت تعارضه بشدة.

وعن تأثير انسحاب غانتس من الحكومة وإمكانية حل حكومة الحرب قال: "نتنياهو في النهاية، كما كان الحال طوال الوقت، له وزن كبير في الطريقة التي تُدار بها هذه الحرب".

وأشار إلى أنه رغم حديث وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش عن انضمامهما إلى حكومة الحرب فإنه "إذا لم يؤمن نتنياهو بذلك، فلن يحدث".

ولم يعلق فريمان كثيرًا من الأهمية على تهديدات بن غفير وسموتريتش بشأن مغادرة الحكومة في حال التوصل إلى اتفاق لتبادل أسرى إسرائيليين بفلسطينيين في السجون الإسرائيلية ووقف لإطلاق نار في غزة.

وأضاف: "أعتقد أنهم سيقولون: لقد حاولنا، لقد صوتنا ضد الاتفاق ولكن تمت المصادقة عليه، وسنبقى في الحكومة لمحاولة التأثير من الداخل، وهو أكثر وأفضل مما لو كنا في الخارج".

وتابع: "لذلك، رغم أنهم يقولون إنهم ضد الاتفاق وإنهم سيغادرون، فهناك طرق للنزول من الشجرة بالقول لقد حاولنا أو عارضنا ذلك أو حصلنا على شيء في المقابل، لقد جعلنا الظروف أكثر قسوة، وغيرها من الأشياء المختلفة".

وذكر فريمان أن أحزاب اليمين المتشدد تدرك جيدًا إنه إذا ما سقطت الحكومة فإنها ستجري انتخابات تشير استطلاعات الرأي إلى أن لا نتنياهو ولا هذه الأحزاب ستفوز فيها.

وقال: "كما تعلمون، قد لا يريدون إجراء انتخابات جديدة، لذلك، رغم أنهم قد يقولون إنهم سيغادرون، إذا كان ذلك يعني أنه سيكون لديهم تأثير أقل على سياسات الحكومة، وإذا كان ذلك يعني أن الحكومة قد تخوض انتخابات جديدة، وهناك احتمال أيضًا أن يكون هناك شخص آخر غير نتنياهو سيصبح رئيسًا للوزراء فإنهم لن يبادروا الى ذلك".

وأضاف: "لذلك كانت هناك حوادث وحالات مختلفة اختلفوا معها، وما زالوا في الحكومة، وأنا لست متأكدًا من أنهم سينفذون حقًا ما يقولون إنهم سيفعلونه".

وتشير استطلاعات الرأي في إسرائيل إلى أن المعارضة ستحصل على عدد أكبر من المقاعد من كتلة نتنياهو فيما لو جرت انتخابات اليوم.

لكن فريمان رأى أن ذلك يستدعي الوحدة من قبل الأحزاب المعارضة خلف شخصية تقودهم في مواجهة نتنياهو.

ورغم أن غانتس هو الأكثر شعبية من بين شخصيات المعارضة، وفقًا لاستطلاعات الرأي، قال فريمان إنه ليس متأكدًا من أن المعارضة ستصطف خلفه.

وقال: "أعتقد أن غانتس قد يشعر أو أن هناك من ينصحه بأنه إذا استقال فإن ذلك قد يساعده على اكتساب المزيد من الشعبية لدى الجمهور".

وأضاف: "لست متأكدًا من أن الأمر سينجح معه حاليًا، لأنه كان في الحكومة منذ أشهر. إذا كان يعتقد حقًا ما قاله بالأمس، بأن هذه حكومة سيئة. فلماذا كان في الحكومة لمدة سبعة أشهر بالفعل؟ هذا ليس له أي معنى".

وأشار إلى أن غانتس "يراهن على أن المعارضة ستدعمه بطريقة أو بأخرى إذا جرت انتخابات جديدة في وقت ما في المستقبل".