في الساعات الأولى من صباح يوم السبت، سارت حشود من الأطباء والمرضى فوق أكوام من الخرسان والأنقاض لأميال في شوارع مدينة غزة المدمرة؛ حيث أجبروا على إخلاء ما تبقى من مستشفياتها سيرًا على الأقدام. 

ونقلت صحيفة "الجارديان" عن مسعفون قولهم، إنهم يخشون ترك المرضى المصابين بأمراض خطيرة في مدينة تحولت الآن إلى أنقاض واحتلتها القوات الإسرائيلية، حيث كانت المستشفيات تعمل بدون كهرباء أو وقود أو ماء أو طعام.

وقال رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر في غزة "ويليام شومبورج"، واصفًا ما تبقى من الحياة داخل المدينة: "إنها جحيم على الأرض".

وأضافت "الجارديان" في تقرير كتبه "كامل أحمد" و"روث مايكلسون": "على مدار أسابيع، كان عشرات الآلاف من الأشخاص يأملون في أن يوفر اللجوء إلى مستشفيات مدينة غزة أقرب ما يكون إلى الأمان، حيث يعاني القطاع من القصف المكثف. ولكن مع اقتراب القوات الإسرائيلية من منشآتها ثم مداهمة أكبر مستشفى في غزة "الشفاء"، نزح الآلاف مع الطواقم الطبية، وساروا في الشوارع المدمرة جنوب القطاع".

وقالت وزارة الصحة الفلسطينية في غزة، إن القوات الإسرائيلية طلبت إخلاء مستشفى الشفاء صباح السبت، بعد ثلاثة أيام من مداهمة المستشفى. وقال المسعفون، إنه قيل لهم إن أمامهم ساعة لإخلاء المستشفى، الذي كان في السابق محور النظام الطبي في غزة.

وقد قُتل ما لا يقل عن 12 ألف شخص في الهجوم الإسرائيلي على غزة منذ الهجوم الذي شنته حماس في 7 أكتوبر، والذي قُتل فيه 1200 إسرائيلي واحتُجز نحو 240 رهينة.

واستذكر مدير عام وزارة الصحة الفلسطينية في غزة "مدحت عباس"، محادثة أجراها مع أخصائي العظام "عدنان البرش" الذي غادر مستشفى الشفاء في الساعات الأولى من يوم السبت. وقال إن "البرش" بكى وهو يصف تجربة الخروج من المستشفى مع مسعفين آخرين ونازحين، مضيفًا أن الجنود الإسرائيليين قاموا بدوريات في المجمع، وانتشر القناصة حول محيط المجمع.

وأضاف: "كنا نسمع الجرحى. لم نتمكن من مساعدتهم وكان الناس يموتون. لقد أُجبرنا على المشي. وأثناء خروجنا من مستشفى الشفاء رأينا الجثث في الشوارع. وتم تدمير المستشفى، لا ماء ولا أكسجين ولا دواء، والهجمات على كل مبنى في المجمع".

كما شارك الدكتور "عباس" لقطات سجلها مصور الجزيرة "وائل الدحدوح" من غرفة الطوارئ في مستشفى الشفاء بعد وقت قصير من صدور أمر الإخلاء، وهي مليئة بالناس المذعورين، وبعضهم يصرخ أثناء محاولتهم تقييم من تمكنوا من الإخلاء.

ونقلت "الجارديان" وصف الوضع قائلة، إن عشرات الجرحى كانوا ممددين على الأرض وملطخين بالدماء، وتم وضع بعضهم على نقالات بينما جلس طفلان على الأرض بينما حاول رجل ثالث تضميد بعض جروحهم.

وقالت وزارة الصحة، إن 530 مريضًا أُجبروا على الإخلاء مع المسعفين، لكن خمسة أطباء وافقوا على البقاء مع 120 من أسوأ المصابين. وقد بقي ثلاثون من أصل 39 طفلاً مبتسرين تم إجلاؤهم على قيد الحياة لمدة أسبوع خارج حاضناتهم بوضعهم معًا من أجل التدفئة في إحدى غرف العمليات في مستشفى الشفاء. وقال الطاقم الطبي إنهم يحاولون إيجاد طريقة لإجلاء الأطفال بالتعاون مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر.

وكتب الجراح "أحمد المخللاتي" على موقع X: "العديد من المرضى لا يستطيعون مغادرة المستشفى لأنهم في أسرة العناية المركزة أو في حاضنات الأطفال. سأبقى أنا وخمسة أطباء آخرين في مستشفى الشفاء مع 120 مريضًا، لأنهم لا يستطيعون المغادرة بسبب ظروفهم الصحية".

ونفى متحدث باسم جيش الاحتلال أن يكون قد أصدر أمراً بالإخلاء، وادعى أن مدير مستشفى الشفاء من الجيش الإسرائيلي المساعدة في تأمين طريق الإخلاء من المستشفى. ولذلك وافق جيش الدفاع الإسرائيلي وساعد في جهود الإخلاء. 

وبحسب شهود عيان تحدثوا إلى "بي بي سي" و"الجزيرة"، استخدمت القوات الإسرائيلية مكبرات الصوت لمطالبة كل رجل يتراوح عمره بين 16 و40 عامًا بالدخول إلى الفناء، قبل تفتيش العديد منهم وتجريدهم من ملابسهم واحتجازهم في مكان مجهول.

وأفاد الأطباء داخل المستشفى في وقت لاحق أن القوات الإسرائيلية وضعت ماسحات ضوئية للتعرف على الوجه عند المخارج.

وأشارت "الجارديان" أن مستشفى الشفاء ليس المستشفى الوحيد في مدينة غزة الذي اضطر إلى الإخلاء. وفي مستشفى القدس، تمكنت سيارات الإسعاف التي تديرها جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني من إجلاء بعض المرضى والعاملين في أوائل الأسبوع الماضي بعد أن عادت أدراجها في البداية بسبب القصف المكثف حول المستشفى.

وشاركت جمعية الصليب الأحمر الفلسطيني لقطات يوم الخميس لحوالي 14 ألف شخص لجأوا هناك وهم يمرون بالمباني المدمرة ويتسلقون أكوام الأنقاض، بينما كانوا يسيرون لمسافة سبعة أميال تقريبًا، وكان بعضهم ينقل رجلاً فاقدًا للوعي على ما يبدو على سرير المستشفى عبر الشوارع المدمرة.

وفي المستشفى الأهلي المعمداني شرق مدينة غزة، وهو المرفق الوحيد القادر على استقبال مرضى جدد خلال معظم الأسبوع الماضي، قال الأطباء إنهم تحولوا من القدرة على إجراء العمليات الجراحية المنقذة للحياة إلى عدم القدرة على إجراء العمليات على الإطلاق.

وقال الجراح "غسان أبو ستة"، الذي غادر مستشفى الشفاء إلى المعمداني مطلع الأسبوع الماضي: "منذ محاصرة مستشفى الشفاء وانهياره فعليًا، كان جميع الجرحى يأتون إلى المعمداني".

وأضاف: "لذلك خلال فترة الستة أيام حتى الساعات الأولى من صباح الخميس، استقبلنا أكثر من 500 جريح وكنا نعمل بكل قوة. في بعض الأحيان، وبالتأكيد في الليلة الماضية، لمدة 20 ساعة متواصلة".

وتابع: "يوم الخميس، في الساعات الأولى من الصباح، أنهينا الحالة الأخيرة وقيل لنا إنها آخر حالة تخدير، وأن غرف العمليات لم تعد قادرة على إجراء أي نوع من العمليات الجراحية. لقد اتخذنا قرارًا بإخلاء المستشفى صباح الخميس، على الأقل غرف العمليات، والاحتفاظ بباقي المستشفى كمركز للإسعافات الأولية، لأننا لم نعد قادرين على إجراء العمليات الجراحية للمرضى".

وقالت "أسيل بيضون" من منظمة العون الطبي للفلسطينيين: "إنه انهيار كامل للنظام الصحي"، مشيرة إلى أزمة تفاقمت بسبب الإغلاق الدوري لشركتي الهاتف الفلسطينيتين العاملتين في غزة بسبب نقص الوقود".

وأضافت: "لا تستطيع سيارات الإسعاف التواصل مع المستشفيات، ولا يستطيع الناس الاتصال بسيارات الإسعاف. أعرف أشخاصًا مشوا كيلومترات للوصول إلى المستشفى فقط لإخبار الطاقم الطبي بمواقع القصف".

ويزعم المسؤولون الإسرائيليون منذ فترة طويلة أن حماس تعمل من تحت المرافق الطبية. ونشرت قوات الاحتلال لقطات لمتحدث باسمها وهو يتجول في قسم التصوير بالرنين المغناطيسي في الشفاء بعد ساعات من الغارة، ليعرض صورًا لبنادق آلية وقنابل يدوية وكتبًا مرتبة بعناية، وملابس عسكرية، وصندوق كبير من التمر جمعوه في غرفة واحدة. وفي وقت لاحق نشروا لقطات للفتحة المؤدية إلى نفق قالوا إنه تحت المستشفى، بالإضافة إلى صور لمجموعة من الأسلحة الآلية والملابس العسكرية ادعوا أنه تم العثور عليها داخل سيارة داخل مجمع المستشفى. ونشروا أيضًا صورًا لأربع بنادق آلية وذخائر ومعدات مثل السكاكين وأجهزة الاتصال اللاسلكي قالوا إنه تم اكتشافها في مستشفى القدس.

وقالت "ميراف زونسزين" من مجموعة الأزمات الدولية: "إنهم يجمعون أشياء مختلفة معًا، لكن هذا ليس الدليل القاطع".

وأضافت: "من الصعب جدًا أن نفهم ما يفعله الجيش الإسرائيلي، ولماذا اخترع قضية الشفاء كثيرًا ثم خرج بدون أي شيء مقنع في الأساس. أعتقد أنه من الصعب جدًا على أي شخص أن يفهم ذلك، وعلى مستوى العلاقات العامة الأساسي، إنها مجرد كارثة".

https://www.theguardian.com/world/2023/nov/19/its-basically-hell-on-earth-gaza-city-left-totally-bereft-of-healthcare