ارتفع سعر الدولار أمام الجنيه في التعاملات الرسمية لدى البنوك المصرية خلال اللحظات القليلة الماضية من تعاملات، اليوم الأربعاء، حيث يأتي ذلك بعدما أعلن البنك المركزي المصري عن رفع أسعار الفائدة والسماح بتحديد سعر صرف الجنيه وفقًا لآليات السوق.

وأعلن البنك المركزي في اجتماع استثنائي عُقد، اليوم الأربعاء، عن ثلاثة قرارات حاسمة، أولها تحرير سعر صرف الجنيه أمام العملات الأجنبية، حيث قرر السماح بتحديد سعر صرف الجنيه وفقًا لآليات السوق.

وثانيها، تعجيل وصول التضخم إلى مساره النزولي، وضمان انخفاض المعدلات الشهرية للتضخم.

وثالثها، رفع مفاجئ لأسعار الفائدة في مصر بواقع 6%، أي 600 نقطة أساس لترتفع أسعار الفائدة إلى مستوى 27.75%.

وصعدت أسعار الفائدة المصرية إلى 27.25 لعائد الإيداع و28.25% لسعر الإقراض لليلة واحدة و27.75% لسعر العملية الرئيسة.

وقام البنك الأهلي المصري بطرح شهادة جديدة، ثلاث سنوات متناقصة بسعر سنوي 30 بالمئة السنة الأولى، 25 بالمئة للسنة الثانية، و20 بالمئة للسنة الثالثة، ويصرف العائد بدورية سنوية.

 

الدولار يتخطى حاجز الـ50 جنيهًا

وخلال هذه اللحظات من تعاملات اليوم، سجل سعر صرف الدولار مستوى 50 أمام الجنيه للشراء و50.1 للبيع في البنك الأهلي المصري وبنك مصر.

وفي بنك كريدي أجريكول، سجل الدولار 48.72 للشراء و48.82 للبيع أمام الجنيه.

فيما وصل سعر الدولار إلى مستوى 50.3 للشراء و50.4 للبيع في بنك الإسكندرية.

ووصل سعر الدولار أمام الجنيه المصري إلى مستوى 50 للشراء و50.1 للبيع في المصرف العربي الدولي وبنك الشركة المصرفية العربية الدولية (EGX:SAIB).

فيما ارتفع سعر العملة الأمريكية أمام الجنيه إلى مستوى 50.5 للشراء و50.6 للبيع لدى بنك البركة.

 

السوق هي المحدد لسعر الصرف

ومن جهتها، قالت إيفانا فلادكوفا هولار، رئيسة بعثة صندوق النقد الدولي إلى مصر، يوم الأربعاء إن اتفاقًا على مستوى الخبراء على زيادة قرض الصندوق الرئيس لمصر إلى ثمانية مليارات دولار يسعى إلى "تخفيض محدد" للجنيه المصري، وهو تحرك مستدام نحو سعر صرف موحد يحدده السوق، وفقًا لـ"إنفستنج".

وأضافت المسؤولة، التي قادت مفاوضات الصندوق بشأن زيادة قيمة القرض الأولية البالغة خمسة مليارات دولار، للصحفيين في مؤتمر عبر الهاتف إن مصر طلبت أيضًا قرضًا منفصلًا من صندوق المرونة والاستدامة التابع للصندوق، وإن المفاوضات ما زالت مستمرة بشأن ذلك.

 

"الأسعار.. أول الآثار"

وفي تعليقه، على قرار مرونة سعر الصرف أو التعويم الرابع في عهد السيسي، وتأثيره على الاقتصاد، والأسواق المحلية، وأسعار السلع، والسوق الموازية للعملات الصعبة، وتدفق الاستثمار الخارجي، وعلى قرض صندوق النقد الدولي، قال الخبير الاقتصادي الدكتور عبدالنبي عبدالمطلب، إن "الأمر كان متوقعًا أو كان منتظرًا منذ فترة".

وأضاف: "اتخذ البنك المركزي عدة قرارات يمكن وصفها بأنها تنفيذ لجزء من تعهدات مصر لصندوق النقد الدولي، بانتهاج سياسات سعر صرف مرن، وانتهاج سياسات من شأنها استهداف التضخم"، وفقًا لـ"عربي21".

ولفت إلى أن "قرارات رفع سعر الفائدة بمقدار 600 نقطة أساس بمقدار حوالي 27 بالمئة، وإصدار البنك الأهلي ومصر شهادات جديدة بعائد 30 بالمئة، وقرار مرونة سعر الصرف، دفعت سعر صرف الدولار  لما بين 45 و47 جنيهًا بعد ساعتين من القرار، وفي اعتقادي أنه بنهاية اليوم قد يصل 50 جنيهًا، وربما قبل نهاية الأسبوع ربما يصل إلى 55 أو 65 جنيهًا لكل دولار".

وحول قياس أثر هذه القرارات يعتقد عبدالمطلب، أنه "أمر يحتاج إلى بعض الوقت لتحقيق قياس دقيق؛ لكن أعتقد أنه قد يؤثر بشكل سلبي على الأسعار التي تراجع بعضها أو كان يُنتظر أن تتراجع، بل إنها قد ترتفع من جديد، خاصة أسعار السلع الغذائية في مقدمتها اللحوم والدواجن والبقوليات".

 وأضاف: "أيضًا قد تؤدي هذه السياسات إلى تأجيل بعض مشروعات الاستثمار وخاصة الأجنبي المباشر منها؛ لحين بيان الموقف حتى وصول رسالة صندوق النقد الدولي، ويعلن أنه تمت المراجعات بنجاح والإفراج عن الشريحة الثانية والثالثة من القرض المقرر لمصر منذ نهاية 2022، أو حتى الإعلان عن اتفاق جديد مع الصندوق".

وفي قراءته لتأثير قراري رفع سعر الفائدة بهذه النسبة الكبيرة، وطرح بنكي الأهلي ومصر شهادة جديدة بفائدة 30 بالمئة، على الاقتصاد المصري، يعتقد الخبير المصري، أن "الكم الموجود حاليًا لدى الناس من أموال لاستثماره في هذه الشهادات لن يكون بنفس الحجم الذي كان موجودا بشهادات 27 و25 بالمئة".

وأوضح أن "تلك الشهادات كانت قد استقطبت بالفعل جزءًا كبيرًا من أموال المودعين"، مبينًا أن "مسألة أن يكون هناك كسر للشهادات السابقة لا أعتقد أن يحدث ذلك لأن الثقافة المالية تنتشر، ولذا أرى أنه الإقبال على الشهادات الجديدة لن يكون كبيرًا".

وقال إن "الجهاز المصرفي المصري يعتقد أو لديه أمل أنه بعد تخفيض قيمة الجنيه أن تتجه الأرصدة الدولارية لدى الأفراد إلى الجهاز المصرفي الرسمي للاستفادة من سعر الصرف، وهذا قد يوفر سيولة من النقد المصري ما قد يذهب ببعض هذه السيولة للاستثمار بتلك الشهادات، خاصة أن العائد 30 بالمئة وهو عائد كبير بشكل واضح".

ويعني "تحرير سعر الصرف" أو "تعويم الجنيه"، عدم تدخل الحكومة أو البنك المركزي بتحديد سعر صرف الجنيه مقابل العملات الأجنبية، الذي يحدده سوق العرض والطلب، فيما يكون التعويم حرًا أو موجها.

وكان أول قرار تعويم للعملة المصرية عام 1977، بعهد الرئيس أنور السادات (1970- 1981)، ليتخذ حسني مبارك قرار التعويم الثاني عام 2003، ليضرب عهد السيسي، الرقم القياسي في مرات التعويم ومعدلاتها.

وفي نوفمبر 2016، كان القرار الأول بالتعويم الذي رفع قيمة الدولار من 7 جنيهات إلى معدل 19 جنيهًا ثم إلى نحو 14.5 جنيه.

ليأتي التعويم الثاني للسيسي في 27 أكتوبر 2022، فيهوي بقيمة الجنيه بنحو 15 بالمئة إلى 24.4 جنيه للدولار الواحد.

ويجري التعويم الثالث مطلع 2023، ليسجل الدولار رسميًا نحو 30 جنيهًا.

 

"لتمرير القرض"

من جانبه، قال الخبير الاقتصادي المصري الدكتور أحمد ذكرالله: "بالطبع هي خطوات متوقعة لها إرهاصات كبيرة؛ وما قبل هذه الخطوة كان مجرد محاولات من الحكومة للبحث عن مصادر دولارية، بل وقالت الحكومة الفترة الماضية إنه لا يمكن التعويم إلا بعد الحصول على مصادر دولارية، وإن هذا التعويم لن يكون له أثر".

وأوضح أنه "بالتالي كانت صفقة مشروع (رأس الحكمة) المعلنة بين مصر والإمارات في 23 فبراير الماضي، وما أعلن عقبها من مشروعات أخرى بغض النظر عن جديتها أو كونها مذكرات تفاهم حتى الآن"، وفقًا لـ"عربي21".

وتابع: "ثم أيضًا ما قيل عن حلحلة في اتفاق جديد مع صندوق النقد الدولي بقيمة 15 إلى 20 مليار دولار بغض النظر عما سيقدمه الصندوق من قرض جديد سواء بـ10 أو 15 مليار دولار ، فلا أحد يعرف حتى الآن".

وقال: "إذًا فهناك مصادر دولارية؛ إما دخلت بالفعل الاقتصاد المصري أو منتظر أن تدخل، وبغض النظر عن كميتها؛ وبالتالي فمن وجهة نظر الحكومة والبنك المركزي أصبح المناخ مواتيًا لكي يتم هذا التعويم الجديد".

وأكد ذكرالله، هنا على عدة نقاط "الأولى: أن قرار اليوم ليس تعويمًا بالمفهوم الكامل، ولكنه تعويم مدار كما حدث من قبل في 2022، بمعنى أن هذا الانخفاض في سعر الجنيه سيكون مدارًا من قبل الحكومة، وأنها لن تسمح بتعويم كامل على إطلاقه، لاسيما أن الموارد الدولارية الجديدة لم تدخل حتى الآن السوق المصري".

ولفت إلى أنه "من المنطقي أن يتوازى مع ذلك قرار برفع سعر الفائدة لكي لا تحدث عملية جديدة من عمليات الدولرة أو تحويل الودائع المصرية من الجنيه إلى الدولار"، مضيفًا أنه "بالتالي نحن أمام متوالية لا نهائية بين خفض الجنيه ورفع سعر الدولار، ثم النزول بشهادات بنكية جديدة بقيم فائدة أعلى".

وفي نهاية حديثه، يعتقد الخبير المصري، أن "كل هذا لن يحل المشكلة الاقتصادية في مصر؛ فالمشكلة أعمق من هذه الإجراءات التي ربما تسهم في الحلحلة أو في حل على المستوى الجزئي، وربما تخفيف الأزمة الحالية بشكل أو بآخر حتى لا تكون المعضلة الكبيرة التي استمرت منذ عامين تقريبًا وحتى الآن؛ ولكن الأزمة مستمرة حتى إشعار آخر".