شعبان عبدالرحمن*
لم تقتصر مجاز الصهاينة الوحشية عبر التاريخ على فلسطين المحتلة وحدها، وإنما امتدت إلى لبنان ومصر، حيث ارتكبت الطائرات الصهيونية صباح الثامن من أبريل عام 1970م مجزرة مروعة بحق الأطفال في مدرسة قرية بحرالبقر الابتدائية المشتركة بمحافظة الشرقية، مما أدى إلى استشهاد 30 طفلاً، وإصابة 50 آخرين، وتدمير مبنى المدرسة تماماً.
واتهمت مصر الكيان الصهيوني بتعمد شن الهجوم بهدف الضغط عليها لوقف إطلاق النار في حرب الاستنزاف التي كانت على أشدها.
وهكذا دَأبَ الجيش الصهيوني على ضرب المؤسسات المدنية، وإبادة المدنيين انتقاما من الضغط العسكري.
ورغم أن الموقف الرسمي الدولي كان سلبيًا، ولم يتحرك على النحو المطلوب -تماما مثلما يحدث اليوم مع مجازر غزة- إلا أن تأثير الرأي العام قد تسبب وقتها في إجبار الولايات المتحدة، ورئيسها نيكسون على تأجيل صفقة إمداد إسرائيل بطائرات حديثة، كما أدى إلى تخفيف الغارات الإسرائيلية على المواقع المصرية، من ما مكن مصر من الانتهاء من تدشين حائط الصواريخ المصري في يونيو من نفس العام، والذي تمكن من إسقاط الكثير من الطائرات الإسرائيلية.
وانتهت العمليات العسكرية بين الطرفين بعد قبول مصر مبادرة وزير الخارجية الأمريكي روجرز، ووقف حرب الاستنزاف.
في نفس السياق، وأمام ضربات الطائرات المصرية لمواقع الجيش الصهيوني، عمدت القوات الجوية الإسرائيلية إلى شن هجمات على المواقع المدنية في العمق المصري لتخفيف الضغط عنها، وإضعاف الروح المعنوية لدى المصريين دون مراعاة لسقوط الكثير من الضحايا في صفوف المدنيين، فقد شنت غارات عنيفة على محطة محولات كهرباء نجع حمادي في صعيد مصر للمرة الثانية، ثم شنت عدة غارات في مناطق الدلتا والمعادى، كما ارتكبت في فبراير عام 1970م مذبحة مروعة، عندما قامت بقصف مصنع أبو زعبل التي كانت تملكه الشركة الأهلية للصناعات المعدنية، وكان به 1300 عامل مدني، استشهد منهم 70، وأصيب 69 آخرين، وعلل الكيان الصهيوني تلك الجريمة بأن "قصف المصنع تم بالخطأ"!
مجزرة الأسرى المصريين
مجازرهم ضد الشعب المصري لم تتوقف عند مدرسة بحر البقر ومصنع "أبو زعبل"، فلن ينسى الشعب المصري خستهم، وغدرهم بالأسرى المصريين عام 1967م (نكسة 5 يونيو)، وذلك بارتكاب مجزرة بحق 250 مجندًا، تم ذبحهم، ودفن بعضهم أحياءً على أيدي حملة «شاكيد» العسكرية، التي قادها الضابط الإسرائيلي "بنيامين بن آليعازر"، والذي شغل مناصب رفيعة في بعض الحكومات الإسرائيلية بعد ذلك.
وهي مجزرة نفذتها قوات الاحتلال بحق عدد من الأسرى المصريين المجردين من أي سلاح عام ١٩٦٧م، وذلك عقب انتهاء القتال في شبه جزيرة سيناء.
وقد حول الصهاينة هذه المجزرة إلى فيلم وثائقي، تمحور حول وحدة الدوريات «شاكيد»، التي أنشئت عام 1954، وأنيطت بها مهمة حراسة الحدود مع مصر والأردن، وتحدث في الفيلم الوثائقي عدد كبير من الجنود الصهاينة الذين خدموا في صفوف هذه الوحدة، وكشفوا عن عمليات القتل التي قاموا بها ضد جنود مصريين وهم في طريق انسحابهم للغرب داخل سيناء بعد توقف القتال، وروى «بن إليعازر» الذي شارك في عمليات ملاحقة الجنود المصريين وقتلهم ، كيف تمت مطاردتهم بمروحية كانت تنزل جنودا على الأرض، فيرمونهم بالنار رغم عدم قدرتهم على القتال بعد انتهاء المعركة ونفاد ذخائرهم. (ويكيبيديا - بتصرف).
من جهة ثانية كشف الصحفي الإسرائيلي يوسي ميلمان المختص بشؤون الأمن النقاب عن مجزرة أخرى مروعة، راح ضحيتها ما لا يقل عن 20 جنديا مصريا في حرب عام 1967.
وذكر في سلسلة تغريدات على حسابه في تويتر، أن الجنود المصريين "تم إحراقهم أحياء، ودفَنَهم الجيش الإسرائيلي في مقبرة جماعية دون علامات قرب القدس".
ونشر الموقع الإلكتروني لصحيفة "يديعوت أحرونوت" تفاصيل مشابهة لما ذكره ميلمان.
وكتب ميلمان: "بعد 55 عامًا من الرقابة الشديدة، يمكنني أن أكشف أن ما لا يقل عن 20 جنديا مصريا قد أحرقوا أحياء، ودفنهم الجيش الإسرائيلي في مقبرة جماعية في منطقة اللطرون، دون وضع علامات عليها، ودون تحديد هويتها، مخالفًا بذلك لقوانين الحرب، قرب القدس"
وأضاف أن ذلك حدث خلال حرب "الأيام الستة"، وهو الاسم الإسرائيلي لحرب عام 1967، والتي يطلق عليها العرب اسم "النكسة".
وحول أسباب وجود الجنود المصريين في تلك المنطقة، أشار ميلمان إلى أن الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، كان قد وقَع قبل أيام من نشوب الحرب اتفاقية دفاع مشترك مع ملك الأردن الراحل حسين بن طلال، الذي كان يسيطر على الضفة الغربية.
وبناء على ذلك "نشرت مصر كتيبتين من الكوماندوز في الضفة الغربية بالقرب من منطقة "اللطرون"، التي كانت آنذاك أرضًا حراما، وكانت مهمة الكتيبتين هي الهجوم داخل إسرائيل، والاستيلاء على مدينة اللد، والمطارات العسكرية القريبة".
وتقع اللطرون على الطريق الواصل بين القدس ويافا، وتبعد نحو 25 كيلومترًا غرب القدس، وعقب حرب عام 1948، تم الاتفاق بين إسرائيل والأردن على جعلها منطقة محرمة.
وفي حرب عام 1967، احتلت إسرائيل اللطرون، وضمتها، وهي اليوم من ضواحي مدينة القدس المحتلة.
وأضاف ميلمان، موردا تفاصيل ما جرى قائلا: لقد وقع تبادل إطلاق النار مع جنود الجيش الإسرائيلي وأعضاء كيبوتس نحشون (تجمع زراعي تعاوني)؛ حيث هرب بعض الجنود المصريين، والبعض أُخذوا كأسرى، وقاتل البعض بشجاعة.
وتابع: "عند نقطة معينة، أطلق الجيش الإسرائيلي قذائف هاون وأضرمت النيران في آلاف الدونمات غير المزروعة من الأدغال البرية في الصيف الجاف"...ومات ما لا يقل عن 20 جنديا مصريا في حريق الأدغال".
ونقل الصحفي الإسرائيلي عن زين بلوخ (90 عاما) والذي كان في ذلك الوقت القائد العسكري لكيبوتس نحشون، (كيبوتس يساري) قوله "لقد انتشر الحريق سريعًا في الأدغال الحارة والجافة، ولم تكن لديهم (الجنود المصريين) فرصة للهروب".
وأضاف مواصلا النقل عن بلوخ: "في اليوم التالي جاء جنود من الجيش الإسرائيلي مجهزين بجرافة إلى مكان الحادث، وحفروا حفرة، ودفعوا الجثث المصرية، وغطوها بالتربة".
وتابع ميلمان "بلوخ وقد شاهد بعض أعضاء (كيبوتس) نحشون برعب الجنود الإسرائيليين، وهم ينهبون الممتلكات الشخصية للمصريين، ويتركون المقبرة الجماعية دون علامات".
واختتم الصحفي الإسرائيلي: "الآن، وبعد رفع الرقابة العسكرية، يضيف بلوخ أن حجاب الصمت يناسب الجميع؛ القلة الذين عرفوا لم يرغبوا في الحديث عنه؛ شعرنا بالخجل؛ ولكن قبل كل شيء كان ذلك قرار الجيش الإسرائيلي في خضم الحرب".
وأشار ميلمان في تغريداته إلى أن الوثائق العسكرية الرسمية غير السرية، تحذف "مأساة اللطرون" من سجلاتها، ولم يُصدر الجيش الإسرائيلي تعقيبا فوريا على ما ذكره ميلمان.
في حرب 1967، هزم الجيش الإسرائيلي الجيوش العربية، واحتل الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية (كانت تحت السيطرة الأردنية)، وقطاع غزة (كان تحت السيطرة المصرية)، وشبه جزيرة سيناء، ومرتفعات الجولان السورية.(الاناضول)
واليوم تهزم كتائب القسام وهي مجرد كتائب، وليست جيشا لدولة، تهزم الجيش الصهيوني بترسانته العسكرية الضخمة المقدمة إليه من واشنطن والغرب .. إنها معجزة القرن!
أما مجازرهم في لبنان فلها حديث آخر.
---------------
• مدير تحرير المجتمع الكويتية والشعب المصرية – سابقا