أعلن وزير المالية بحكومة الانقلاب، محمد معيط، خلال الساعات الماضية عن تخصيص 20 مليار جنيه من الموازنة العامة للدولة لتمويل مصر للطيران (الشركة الوطنية للطيران المملوكة للدولة، وقد تحولت في العام 2002 إلى شركة قابضة تضم تحت إدارتها ثمان شركات فرعية)، وذلك لشراء طائرات جديدة من شركة إيرباص. 

جاء هذا القرار استجابةً لطلب النائبة نورا علي – رئيس لجنة السياحة والطيران-، التي دعت إلى إيجاد حل لأزمة الديون المتراكمة التي تعاني منها الشركة ونقص الطائرات في أسطولها. وقد ناقشت النائبة خلال الجلسة العامة بمجلس النواب التي خصصت لمناقشة الموازنة العامة الجديدة للدولة، الاثنين، وضع قطاع الطيران ومديونياته، واصفة القطاع بأنه يمر بـ”وعكة”.

**فما الذي يحدث في الناقل الوطني لمصر بالتحديد؟**
قبل أشهر قليلة كانت مصر تمتلك أسطولًا كاملًا من الطائرات، وفي صفقة أثارت جدلاً واسعًا، وقّعت الشركة القابضة لمصر للطيران اتفاقًا، خلال معرض دبي للطيران، ببيع 12 طائرة من طراز إيرباص 300-A220، لم يمضِ على شرائها أربعة أعوام، لشركة أزورا للطيران الأمريكية. 

الصفقة التي كلّفت حكومة الانقلاب ما يقرب من 1.092 مليار دولار، تم بيعها بنحو 300 مليون دولار فقط، وفق ما أخبرنا به البرلماني عبد المنعم إمام، في خسارة تقترب من 800 مليون دولار؛ وحينها برر رئيس مجلس إدارة الشركة القابضة لمصر للطيران، يحيي زكريا، بيع الطائرات بعد تلك الفترة القصيرة، قائلًا :”هذه الطائرات غير ملائمة للظروف المناخية المصرية”، وإن الشركة ستستغل قيمة البيع في تسديد قرض شراء الطائرات؛ لكن عضو مجلس النواب، النائب عبد المنعم إمام، أوضح، أن وزير الطيران عباس حلمي، برر عملية البيع، خلال اجتماع مع نواب البرلمان، بعدم وجود حلول بديلة للطائرات كونها ظلت غير مُستخدمة منذ وصولها للشركة خلال عامي 2019- 2020.

وكشفت لائحة الاتهام، دفع الوسيط الإماراتي عباس اليوسف، وهو طيار متقاعد، إلى مسؤولين مصريين هذه المبالغ مقابل تسهيل شراء مصر للطيران 7 طائرات من طراز إيرباص 320. وعباس اليوسف، طيار سابق في القوات الجوية الإماراتية، استغل علاقاته للعمل كوسيط بين مسئولي مصر للطيران وشركة إيرباص.   

وفي 2020، أدينت شركة إيرباص بالتلاعب، ومخالفة اتفاقية التجارة الدولية الأمريكية في الأسلحة ITAR، ما كلفها دفع غرامات تزيد عن 3.9 مليار دولار لتسوية تلك الاتهامات للسلطات الحكومية في الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة. 

المثير في تلك القصة، أن مصر اشترت صفقة الطائرات المذكورة من خلال قرض حصلت عليه، ما أثار شكوك حول إدارة الصفقة برمتها، إذ أنه يجب على السلطة المصرية سداد قيمة القرض وفوائده الذي تحصلت عليه لشراء الطائرات، في الوقت الذي باعتها فيه بسعر بخس، في حين تقول الشركة إنها اضطرت للبيع لسداد قيمة القرض، إضافة إلى شراء طائرات جديدة.

**عيوب صناعة **
كشف موقع سيمبلي فلاي Simple Flying، المتخصص في رصد أخبار الطيران، أنه بعد تعاقد مصر للطيران في 2017 على صفقة طائرات إيرباص A220-300، تعرض محرك الطائرة إيرباص من نوع Pratt & Whitney PW1500G في العام التالي، إلى واقعة “تسرب للوقود”، بعدما تسرب الزيت من المبرد أثناء صعود الطائرة من باريس؛ ما أدى إلى فقدان ضغط الزيت. ويعد مبرد الزيت جزءًا لا غنى عنه لضمان عمل المحرك بكفاءة وفعالية. 

وكشفت هيئة التحقيق السويسرية SUST، عن تلقي طاقم الطائرة رسائل تحذيرية بشأن انخفاض كمية الزيت في المحرك، بسبب وجود خلل في الختم الدائري الموجود على مبرد زيت الوقود بالمحرك. وبعد ذلك الحادث في 2018، كشف هيئة التحقيق السويسرية عن وجود مبردين زيت آخرين متضررين أيضًا، كما طالبت نشرة الخدمة، المتخصصة في الكشف عن محركات الطائرات ومكوناتها، بضرورة استبدال مكون التبريد في محرك Pratt & Whitney PW1500G بآخر أطول مع عزم دوران أكثر قوة، لكن لم يتم الالتفات لتلك المطالبات. 

ورفعت السنغال وتنزانيا قضايا تتعلق بأعطال المحرك، ورفض والعراق تسلم حصته من طائرة إيرباص طراز A321 لنفس الأسباب.

فيما لم ترد شركة إيرباص على التساؤلات بشأن مشاكل المحرك  PW1500G مكتفية بالقول بأن “طائراتها مزودة بنظام “NAVBLUE، “، وهو الجيل الجديد من حلول إدارة الحركة الجوية الرقمية”. 

في السياق نفسه، دعمت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية هذا التأكيد من خلال موقعها الرسمي بأن الحركة الجوية تتغير على فترات متباعدة ويحدث ذلك نتيجة تغيرات كبرى مثل العواصف والبراكين والرياح والأعاصير المدارية وغيرها.  

من جهته، قال ديجو سانتانا، وهو طيار يعمل بالخطوط الجوية الإسبانية، إن صناعة الطيران تخضع لتنظيمات صارمة من عدة منظمات دولية مثل منظمة الطيران المدني الدولي الإيكاو (ICAO) ووكالة سلامة الطيران الأوروبية EASA تعمل على ضمان امتثال شركات تصنيع الطائرات لمعايير السلامة العالية.
وأضاف في تصريحات لزاوية ثالثة، أن تلك المنظمات الدولية تتولى دراسة الظروف الجوية والتغيرات التي قد تؤثر على السلامة، وتقدم تقارير شفافية من خلال مدققين ومفتشين يقومون بفحص دوري لكل جوانب الصناعة الجوية، بما في ذلك شركات التصنيع، شركات الطيران، مراقبو الحركة الجوية، مراكز الصيانة، و أكاديميات الطيران. 

 ويوضح سانتانا، أن هذه الوكالات الدولية تقوم بدور الوسيط بين شركات الطيران والشركة المصنعة، وفي حال ارتكاب أخطاء فنية، تتخذ هذه الوكالات إجراءات عقابية قد تصل إلى إيقاف تشغيل نوع معين من الطائرات، أي أنها تمتلك السلطة الكافية لاتخاذ التدابير الوقائية. 

**حوادث ضخمة
**عند مراجعة حوادث طائرات إيرباص في مصر خلال الفترة بين 2014 إلى 2024، فقد بلغت نحو 36 حادثة خطيرة أبرزها في عام 2016، إذ تحطمت طائرة (إيرباص إيه 320-232 تسجيل (SU-GCC) ورقم تسلسلي 2088.

وفي عام 2020 إذ تحطمت طائرة ايرباص ايه-321 تابعة لشركة “ميتروجيت” الروسية في شبه جزيرة سيناء المصرية إثر انفجار على متنها أثناء رحلتها بين منتجع شرم الشيخ المصري وسانت بطرسبورغ.

خسائر تشغيلية 

كما وثقت زاوية ثالثة من خلال تتبع رحلات الطائرات الـ12 التي اشترتها مصر عبر استخدام موقع فلايت رادار flightradar24 المدفوع، أن الأسطول لم يعمل منه سوى طائرتين، في حين يظهر أن باقي الأسطول مخزن منذ وصوله حتى اليوم الذي أبرمت فيه صفقة البيع. 

كما يُظهر موقع سييرم Cirium، أن مصر للطيران استمرت في تقليل عدد رحلاتها التي كان من المقرر تشغيلها بطائرات إيرباص A220-300، إذ انخفض عدد رحلات هذا الطراز من 1149 رحلة في 2021 إلى 500 رحلة فقط في ديسمبر 2023، ثم وصلت إلى 100 رحلة فقط في يناير 2024. 

وهذا مخالف لما أعلنت عنه مصر للطيران، في سبتمبر 2019،  أن شراء طائرات إيرباص A220-300 تم بناءً على دراسة مكثفة لأسطول الشركة من الطائرات واحتياجاتها؛ بما يتماشى مع معدلات التشغيل وشبكة الخطوط الجوية، ومقارنة ذلك بالعروض التي قدمتها بعض من الشركات الكبرى المصنعة للطائرات حول العالم. 

ورغم الأزمات والخسائر المالية الضخمة والأعطال المُتكررة، لم تتوقف مصر للطيران عن التعاقد مع شركة إيرباص، بل وقعت على صفقات جديدة بمليارات الدولارات خلال السنوات القليلة الماضية، ومن بين أبرز هذه الصفقات التي وقعت عليها، كان التوقيع على صفقة بشراء 7 طائرات من طراز A321neo بتكلفة 900 ألف دولار، وصفقة شراء 10 طائرات من طراز A350-900  في نوفمبر 2023 بتكلفة 3.2 مليار دولار. 

وطبقًا للتقرير السنوي الصادر عن رابطة الخطوط الجوية الإفريقية AFRAA في 2022، تمتلك مصر للطيران 30 طائرة ايرباص محتلة المرتبة الأولى بين 46 دولة إفريقية التي تمتلك طائرات إيرباص، تليها إثيوبيا بنحو نصف ما تمتلكه مصر للطيران. 

**خسائر وأعباء مالية لمصر للطيران**
كشفت بيانات التقرير السنوي الصادر عن الشركة القابضة لمصر للطيران عن تسجيلها خسائر بقيمة تزيد عن 518.6 مليون جنيه خلال موازنة العام المالي 2020/ 2021. 

وكشف وزير الطيران المدني، محمد عباس، في تصريحات صحفية في فبراير 2023، عن وصول خسائر مصر للطيران إلى 30 مليار جنيه منذ بداية جائحة فيروس كورونا وحتى يونيو 2022. 

يُعلق المستشار المالي بالوكالة الدولية للتنمية، محمد عويس شلبي، بأن خسائر الشركة المالية خلال الفترة الأخيرة غير مُعلنة بشكل شفاف، لكن تُشير آخر بيانات منشورة بنهاية يونيو 2021 إلى حجم إيرادات الشركة بلغت نحو 17 مليار جنيه فقط، في حين بلغت النفقات التشغيلية والأعباء والخسائر إلى قرابة 32 مليار جنيه. 

كما تقدمت النائبة بمجلس النواب، مها عبد الناصر، بطلب إحاطة لرئيس مجلس النواب بشأن وجود شبهة إهدار مال عام في صفقة بيع 12 طائرة من أسطول شركة مصر للطيران. وتساءلت في طلب الإحاطة المقدم في أبريل الماضي، عمن سيتحمل فوائد قرض شراء الطائرات إيرباص والتي تقدر بين 5 إلى 7% سنويًا. 

وحصلت شركة مصر للطيران على قروض بقيمة 15 مليار جنيه خلال الفترة بين 2019 إلى 2022، إذ حصلت في 2019 على قرض موازي بقيمة 2 مليار جنيه، وفي 2020 حصلت مصر للطيران على ثلاثة مليار جنيه من البنك الأهلي وبنك مصر مدته 10 سنوات، و2021 حصلت على خمسة مليار من مشروع قانون مقدم من الحكومة يأذن لوزير المالية بضمان الشركة القابضة لمصر للطيران للحصول على قرض طويل الأجل بقيمة 5 مليارات جنيه من البنك الأهلي المصري وبنك مصر، بموجب قانون رقم 20 لسنة 2022 ضمان وزارة المالية لشركة مصر للطيران في تاريخ 11 أبريل 2022.