قالت صحيفة "الجارديان" إن فروع العائلة الواحدة بغزة غالبًا ما تعيش بمنزل واحد، حيث يصبح الأجداد والعمات والأعمام بمثابة الوالدين وأبناء العمومة كالإخوة. يقوم أفراد الأسرة برعاية أطفال بعضهم البعض، وتغيير الحفاضات، وإطعامهم، والتأكد من وصولهم إلى المدرسة والعودة منها. في لحظات الأزمات وعدم اليقين، يرحلون معًا، ويقلقون معًا، ويحزنون معًا.

لليوم الرابع والثلاثين، تنهمر القنابل والصواريخ الإسرائيلية على قطاع غزة المحاصر. وبلغت حصيلة القتلى في غزة يوم الاثنين أكثر من 10 آلاف شخص، بحسب وزارة الصحة الفلسطينية. وتقول الحكومة الإسرائيلية، إنها لن تفكر في وقف إطلاق النار ما لم يتم إطلاق سراح الرهائن مع تفاقم الأزمة الإنسانية في غزة كل ساعة.

وقال متحدث باسم وزارة الصحة، إن منازل 1200 عائلة فلسطينية دمرت، وتم إزالة عشرات العائلات من سجل سكان غزة تمامًا. ولكن في بعض العائلات، ينجو فرد أو اثنان، ويجب أن يتعلموا الاستمرار بمفردهم بعد الخسارة المؤلمة والمفاجئة.

 

 وجدت نفسي مغطاة بدماء الآخرين

تبلغ "رشدية طوطح" من العمر 43 عامًا وتستخدم الكرسي المتحرك. وفي 17 أكتوبر، جلست في ساحة المستشفى المعمداني، محاطة بالنازحين الآخرين الذين لجأوا إليها. وبعد ساعة، أدى انفجار إلى مقتل ما يقرب من 500 منهم، وفقًا لمسؤولين فلسطينيين. وشمل ذلك كل فرد بالغ في عائلة "طوطح". وبمجرد أن علمت بمصير أحبائها، لم يكن بوسعها إلا أن تصرخ: "لماذا، لماذا أنا هنا؟ لماذا أنا هنا؟ أريد الذهاب معهم. لقد كنا دائمًا معًا، لماذا لم نمت معًا؟".

وفي وقت سابق من اليوم، قالت "رشدية"، إن شقيقها الأكبر نبه الأسرة إلى غارات جوية بالقرب من منزلهم وأصر على إجلائهم جميعًا إلى مكان أكثر أمانًا. 

تعاني "رشدية" وإحدى شقيقاتها من إعاقة حركية، مما يعني أنه كان من المستحيل تقريبًا بالنسبة لهما الإسراع بالخروج من منزلهما في الوقت المناسب هربًا من ضربة وشيكة. وفي حالة وقوع هجوم مفاجئ، فلن يتمكنوا من إخراج أنفسهم من تحت الأنقاض. لذا توجهت العائلة بأكملها، التي يبلغ عدد أفرادها حوالي 40 فردًا، نحو المستشفى. 

وقالت "رشدية": "شعرنا بالأمان. كان هناك الآلاف من الناس والأطفال".  

ونصب أشقاؤها خيمًا لكل من في الساحة، واستقروا فيها وهم يستمعون إلى الطائرات الحربية الإسرائيلية تحلق في سماء المنطقة.

وتابعت: "كل ما أتذكره هو أن الأطفال قالوا إنهم جائعون، فبدأت أمهاتهم بإعداد السندويشات لهم بعد أن طلبن منهم الذهاب للعب في الفناء.ةرأيتهم يضحكون ويلعبون بينما أمهاتهم فرحات ويعدن الطعام. ثم وجدت نفسي مغطاة بدماء الآخرين في مستشفى الشفاء، حيث أخذني المنقذ والمسعفون".

وقُتل والدا "رشدية" وشقيقاها وزوجتيهما وشقيقتها المعاقة. ومن بين أطفال عائلتها، لم ينج سوى ابن أخيها "يامن". نجحت "رشدية" في النجاة بطريقة ما، رغم إصابتها بجروح خطيرة.

 لدى "رشدية" أخت أخرى متزوجة وتعيش في مكان آخر في مدينة غزة. ولأن مستشفى الشفاء كان مكتظًا بالمصابين ونفاد الإمدادات بسرعة، أرادت أختها "طوطح" أن تغادر معها. 

وتضيف "رشدية": "أنا الآن محاصرة في منزل أختي، حيث يهتز المنزل في كل لحظة يحدث فيها انفجار هائل. الآن، أختي تعتني بي مع ابن أخي "يامن".

 

انتهيت الآن وأصبحت بلا أحلام أو خطط

 كانت "ديمة اللمداني" البالغة من العمر 18 عامًا تحلم بأن تصبح سيدة أعمال ناجحة أثناء نشأتها في مخيم الشاطئ. وعندما حذر الجيش الإسرائيلي في 13 أكتوبر ضرورة إخلاء شمال غزة إلى الجنوب، اتصل والد "ديمة" بشقيقه، وقرروا جميعًا، وهم أجيال عديدة من عائلة ممتدة، الفرار من المخيم. لجأوا مؤقتًا إلى منزل أحد أصدقاء العائلة، حاملين معهم ما يكفي من الوقود لملء المولدات الكهربائية لشحن هواتفهم ومصابيحهم.

وبعد يومين، عند الفجر، جلست "ديمة" مع خالتها تشرب القهوة، غير قادرة على النوم. والشيء التالي الذي تتذكره هو أنها كانت مغطاة بالركام وأصوات الناس يصرخون من حولها. وكان نحو 50 شخصًا في المبنى السكني، من بينهم 17 فردًا من عائلة "اللمداني". وكانت "ديمة" وشقيقها واثنين من أبناء عمومتها الأصغر سنًا الناجين الوحيدين. 

وقالت "ديمة": "الوقت الذي قضيته في انتظار العثور عليّ كان من أكثر اللحظات رعبًا كنت على وشك أن أفقد عقلي. لقد صرخت وبكيت عندما عثروا علي".

وأُحضرت "ديمة" إلى المشرحة حيث كان عليها التعرف على جثث أحبائها، وأوضحت أنها لم تتمكن من التعرف عليهم، حيث تغيرت ملامح وجوههم. 

عندما رأتهم "ديمة" كانت تصرخ: "أرجوكم لا تتركوني وحدي. لا أستطيع العيش بدونكم!". 

قبل أسبوع فقط، كانوا يضعون خططًا لمستقبلها. أخبرتهم "ديمة" أنها ستكون سيدة أعمال مشهورة وأنهم جميعًا سيأتون للتسول للعمل معها، وتقول: "كنت أمزح لأجعلهم يضحكون".

والآن أصبح ابنا عم "ديمة" تحت رعايتها، وهي تتساءل كيف ستستمر في حياتها، وتابعت: "أنا انتهيت الآن. لا أحلام ولا آمال ولا خطط. لا أستطيع أن أتخيل حياتي بدون أمي وأختي وأبي. لقد خانتنا القوات الإسرائيلية. لا يوجد مكان آمن".

 

كيف يمكنها أن تعيش بدون أبوين؟

وتشعر "سماح العديني" بالحزن على ابنتها الشهيدة، التي تعرض منزلها في دير البلح وسط قطاع غزة للقصف دون سابق إنذار في غارة جوية إسرائيلية في 24 أكتوبر. ونجت "نعيمة" حفيدتها البالغة من العمر 6 سنوات من الغارة وهي الآن في رعاية جدتها. 

وتقول "سماح": "أتذكر ابنتي المقتولة. كيف يمكن لابنتها الصغيرة أن تعيش بدون أبوين؟.

وبينما تجلس "نعيمة" في حضن جدتها، تتذكر "سماح" كيف كانت تنام والدتها، لكنها عرفت أن "نعيمة" تحب البطاطس المقلية، لذا كانت تطبخ على الرغم من تعبها. آخر شيء تتذكره "نعيمة" هو أن جدها لأبيها دعاها هي وإخوتها ليعطيهم شيئًا ما - ربما مكافأة. وأدت الغارة التي أعقبت ذلك إلى مقتل والدي "نعيمة" وجداها وإخوتها.

قالت "نعيمة": "ما زلت لا أعرف ما الذي أراد جدي أن يقدمه لنا. حلمت به بالأمس، أنه أعطاني دمية، لكن الدمية كانت مخيفة وهربت".

https://www.theguardian.com/world/2023/nov/08/gaza-palestine-family-israel-airstrike-survivors