كشف المتحدث الرسمي باسم مجلس الوزراء، المستشار محمد الحمصاني، حقيقة منح كل أسرة مستحقة للدعم نحو 5 آلاف جنيه شهريًا مقابل إلغاء الدعم العيني. وقال إن رقم الـ5 آلاف تم طرحه كمثال، حال اتخاذ قرار نهائي بتحويل الدعم العيني إلى نقدي.

وأوضح أنه على سبيل المثال أنه إذا كانت قيمة ما يحصل عليه المواطن من دعم عيني يساوي 1000 جنيه وكانت الأسرة مكونة من 5 أفراد، فإن هذه الأسرة ستستحق دعمًا نقديًا شهريًا بقيمة 5 آلاف جنيه، مؤكدًا أن رقم الدعم النقدي سيكون متغيرًا طبقًا لمعدل التضخم.

جاء ذلك بالتزامن مع إعلان الحكومة رفع سعر رغيف الخبز المدعوم لأول مرة منذ 3 عقود من خمسة قروش إلى 20 قرشا، اعتبارا الأول من يونيو، وهي خطوة تقول الحكومة إنها "ضرورية لتتناسب مع الزيادة الكبيرة في الأسعار".

وقال المتحدث باسم وزارة التموين ، أحمد كمال، إن وزارة التموين والتجارة الداخلية تصرف 10 كيلو دقيق مدعم شهريًا بسعر 30 جنيهًا للفرد المقيد على بطاقة التموين، كبديل عن الخبز المدعم لمن يريد الحصول على الدقيق، خاصة في المناطق التي يتواجد فيها مستودعات دقيق والتي تكون غالبًا في القرى وبعض المناطق في محافظات الوجه القبلي والبحري، حيث تصرف الوزارة كمية من الدقيق المدعم شهريًا للفرد، وفقًا لـ"العربية".

وأوضح أنه تم تحريك سعر الدقيق مؤخرًا من 7.5 جنيه إلى 30 جنيهًا، عقب زيادة سعر الرغيف المدعم من 5 قروش إلى 20 قرشًا. وتبلغ حصة الفرد المقيد على بطاقة التموين من الخبز المدعم 5 أرغفة يوميًا بما يعادل 150 رغيفا شهريًا بسعر الرغيف 20 قرشًا، وبسعر إجمالي 30 جنيهًا لـ150 رغيفًا، وهو نفس قيمة حصة المواطن من الدقيق المدعم وهو 10 كيلو شهريًا في حال رغبة الفرد في الحصول على الدقيق بدلًا من الخبز.

 

"أخطار اجتماعية"

وفي أكثر من مناسبة، أكد صندوق النقد أن مصر مطالبة بتحويل الدعم العيني بما في ذلك دعم المحروقات والطاقة، إلى دعم نقدي من خلال التوسع في برامج شبكة الحماية الاجتماعية، مثل برنامج تكافل وكرامة، الذي تقدم الحكومة من خلاله مساعدات نقدية مشروطة لمساعدة الأسر الفقيرة والأكثر احتياجًا.

لكن، هذه الخطوة يحذر منها خبراء اقتصاد، حيث إنها إلى جانب ما قد تتسبب فيه من ضغوط تضخمية على الطبقات الفقيرة والتحديات التي ستواجهها نتيجة "الفساد"، "ستحدث أيضا خللا في المجتمع"، وفق الخبير الاقتصادي، وائل النحاس.

ويقول النحاس "إن "تطبيق الدعم النقدي قد يُحدث خللا في المجتمع المصري، حيث سيتجه بعض الأشخاص إلى استخدام هذه الأموال في مواضع لا تتعلق بالإعانة على الحياة اليومية من شراء السلع والخدمات"، وفقًا لـ"الحرة".

ويضيف: "قد يذهب بعض الأشخاص مقابل ما توفره الحكومة لهم من أموال نحو شراء المخدرات الرائجة ذات الأسعار المنخفضة، بدلًا من شراء السلع والخدمات التي تحتاجها الأسرة، وهو الأمر الذي سينعكس على المجتمع وقد يزيد من معدلات الجريمة، في ظل مستوى الفقر المرتفع الذي يعيش فيه المواطنون".

وتتفق مع هذا الطرح، أستاذة الاقتصاد بجامعة القاهرة، عالية المهدي، والتي شاركت في دراسة ميدانية واسعة أجريت قبل نحو 18 عامًا حول إمكانية تطبيق الدعم النقدي في مصر، حيث أظهرت رفض الأسر المصرية لهذا المقترح حينها.

وتقول المهدي: "قبل ثورة 2011، كانت الحكومة كانت تريد تطبيق منظومة دعم نقدي في مصر، وطالبوا بإجراء دراسة ميدانية شملت نحو 5 آلاف أسرة، شاركت في إعدادها، لكن النتائج كانت رافضة لمثل هذه الخطوة".

وتضيف: "الدراسة أظهرت أن 85 بالمئة من الأسر رفضت تطبيق الدعم النقدي بدلًا من الدعم العيني، نظرًا لتخوفات فيما يتعلق بإمكانية استغلال الأموال بشكل غير مقبول من قبل بعض أفراد الأسرة وفي مقدمتهم رب الأسرة. كما أبلغوا بأن الأموال عادة تتراجع قيمتها مع الوقت ومن الأفضل الحصول على السلع والخدمات المدعومة من الدولة".

 

"الفساد"

إلى جانب ذلك، تؤكد تقارير محلية على "وجود بعض أشكال الفساد والمحسوبية في المحليات، تحول دون وصول الدعم إلى مستحقيه ضمن برنامج الدعم النقدي تكافل وكرامة".

ونقلت صحيفة "الشروق" قبل عام تقريبًا، عن عضو مجلس الشيوخ، إيهاب الخراط، قوله إن "الفساد والمحسوبية في المحليات تحد من وصول دعم برنامج تكافل وكرامة إلى مستحقيه".

ويؤكد هذا أيضًا، النحاس، والذي يقول خلال حديثه إن "الفساد مستشر في كل منظومة الدعم بما في ذلك الدعم العيني".

وحسب مؤشر مدركات الفساد لعام 2023، الصادر عن منظمة الشفافية الدولية، سجلت مصر أدنى درجاتها عند 35 درجة، منذ أصبحت نتائج مؤشر مدركات الفساد قابلة للمقارنة في عام 2012، كما حلت في المرتبة 108 في التصنيف الذي يشمل 180 بلدًا وإقليمًا، ويقيس المستويات المدركة لفساد القطاع العام لديها.

لهذا يشير الخبير الاقتصادي إلى أن "الإقدام على خطوة الدعم النقدي دون القضاء على الفساد، سيزيد من انتشاره في ظل عدم وجود معايير محددة في الأساس لاختيار الأسر والمستحقين للدعم سواء النقدي أو العيني".

ويضيف: "المعايير التي وضعتها الحكومة قبل سنوات بالنسبة لإلغاء الدعم للأسر غير المستحقة لم تكن واضحة تمامًا، حيث ألغت الدعم للكثير من الأسر التي تستحق ذلك. في المقابل إذا كان هناك معايير واضحة مثل استهلاك الكهرباء والسيارة والأصول العقارية، كان من الممكن أن يتم إلغاء الدعم لأغلب المصريين".

ويتابع النحاس: " بالتالي كان من الواجب وضع معايير حقيقية، وذلك بناء على تقييم للظروف والبيئة الاقتصادية المناسبة للمواطن المصري. ويجب أن نحدد اليوم من هو الشخص المقصود بـ 'المحدود الداخل'، سواء كان هذا الشخص في القطاع الخاص ولديه دخل أقل من الموظفين الحكوميين، أو كان ضمن القوى العاملة التي تخضع لسلطة الدولة. وضوح المعايير في هذا الصدد أمر ضروري، حيث يجب ألا يقل دخل هؤلاء الأفراد الذين يستحقون الدعم عن الحد الأدنى المقبول".

ورفعت الحكومة مؤخرًا الحد الأدنى للأجور للقطاعين العام والخاص إلى 6000 جنيه شهريًا، فيما يشتكي مواطنون يعملون بالقطاع الخاص من رفض بعض الشركات زيادة الحد الأدنى من المستوى السابق عند 3500 جنيه شهريًا.

 

المزيد من التضخم

تواجه مصر ارتفاعًا حادًا في التضخم، حيث بلغ في إبريل الماضي نحو 31.8 بالمئة، وفق ما تظهر بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء. فيما يقول البنك الدولي، إن مصر من بين "البلدان الـ10 الأكثر تضررًا من تضخم الغذاء في العالم".

لهذا تؤكد أستاذة الاقتصاد بجامعة القاهرة، أن "المزيد من الأموال في السيولة قد تؤدي لموجة تضخمية كبيرة، حتى لو كانت مؤقتة".

وتقول المهدي خلال حديثها: "أنا ضد تطبيق الدعم النقدي لأنه تضخمي. الحكومة تمنح الناس المزيد من الأموال في أيديهم دون أي زيادة تذكر في الإنتاج المحلي، وبالتالي النتيجة الطبيعية حدوث تضخم جامح".

وتضيف: "هل نحن نريد المزيد من التضخم في الاقتصاد وارتفاع الأسعار؟ بالطبع لا، الحكومة تكافح من أجل السيطرة عليه (التضخم)".

وتعتبر المهدي أن "مبلغ ألف جنيه رغم قدرته الشرائية المحدودة، لكنه يمكن أن يزيد من الأسعار بشكل كبير"، وتشدد على أن "التضخم في الأخير يشعر به الفقراء".

وتقول: "يجب استمرار الدعم العيني. والأفضل أن تخلق الحكومة فرص عمل للمواطنين ليكونوا منتجين ولديهم دخل يعينهم على متطلبات الحياة بدلًا من التحول إلى الدعم النقدي".

ويرفض النحاس أي تحول إلى الدعم النقدي في الوقت الحالي، حيث يختتم حديثه بالقول: "لا يمكن الاتجاه نحو الدعم النقدي دون وجود خطة شاملة لمكافحة الفساد، ويجب أن تكون الأولوية لمعالجة الفساد في مختلف مراحله، وبعد ذلك يمكن النظر مستقبلًا في إمكانية تطبيق الدعم النقدي أم لا وفقًا للحاجات الفعلية للشعب المصري".

 

دعم نقدي بمبالغ متدنية

حسب بيانات موازنة العام المالي المقبل، التي نشرتها وزارة المالية، يمثل الدعم النقدي من إجمالي الدعم والمزايا الاجتماعية نسبة 6.3 بالمئة.

ويستفيد من برنامج تكافل وكرامة، الذي تنفذه حكومة الانقلاب، منذ برنامجها السابق مع صندوق النقد قبل 8 أعوام، ما يزيد عن 5 ملايين أسرة، إذ تقدم الحكومة من خلاله مساعدات نقدية مشروطة لمساعدة الأسر الفقيرة والأكثر احتياجًا، وفق ما تقول وزارة التضامن الاجتماعي.

ويقلل النحاس من "إمكانية أن يكون برنامج تكافل وكرامة مثال على نجاح منظومة الدعم النقدي في مصر"، إذ يقول إن "هذا البرنامج يعود إلى عهد الرئيس الراحل أنور السادات، وأعيد تسميته في عهد الرئيس الراحل حسني مبارك، كما هو الحال في عهد عبدالفتاح السيسي".

ويضيف خلال حديثه: "الحكومة لم تقوم بتطوير برنامج دعم نقدي جديد، ما قامت به ما هو إلا تغيير لاسم منظومة قديمة قائمة منذ عدة عقود. وهذا البرنامج متوارث من الحكومة السابقة ولا يقدم أي جديد فيما يتعلق بالدعم النقدي، وعلى العكس من ذلك يقدم مبالغ متدنية تصل إلى 650 جنيهًا للأسرة شهريًا".

ويتابع النحاس: "أين الكرامة في هذا المبلغ الضئيل.. يجب ألا يقل هذا المبلغ في حال كانت الحكومة جادة عن 3 آلاف جنيه، وهو الحد الأدنى للمعيشة بالنسبة للطبقة الفقيرة".

ومنذ 4 أعوام، لم تنشر السلطات بيانات الفقر، في الوقت الذي تشير فيه تقارير عدة إلى أن نحو ثلثي سكان مصر يعيشون تحت خط الفقر أو فوقه بقليل.

وكان آخر تحديث نشره الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء لتقرير "بحث الدخل والإنفاق" في عام 2020، والذي أظهر تراجع نسبة الفقر إلى 29.7 بالمئة من أعلى مستوى في نحو 18 عامًا عند 32.5 بالمئة والمسجل في عام 2018.

وحينها كان خط الفقر للفرد في مصر، وفق "بحث الدخل والإنفاق"، نحو 857 جنيهًا للفرد شهريًا.