شهدت أسعار العملات الأجنبية والعربية تراجعًا مقابل الجنيه في السوق الرسمية في ظل غياب نشاطات السوق السوداء، وذلك عقب إضراب المضاربين والتجار الماليين عن التوجه للبنوك للحصول على عملة الدولار.

وقالت مصادر اقتصادية إن حصيلة تنازل العملاء عن النقد الأجنبي قدر بـ 25.6 مليار جنيه لصالح أكبر ثلاث مؤسسات مالية تابعة للبنك المركزي المصري وذلك منذ تطبيق قرار تحرير سعر صرف الجنيه مقابل العملات.

وأضافت: "اليوم يتم التخلي عن الدولار بشكل تدريجي، للاستفادة من أسعار الصرف الحالية.. لأن ما نراه على الأرض هو بداية النهاية لأزمة شح الدولار داخل الأسواق المحلية".

وفي 6 مارس الماضي، أعلنت مصر عن تحرير كامل لسعر صرف الجنيه، ليحدد سعره بناء على العرض والطلب داخل الأسواق المحلية، تبعه بساعات توقيع اتفاق قرض مع صندوق النقد الدولي بقيمة 8 مليارات دولار.

وقال الدكتور محمد معيط، وزير المالية، إن التوقعات تؤكد استمرار تراجع عملة الدولار مقابل الجنيه، مما قد يدفع العملاء إلى متابعة سعر الصرف في البورصات.

وفي السياق قالت شركة BMI  إن هناك توقعات تشير إلى تعويض مصر لخسائرها الماضية في الأسابيع القادمة، وفقًا لموقع"tradersup".

وفي تعاملات اليوم، تراجع سعر صرف الدولار ما بين 7- 10 قروش في البنوك، ووصل سعر صرف الدولار إلى 47.23 جنيه مقابل الشراء و47.33 جنيه مقابل البيع في كل من البنك الأهلي وبنك مصر الذي سجل أيضًا سعر صرف الدولار عند 47.27 جنيه للشراء مقابل 47.33 جنيه للبيع.

وأما في البنوك الخاصة، فقد سعر الدولار في البنك التجاري الدولار 47.30 جنيه للشراء مقابل 47.40 جنيه مقابل البيع، كما واستقر سعر صرف الدولار عند المستوى 47.21 جنيه للشراء مقابل 47.34 جنيه للبيع في البنك الأهلي المصري.

وتراجع اليورو أمام الجنيه بمقدر 7-9 قروش في البنوك في الشراء والبيع، ففي البنك الأهلي المصري استقر سعر صرف اليورو مقابل الجنيه عند المستوى 50.81 جنيه للشراء مقابل 51.07 جنيه للبيع، وفي بنك مصر سجل اليورو 50.82 جنيه للشراء مقابل 51.05 جنيه للبيع.

 

تدفقات مالية الشهر المقبل

ومن المتوقع أن تتلقى مصر خلال الأسابيع المقبلة، شرائح مالية من النقد الأجنبي تقدمها مؤسسات مالية وتكتلات دولية، بدأت تأثيراتها تظهر على سوق الصرف في البلاد.

وفي يونيو المقبل، ينهي صندوق النقد الدولي مراجعته الثالثة لبرنامج إصلاح اقتصادي يرافقه قرض مالي بإجمالي 8 مليارات دولار، تم توقيعه خلال وقت سابق من مارس الماضي.

وتبلغ قيمة الشريحة المتوقع تحويلها إلى حسابات وزارة المالية المصرية، قرابة 800 مليون دولار، يضاف لها قرابة مليار يورو (1.1 مليار دولار) من الاتحاد الأوروبي، ضمن برنامج شراكة شاملة بين الجانبين.

كذلك، تتوقع مصر تلقي منح مالية وقروض ميسرة من البنك الدولي، ضمن اتفاق مع السلطات المصرية لتعزيز النمو الاقتصادي للبلاد.

وأوردت مواقع عربية مثل مصر تايم والعربية نت، أن مصر تترقب تحويل الإمارات 14 مليار دولار الدفعة الثانية والأخيرة من الصفقة الاستثمارية لتطوير رأس الحكمة، خلال وقت لاحق من الشهر المقبل.

 

الاحتياطي الأجنبي

والثلاثاء الماضي، أعلن البنك المركزي ارتفاع صافي احتياطيات النقد الأجنبي إلى 41.057 مليار دولار في نهاية إبريل الماضي، من 40.361 مليار دولار في الشهر السابق له.

ووفق مسح للبيانات التاريخية للاحتياطات الأجنبية المصرية المنشورة على موقع البنك المركزي المصري، تعتبر مستويات الاحتياطيات الأجنبية في إبريل، الأعلى التي يتم تسجيلها منذ 4 سنوات، وفقًا لـ"الأناضول".

كان البنك المركزي ، أعلن ارتفاع صافي احتياطيات النقد الأجنبي إلى 40.36 مليار دولار بنهاية مارس، من 35.31 مليار دولار بنهاية فبراير.

وتعتبر أرقام نمو الاحتياطات الأجنبية، مؤشرًا آخر على عودة الاستقرار لسوق الصرف داخل مصر، وأضافت أعباء على حملة الدولار.

والشهر الماضي، توقع بنك جولدمان ساكس، أن يرتفع إجمالي احتياطيات النقد الأجنبي لمصر إلى أكثر من 61 مليار دولار بحلول نهاية 2027، مع تحويل ودائع دول مجلس التعاون الخليجي لدى البنك المركزي إلى استثمارات مباشرة في مشروعات جديدة.

بينما توقع صندوق النقد الدولي، في تقرير المراجعة الاقتصادية لبرنامج مصر الاقتصادي خلال مارس الماضي، أن يرتفع حجم الاحتياطي الأجنبي إلى 45.8 مليار دولار خلال العام المالي المقبل 2024-2025.

بينما رجح بنك جيه بي مورجان، ارتفاع احتياطيات النقد الأجنبي في مصر بنحو 16.2 مليار دولار خلال العام المالي المقبل 2024/2025 ليصل إلى 49.8 مليار دولار.

وعانت مصر منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، من تذبذب وفرة النقد الأجنبي، بسبب ارتفاع فاتورة الواردات، وتخارج أموال من أدوات الدين المصرية بأكثر من 20 مليار دولار، بحسب تصريحات سابقة لوزارة المالية.

 

إيرادات عارضة والأزمة أكبر

من جانبه، يرى الخبير الاقتصادي عبد الحافظ الصاوي، أن "أزمة الدولار في مصر لم تُحل على مدار الشهرين السابقين"، موضحًا أن "ما حدث هو أن هناك نوع من التدفقات المالية التي ليس لها صفة الاستدامة ولكنها إيرادات عارضة".

وأعرب عن أسفه الشديد من أنه "يقابل تلك التدفقات التزامات ثابتة متمثلة في أقساط القروض الخارجية والفوائد المدفوعة عليها"، وفقًا لـ"عربي 21".

ولفت إلى أنه "لازال الاقتصاد المصري يعاني بشكل كبير من تراجع الإنتاجية"، مؤكدًا أن "هذا كله له أثره على ميزان المدفوعات، والميزان التجاري على وجه التحديد".

"فضلا عن أزمة الطاقة التي عادت تطل برأسها مرة أخرى على مصر"، ملمحًا إلى أن "الميزان التجاري البترولي وصل إلى عجز وصل حولي 4 مليارات دولار بالعام المالي (2022/ 2023)، وأيضًا بالنصف الأول من (2023/2024)".

وأكد أن "هناك عجزًا في الميزان التجاري البترولي وهذا واضح في أزمة الكهرباء ومحاولات تنظيم إمدادات البيوت والمصانع بالكهرباء عبر خطة لتخفيف الأحمال".

وأشار إلى أنه "لم تكن هناك إدارة صحيحة لقضية الطاقة، بالتوسع في تصدير الغاز الطبيعي من حقل (ظُهر) فضلًا عن تراجع الإنتاج منه الفترة الماضية"، مضيفًا أن "بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء تقول إن إنتاج مصر من الغاز والنفط أقل من الاستهلاك على مدار الشهور الستة الماضية".

الخبير الاقتصادي، خلص للقول إن "كل هذا يزيد من الطلب على الدولار، وبالتالي الجهات غير الحكومية من القطاع الخاص والقطاع العائلي أصبحت مرة أخرى في أزمة لتوفير الدولار، وليس أمامها سوى السوق السوداء".

وختم بالقول: "وأحسب أنه بعد مجيئ الدفعة الثانية من صفقة رأس الحكمة (10 مليارات دولار) يستمر الوضع في شبه استقرار لشهر أو على الأكثر 40 يومًا، ثم تعود الأزمة مرة أخرى إلى ما كانت عليه، ليصعد سعر الدولار مقابل الجنيه مرة أخرى".

 

"لن يتعدى هذا الحد"

وأرجع الكاتب والباحث والمحلل الاقتصادي المصري محمد نصر الحويطي، أن "مصر رغم حصولها على جزء من أموال صفقة رأس الحكمة تواجه أزمات مثل فوائد خدمة الدين وأقساط خدمة الدين"، معتبرًا أنها "سبب استمرار الفجوة الدولارية؛ خاصة وأن المؤشرات تشير لتراجع تحويلات المصريين من الخارج خلال عام 2023 قياسًا للعام السابق عليه"، مؤكدًا أن "هذا يزيد الفجوة الدولارية".

وأضاف: "توقعاتي الشخصية أن الجنيه لن يتراجع مجددًا أمام الدولار، والدولار لن يرتفع مجددًا أمام الجنيه بوتيرة أوسع"، مؤكدًا أنها "مسألة وقتية، ومازلت عند رأيي بأن حدود حركة الدولار أمام الجنيه ستظل في منطقة الأربعينيات، بحد أدنى 42 و43 جنيهًا وبحد أقصى 48 جنيهًا، في هذه المنطقة".

ويرى أن ما يحدث خلال الأيام الأخيرة "قد تكون مجرد مضاربات في كميات قليلة من العملة الأمريكية في السوق السوداء المحلية، لا أكثر ولا أقل".