لعبت الخطابات الإعلامية للجناحين العسكري والسياسي لحركة حماس، منذ بداية معركة طوفان الأقصى، سواء التي جاءت على لسان قادة ومسئولي المكتب السياسي أو المتحدث العسكري باسم كتائب عز الدين القسام “أبو عبيدة” دورًا في رسم ملامح المعركة وأهدافها وتطوراتها، انطلاقًا من إدراكها لأهمية الخطاب الإعلامي في تشكيل الوعي العام بحيث يُمثل عنصرًا مساندًا للآلة العسكرية.

لذلك بدا وكأن حماس لديها إستراتيجية إعلامية مُحددة منذ اندلاع العملية، ظهرت ملامحها في حرص القادة العسكريين والسياسيين للحركة على الظهور المستدام منذ 7 أكتوبر إلى الحد الذي جعل من بعضهم – بالأخص أبو عبيدة – رمزًا للعملية العسكرية، حيثُ تحظى خطاباته بتفاعل واسع من الرأي العام العربي.

وقد وضعت حركة حماس خطة إعلامية هدفت من خلالها إلى توظيف السلاح الإعلامي في شن حرب نفسية ضد إسرائيل كعامل مُساعد يمكنه زيادة أوراقها المُربحة في الحرب الدائرة، لا سيما أن الجانب الإسرائيلي لم يتوان عن استخدام السلاح ذاته للتغطية على ما أحدثته صدمة يوم 7 أكتوبر من ناحية، وحشد التأييد الشعبي والرسمي الغربي خلفه من ناحية أخرى.

 

حرب الصورة

 

"WELCOME و GOODBYE"، ووجوه مرتاحة وكأنها أنهت رحلة، لم تكن رحلة "أسر" بقدر ما حملت بمشاهدها أسلوب تعامل جعل المنتقد يفكر مرتين، وأعطى حماس نصرًا واضحا فيما يُعرف بحرب الصورة.

هذه المشاهد وغيرها على مدار شهرين من الحرب تقريبًا رسخت فكرة مهمة تمثل حربًا داخل حرب، ألا وهي تصدير حماس صورتها إلى العالم والغرب بأفضل الطرق، معتمدةً في ذلك على نقل أسلوب تعاملها مع الأسرى الإسرائيليين، ومتكئة أيضًا على هشاشة أصابت الإعلام الإسرائيلي الذي فقد بطريقة أو بأخرى جزءًا مهما من بوصلة المصداقية، بعد "سيناريو" قطع رؤوس الأطفال الذي فشلت إسرائيل بتأكيده واضطرت قنوات بحجم سي إن إن وبي بي سي على تقديم اعتذارها على ما نشرته نقلًا عن الإعلام الإسرائيلي، والأمثلة كثيرة.

يوخياد ليفشيتس، تذكرون هذا الوجه الذي أفرجت عنه حماس قبل شهر تقريبًا، تلك الأسيرة المسنة أثارت تصريحاتها بعد إطلاق سراحها كثيرًا من الجدل في الوسط الإسرائيلي، حينما أكدت لطف المعاملة التي تلقتها والإنسانية التي عاشتها وهي تحت الأسر، كلامها الإيجابي عن حماس فاجأ نتنياهو حينها، بل إن مؤتمرها الصحفي الذي عُقد في مشفى إيخيلوف في تل أبيب مُنعت المؤتمرات الصحفية من بعده بأمر حكومي، بحسب يديعوت أحرنوت، فضلا عن عزل مدير المشفى الذي سمح بذلك آنذاك.

مشاهد الوداع وتفاصيل الاحترام، أسلوب حماس الذي وثقته الكاميرا في التعامل، اتخذ منها ناشطون غرب مثالًا لتعاطفهم مع المشهد في غزة (شاهد من هنا).

https://www.youtube.com/watch?v=3xwmVhaFXlA

السياسي الأمريكي الذي يتابعه الملايين جاكسون هينكل، واحد من بين كثر نشر هذا معلقًا: "الرهائن الإسرائيليون يلوحون لحماس.. وسائل الإعلام تكذب عليك"، وفي منشور آخر أشار لطريقة تعامل حماس، موضحًا أنه من الطبيعي ألا تسمح إسرائيل لهم بالكلام بعد إطلاق سراحهم، بينما أشاد ناشطون آخرون بتوفير الأدوية والطعام للرهائن في ظل الحصار، وهنا شقيقة لإحدى الرهينات تشرح حسن معاملة شقيقتها.

خطت حماس سطرها التي تريد في معركة الانطباع وتبدل وجهات النظر، ونجحت بإظهار الفروقات التي لطالما أشارت إليها في طريقة التعامل بين الأسرى الفلسطينيين والإسرائيليين، وإن عدنا بالذاكرة للأسير جلعاد شاليط، فنجده يأكل "الإندومي" ومنهمكًا بتحضير وليمة "باربيكيو"، أما عن عواقب تأثير حرب الصورة، فقد تبدأ كلامًا وتغريدات قبل أن تصير "فعلًا" في المستقبل القريب.

 

شكرا لإنسانيتكم أنتم أحباب لطفلتي

رسالة المحتجزة الإسرائيلية دانيال للقسام.. شكرا لإنسانيتكم أنتم أحباب لطفلتي

وتعددت هذه الصورة لتنقلها كتائب القسام صوتًا وصورة وكتابة، حينما صدّرت شكر المحتجزة الإسرائيلية “دانيال”، لكتائب القسام على “إنسانيتيهم غير الطبيعية” في التعامل معها ومع ابنتها “إميليا”.

وقالت دانيال في رسالة بخط اليد وباللغة العبرية، وجهتها للقسام ونشرها الإعلام العسكري للكتائب: “للجنرالات الذين رافقوني في الأسابيع الأخيرة، يبدو أننا سنفترق، لكنني أشكركم من أعماق قلبي على إنسانيتكم غير الطبيعية التي أظهرتهموها تجاه طفلتي إميليا”.

وأضافت: “كنتم لها مثل الأبوين، ودعوتموها لغرفتكم في كل فرصة أرادتها.. هي تعترف بأنكم كلكم أصدقاؤها، ولستم مجرد أصدقاء، وإنما أحباب جيدون حقيقيون”.

وتابعت “شكرا لكونكم كنتم صبورين تجاهها، وغمرتموها بالحلويات والفواكه، وكل شيء موجود ولو لم يكن متاحًا”.

وأكملت “الأطفال لا يحبون الأسر، لكن بفضلكم وفضل أناس آخرين طيبين وقيادات عرفناهم في الطريق، ابنتي اعتبرت نفسها ملكة في غزة”.

وزادت: “أنا للأبد سأكون أسيرة شكر، لأن ابنتي لم تخرج من هنا بصدمة نفسية للأبد”.

وقالت: “سأذكر لكم تصرفكم الطيب الذي منح لنا برغم الوضع الصعب عندكم، والخسائر الصعبة التي أصابتكم في غزة”.

وختمت المحتجزة التي تم تسليمها في اليوم الأول من تنفيذ الهدنة المؤقتة بين حركة حماس والاحتلال: “أتمنى لكم الصحة والعافية.. صحة وحب لكم ولأبناء عائلاتكم.. شكرًا كثيرًا”.

 

أعظم رسالة ربانية

تعامل القسام مع الأسرى.. تفوق أخلاقي ونصر آخر جديد للمقاومة

وعند تسليم الدفعة الثانية من الأسرى المحتجزين لدى كتائب القسام إلى اللجنة الدولية للصليب الأحمر، تفاعل ناشطون وصحفيون وسياسيون ورواد مواقع التواصل الاجتماعي مع مقطع الفيديو الذي بثته القسام لعملية التسليم.

وأشادوا بطريقة تعامل المقاومة الرحيمة مع الأسرى عكس ما يروجه الاحتلال، بل قالوا إن “الأسرى خرجوا كأنهم يودعون أصدقاء لهم في غزة”.

المقطع أظهر مقاتلي “القسام” وهم يصطحبون بعض الأسرى الإسرائيليين من النساء والأطفال إلى سيارات الصليب الأحمر، مساء أمس السبت، وقد وجهت بعض الأسيرات التحية إلى مقاتلي المقاومة، ليبادلها أحد المقاتلين التحية بالإنجليزية.

وانتشر المقطع على منصات التواصل الاجتماعي كافة، وحقق تفاعلًا كبيرًا، بسبب لقطات الأسرى الإسرائيليين وهم يودعون مقاتلي “القسام”، بنظرات ملؤها الحب والود.

الفيديو دفع الكاتب الصحفي الأردني ياسر أبو هلالة إلى التعليق عليه عبر حسابه بموقع إكس، وقال إن “هذه الصور التي يخشاها العدو، لم يعرف التاريخ مقاتلًا أكثر إيمانًا ونبلًا وشجاعة من كتائب القسام. معركتهم ليست مع الأطفال، اليد التي تصل للدبابة وتقذفها بحمم الموت هي اليد التي تحنو على الطفل وتحميه من الموت”.

بينما تساءل الداعية فاضل سليمان عبر منصة إكس: “لماذا أَحب الأسرى الذين سجنوهم؟”، وأجاب قائلًا: “لا أعجب من ذلك الأمر؛ مقاتلو المقاومة الإسلامية هم قبسات من الصحابة رضي الله عنهم، ويمشون على آثارهم، وهم الذين أطعموا طعامهم للأسرى الذين أسروهم في غزوة بدر، لأن الطعام كان قليلًا عملًا بالآية “وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا”، فآثروا الأسرى بالطعام الجيد من خبز ساخن وأكلوا هم تمرًا باردًا، كيف لا وقد وصاهم النبي ﷺ: استوصوا بالأسارى خيرًا”.

وأضاف: “المقاتل المسلم ينتصر على نفسه أولًا ثم ينصره الله بعد ذلك. فالأسير هو إنسان جاء ليقتله ويسرق أرضه ويغتصب زوجته ويسترق أولاده، ومع ذلك فبعد قتاله وأسره وشدّ وثاقه مطلوبٌ من المجاهد أن يرحم ضعفه ويحسن معاملته بل ويؤثره على نفسه حتى في طعامه”.

وتابع: “لذلك يجب أن يكون القتال خالصًا لوجه ﷲ، لا لرغبة شخصية في الانتقام، هذا هو ما رآه أسرى اليهود في غزة، رأوا الإسلام مجسدًا، رأوا مصاحف تمشي على الأرض، رأوا رهابنة بالليل فرسانًا بالنهار”.

“لم يستوعب الغرب لقطات الأسرى الإسرائيليين وهم يودعون مقاتلي القسام، بنظرات ملؤها الحب والود”، كما قالت الصحفية شيرين عرفة عبر منصة إكس، مشيرة إلى “أنهم لا يعلمون أن الله عز وجل أمرنا أن نؤثر الأسير على أنفسنا في الطعام والشراب”.

وتابعت: “فمن كان بالأمس مقاتلًا يحتل أراضينا ويستولي على بيوتنا ويشارك في حربنا، بات اليوم أسيرًا في أيدينا، لا يملك من أمره شيئًا، فيفرض علينا ديننا، أن نحافظ على حياته، وأن نحسن معاملته كما لو كنا نعامل أخص أهلينا، بل ونؤثره على أنفسنا”.

وزادت: “يبدو أن حرب غزة ستكون أعظم رسالة ربانية من الله للجميع، للتعريف بدين الإسلام وأهل غزة هم أعظم سفرائه، فاللهم انصر حماس وأعز أهل غزة”.

“تلك اللقطات سببت صدمة للإعلام الإسرائيلي”، كما قال الناشط سام يوسف، لأنها أظهرت علامات الود الحقيقية بين الأسرى الإسرائيليين ومقاتلي “القسام”، مؤكدًا أن “صدمة اللقطات في أن إسرائيل لا تفهم لغة الرحمة والتسامح والود”.