أكد الباحث الإيطالي البارز ورئيس ديسك الشرق الأوسط في مركز الدراسات الدولية بروما "CESI"، جوزيبي دينتيتشه، أن اقتصاد مصر يواجه أزمة طاحنة تفاقمت بسبب تداعيات الصراعات على الحدود شرقاً وغرباً وجنوباً. وفيما يلي نص الحوار

 

* كيف تقرأ وضع اقتصاد مصر الحالي؟

مصر تجد نفسها اليوم في قلب سلسلة من الاضطرابات الداخلية والإقليمية، وتواجه أزمة اقتصادية طاحنة دفعت البلاد بالضرورة إلى اتخاذ قرارات صعبة، مثل اللجوء إلى صندوق النقد الدولي مرات عدة في أقل من عشر سنوات، لإنقاذ أوضاعها المالية وعدم الاستسلام لأحد النظم الافتراضية.
وعلاوة على الأزمة الاقتصادية يتعين على القاهرة، من ناحية أخرى، إدارة الأزمات على طول حدودها، فإضافة إلى الحرب في غزة، لا ينبغي أن ننسى ليبيا والسودان، ومن ثم البحر الأحمر، بصفتها عوامل تكميلية للتوتر، التي من شأنها ترك البلاد في حالة هشاشة قصوى.



* ما هي تداعيات حرب غزة على الجبهة الداخلية المصرية؟

الحرب الإسرائيلية على غزة، خصوصاً، تعتبر نوعاً ما نقطة تحول تتعلق بماضي مصر وحاضرها وحتى مستقبلها نفسه. والتهديدات الأمنية والإنسانية والسياسية الناجمة عن الصراع في قطاع غزة، في هذا الإطار، ربما تمثل نوعاً ما تسريعاً للأوضاع الداخلية الملتهبة بالفعل، والتي إذا لم تجر السيطرة عليها جيداً، فمن الممكن أن تؤدي إلى توترات جديدة واسعة النطاق من شأنها التأثير على الشرق الأوسط بأكمله، بدءًا من التدفق الخارج عن السيطرة للفلسطينيين النازحين من غزة والجاهزين للعثور على ملجأ لهم في سيناء.

ن شأن هذا السيناريو أن يشكل عبئاً هائلاً (بما في ذلك اقتصادياً) على مصر، التي ستجد نفسها مضطرة إلى إدارة وضع معقد من وجهة نظر سياسية وأمنية، فضلاً عن اضطرارها إلى تبرير أمر مفروض من الخارج للرأي العام الداخلي.



* هل من الممكن أن تؤثر تحركات القاهرة من أجل التصدي لهذه الأزمة على علاقتها بإسرائيل؟

ليس من قبيل المصادفات أن القاهرة عززت حدودها مع غزة، وأغلقت معبر رفح، وحذرت إسرائيل من أن أي عمل أحادي بالخصوص نفسه من شأنه أن يعرض للخطر ليس العلاقات الثنائية فحسب، بل أيضاً شروط السلام والاستقرار التي تكفلها معاهدة السلام بين الطرفين في المنطقة. وحتى إذا كان من المرجح أن تحافظ مصر وإسرائيل على الوضع الحالي من "السلام البارد"، فإن إمكانية حدوث شرخ ما زالت قائمة، مع كل التداعيات على المستوى السياسي الإقليمي والعلاقات بين دول المنطقة.



* ماذا تمثل الحرب الأهلية في السودان لمصر؟

التوترات على طول الحدود تشكل، شأنها في ذلك شأن الحرب في غزة، مصدر قلق كبيراً للقاهرة. ويمثل السودان، في هذا السياق، مصدر المخاوف الأكبر في ظل المخاطر الإنسانية المرتبطة بالأزمة الراهنة، مع التدفق الخارج عن السيطرة لملايين المواطنين السودانيين داخل حدوده، ما قد يؤدي من ثم إلى تفاقم أوضاع الاستقبال الداخلية التي ليس من السهل حلها.



* وماذا عن الأزمة الليبية في هذا السياق؟

من المفارقات أن القضية الليبية، على الرغم من أهميتها- والتشديد مراراً وتكراراً على كونها مسألة وجودية في ما يخص البلاد - باتت اليوم تحت السيطرة أكثر من ذي قبل، أو على الأقل ليست ملحة أيضاً بسبب بعض التغيرات التي طرأت على العلاقات مع بعض الفاعلين البارزين، وفي مقدمتهم تركيا.

* شهدت الفترة الأخيرة تقارباً ملحوظاً بين مصر وتركيا، أين تكمن أهمية هذا التقارب؟

التقارب بين تركيا ومصر يمثل تطوراً مهمّاً وربما إيجابيّاً للغاية أيضاً ليس فقط للطرفين في المنطقة الواقعة بين البحرالمتوسط والشرق الأوسط، وإنما أيضاً لعلاقات أنقرة بالاتحاد الأوروبي، حيث تعد القاهرة شريكاً استراتيجياً أساسياً للاتحاد الأووربي، وهو ما تأكد من خلال تجديد اتفاقية الشراكة بين الطرفين في مارس/آذار الماضي.



* ما هي الدوافع وراء هذا التجديد؟

هذا الإجراء يبدو أنه جاء استجابة لخطة راسخة للتدخل السريع تهدف إلى التخفيف الفوري للمشكلات الحرجة وتحقيق الاستقرار على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي للقاهرة. وعلى الرغم من ذلك، لم تبرز في هذا الاتفاق أيضاً كما يبدو أي عناصر مفيدة قادرة على إحداث تحول عميق في الأوضاع الصعبة التي تشهدها البلاد، فضلاً عن تسهيل التحرك السياسي الأوروبي برمته.



* كيف ترى التحركات الخارجية لمصر في الفترة الأخيرة؟

النشاط الإقليمي والدولي لمصر يمثل خطوة أساسية لتحقيق الاستقرار في المنطقة، وتجنب التوترات القادمة من الخارج والتي تؤثر على مختلف القطاعات ولا سيما الاقتصادي.