رصدت دراسة لموقع "الشارع السياسي" معوقات كثيرة أمام إصرار "إسرائيل" علي شن عملية عسكرية في مدينة رفح،  رغم الانعاكسات السلبية العديدة على مصر إن حدث ذلك.

الدراسة التي جاءات بعنوان "العملية العسكرية في مدينة رفح الفلسطينية: بين الإصرار الإسرائيلي والرفض المصري" قالت إن أول الانعاكاسات السلبية تتمثل "انتهاك معاهدة السلام".

وقالت إن مصر و"إسرائيل" وقعا اتفاقية سلام في عام 1979 في أعقاب اتفاقية كامب ديفيد 1978، لتنهي حالة الحرب بين البلدين، وتطبع العلاقات بينهما، وتحد من الانتشار العسكري على جانبي الشريط الحدودي بينهما.

وأوضحت أن رسم البروتوكول الملحق بالاتفاقية، الحدود بين البلدين، وقسمها إلى أربع مناطق رئيسية تقع ثلاث منها في شبه جزيرة سيناء بالأراضي المصرية وواحدة داخل إسرائيل تسمى المنطقة "د". وتمتد المنطقة "د" بعمق 2.5 كيلو متر من الحدود الإسرائيلية مع مصر، وتشمل كذلك الشريط الحدودي داخل قطاع غزة مع مصر.

وأضافت أن الاتفاقية تتيح تواجد قوة عسكرية إسرائيلية محدودة من أربع كتائب مشاة لا يتجاوز عدد جنودها 4 آلاف، في المنطقة "د"، وتحصينات ميدانية محدودة، فضلًا عن مراقبين من الأمم المتحدة.

ويفترض بحسب اتفاقية ألا "تتضمن القوة الإسرائيلية في هذه المنطقة أي دبابات أو مدفعية أو صواريخ فيما عدا صواريخ فردية أرضجو. وكانت القوات الإسرائيلية تسيطر على الشريط الحدودي مع مصر داخل غزة بما يشمل المنطقة الحدودية المتاخمة للحدود المصرية والمعروفة بـ"محور فيلادلفيا" بحسب التسمية الإسرائيلية و"محور صلاح الدين" بحسب التسمية المصرية، التي تمتد بطول 14 كم، حتى انسحابها من القطاع بشكل أحادي عام 2005".

وأشارت الدراسة إلى مصر والكيان وقعا عام 2005 بروتوكولًا سُمي "بروتوكول فيلادلفيا" ملحق باتفاقية السلام، سمح لمصر بنشر 750 جنديًا في المنطقة المشار إليها بالمنطقة "ج" على امتداد حدودها مع غزة والملاصقة للمنطقة "د"، وهي ليست قوة عسكرية بل شرطية لمكافحة الإرهاب والتسلل عبر الحدود. وكان الاتفاق الأصلي في عام 1979 قد منع انتشار قوات عسكرية مصرية في المنطقة "ج" وحصر الوجود الأمني فيها بالقوات متعددة الجنسيات والمراقبين وعناصر الشرطة المدنية المصرية المسلحة بأسلحة خفيفة.

وأضافت أن "الملحق الأول في معاهدة السلام، تعديل ترتيبات الأمن المتفق عليها بناءً على طلب أحد الطرفين وباتفاقهما. وأعلنت مصر وإسرائيل عام 2021 تعزيز الوجود العسكري المصري في المنطقة "ج" ونشرت دبابات ومدرعات وناقلات جند لدواعي الحرب على الإرهاب والتهديدات التي مثلها وجود عناصر تنظيم الدولة في شمال سيناء".

 

لا يحق لـ"إسرائيل"
وخلصت الدراسة إلى أنه بموجب هذه الاتفاقية "لا يحق لإسرائيل نشر أي جندي إضافي في المنطقة "د" دون الحصول على موافقة الجانب المصري ولدواعي حماية الأمن القومي للدولتين ولغرض استمرار السلام. كما أن مجرد قيام إسرائيل بنشر مكثف لقواتها العسكرية على الحدود الدولية مع مصر ومن دون وقوع أي اشتباكات أو عمليات عسكرية يعد خرقًا لبنود اتفاقية السلام وملاحقها الأمنية باعتباره عملاً عدائيًا يهدد الأمن القومي لمصر.

وشددت الدراسة على أنه  يحق لمصر في ظروف استثنائية أو قهرية تمثل تهديدًا للأمن القومي أن تقوم بمراجعة أو تجميد الاتفاقية مع إسرائيل وذلك استنادًا إلى اتفاقية "فيينا" لقانون المعاهدات الدولية المبرمة في 1969 التي تتيح لأي طرف في معاهدة دولية إلغاءها أو تجميدها كليًا أو جزئيًا بسبب وجود أي تهديد مباشر للسيادة الوطنية أو استقلال الدولة الطرف في المعاهدة.

 

انعكاس التهجير
ولفتت الدراسة إلى تأثير سلبي آخر وهو "تهجير الفلسطينيين إلي سيناء" موضحا أن القاهرة ترى في العملية "العسكرية الإسرائيلية" في رفح دفعًا نحو "خط أحمر" أعلنه عبد الفتاح السيسي والمتعلق برفض تهجير سكان القطاع أو أي من الإجراءات التي من شأنها أن تدفع النازحين الفارين من جحيم القصف لتجاوز السياج الحدودي مع مصر بما يجعلها في وضع لا تُحسد عليه بين خيارات جميعها مر، فإما أن تقبل بنزوح جماعي نحو سيناء وتصفية القضية والقبول جبرًا بتخصيصها وطنًا بديلًا للفلسطينيين، أو أن توجه القوات المصرية نيرانها صوب الأشقاء بما يصم الدولة وجيشها وقتها بغلق أبواب الرحمة أمام النازحين.

 

الضغوط  الشعبية 
وتتوقع الدراسة "تزايد الضغوط الشعبية" من جانب أن هناك حالة من التململ في الشارع المصري من طول أمد المعركة الجارية في غزة وتواصل مشاهد المجازر دون أن تجرؤ أي قوى عربية على ردع "إسرائيل" أو كفها عن الانتهاكات بحق الأشقاء، إذ يخشى صانع القرار المصري من تحالف حالة التململ تلك مع موجة الاستياء العام إزاء الوضع الاقتصادي المتردي وتنامي الغضب بسبب غلاء المعيشة.

وأضافت أنه في سياق متصل؛ نشرت مصادر نقلًا عن قبائل سيناء، استعداد الأخيرة للمشاركة في الحرب إلى جانب أهالي قطاع غزة، في حال شن جيش العدو عملية في رفح.

ورأت أنه بالتزامن مع ذلك ظهرت مطالبات عدة ومناشدات متتالية بأن تتخذ مصر، بصفتها الجار الأقرب للمحاصرين في رفح وتمتلك جيشًا هو الأقوى في المنطقة، موقفًا جادًا هذه المرة، يداري الخذلان المستمر على مدار أكثر من خمسة أشهر، لا سيما أن الكيان المحتل لم يأخذ تصريحاتها وتحذيراتها بعدم استهداف رفح على محمل الجد، وضرب ببيانات الخارجية والرئاسة المصرية عرض الحائط، فضلًا عن استهدافه أكثر من مرة للحدود المصرية.


أوراق الرفض

وقالت الورقة إن القاهرة تمتلك عدة أوراق – إذا ما توفرت الإرادة السياسية – يمكنها استخدامها للضغط على دولة الاحتلال، وقادرة في حال توظيفها بشكل جيد على قلب الطاولة وتغيير الدفة بشكل كبير، وهي:

– التهديد وبشكل رسمي بتجميد معاهدة السلام وقطع العلاقات الدبلوماسية مع الاحتلال، وهي الورقة الأكثر تأثيرًا التي قد تربك حسابات حكومة الاحتلال وحليفها الأمريكي والغربي بشكل عام، وطالبت بها نقابة الصحفيين المصريين في بيان لها، بجانب طرد السفير الإسرائيلي وسحب نظيره المصري وقطع العلاقات كافة لحين إنهاء الحرب على غزة.

– إعلان توقف مصر عن جهود الوساطة لإبرام صفقة تبادل الأسرى بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية. وتدشين تحالف دولي وإقليمي مناهض لقيام إسرائيل بعملية عسكرية في رفح، مستغلة الرفض الدولي لهذه العملية الخطيرة.

– تعزيز الوجود العسكري المصري على الشريط الحدودي بما يمثل ردعًا للكيان المحتل، ووضع جميع التشكيلات على أهبة الاستعداد، تزامنًا مع التحذير من تداعيات شن عملية في رفح، وهي الرسالة التي من المرجح أن تتعامل معها إسرائيل بجدية أكثر من البيانات الإعلامية النظرية.

– فتح معبر رفح وإدخال المساعدات لسكان القطاع، وهو المطلب الذي طالما نادى به الكثيرون، خاصة في ظل تلك الظروف الصعبة والكارثية داخل رفح، حيث أكثر من مليون و400 ألف محاصرون من كل الجوانب ويتعرضون لخطر الإبادة إما قصفًا أو جوعًا أو لعدم وجود الإسعافات الطبية السريعة والكافية.

– التهديد بتجميد الاتفاقيات الاقتصادية مع حكومة الاحتلال، وإيقاف صفقة استيراد الغاز من إسرائيل، وتجميد عضويتها في منتدى غاز شرق المتوسط، وتجميد اتفاقية الكويز التي تفرض على المصنعين المصريين اختيار شريك إسرائيلي إذا أرادوا تصدير منتجاتهم إلى الولايات المتحدة، والتلويح باستخدام ورقة قناة السويس، وهي الخطوة التي ستعكس توجهًا مغايرًا للدولة المصرية في تعاملها مع دولة الاحتلال خلال المرحلة المقبلة، الأمر الذي سيكون له تأثيره خاصة في ظل الأزمات الاقتصادية التي يواجهها الإسرائيليون.

– الإسراع في إعادة أهالي رفح والشيخ زويد، الذين تم ترحيلهم من مدنهم في السنوات الماضية من أجل إقامة منطقة حدودية عازلة، باعتبارهم حائط صد ضد أي انتهاكات إسرائيلية متوقعة، مع إعادة فتح الأنفاق وحفر المزيد منها لإمداد الفلسطينيين بحاجاتهم الحياتية الأساسية، في مواجهة حرب التجويع والتعطيش على الصعيدين الاقتصادي والبشري.

– فتح المجال أمام الشارع للتظاهر وتشكيل رأي عام مصري قوي يمكنه أن يشكل ضغطًا على إسرائيل وحلفائها في المنطقة، خاصة أنه سيكون بداية لحراك عربي شعبي قادر على خلق مزاج إقليمي داعم للمزاج الشعبي الدولي المندد بجرائم الاحتلال والمؤيد لحقوق الشعب الفلسطيني.