لا يزال غموض توقعات حركة تحرير سعر صرف الجنيه تفرض نفسها على التعاملات الاقتصادية، ولم تنكشف بعد أسرار هذه الحركة حتى مع اقتراب الانتخابات الرئاسية، الغموض الذي يكتنف موعد مراجعة برنامج صندوق النقد للبرنامج التمويلي لمصر.

وتتوقع بنوك ومؤسسات دولية، منذ عدة أشهر، أن يقدم البنك المركزي المصري على تعويم جديد للجنيه، لكن هذا لم يحدث بعد، رغم استمرار صعود سعر الدولار مقابل الجنيه في السوق الموازية.

وعلى الرغم من عدم الإعلان بعد بشكل رسمي عن موعد الانتخابات الرئاسية، إلا أن وكالة بلومبرج نقلت عن مصادر مطلعة على الأمر اعتزام السلطات إجراء الانتخابات نهاية العام الجاري على أن يبدأ تسجيل المرشحين في شهر أكتوبر.

وبين مراجعة الصندوق المؤجلة، وموعد الانتخابات الرئاسية التي لم يحدد بعد، صدرت توقعات متباينة خلال الفترة الماضية بشأن موعد تعويم الجنيه نرصدها فيما يلي.

 

توقعات الخبراء والمسؤولين

توقع الخبير الاقتصادي، هاني جنينة، عدم تحريك سعر الصرف في مصر حتى إتمام الانتخابات الرئاسية، على أن تبدأ مصر التحول إلى تطبيق نظام سعر صرف مرن (عن طريق تحرير كامل أو تدريجي لسعر الصرف) خلال الربع الأول من 2024، بالاتفاق مع صندوق النقد الدولي.

وتوقعت شيرين الشواربي، مساعدة وزير المالية المصري السابقة، الأسبوع الماضي، حدوث خفض آخر لسعر الصرف، تحديدًا بعد الانتخابات الرئاسية، وهو ما سيؤدي إلى حدوث تفاقم في الديون.

فيما استبعد مسؤول حكومي قيام صندوق النقد الدولي بمراجعته لبرنامج مصر في سبتمبر الحالي كما كان مقررًا سابقًا". وأوضح المسؤول، في تصريحات مطلع هذا الشهر، أنه "لا موعد محدد للزيارة حتى الآن، لكنها ستتم هذا العام"، ما يؤشر إلى احتمال خفض سعر الجنيه مجددًا قبل نهاية 2023، وفقًا لما أفادت به "اقتصاد الشرق".

وقال عضو مجلس إدارة شركة إيليت للاستشارات المالية، محمد كمال، في تصريحات صحافية الشهر الماضي، إننا قد نرى في الفترة المقبلة أو في الربع الرابع من العام الجاري إمكانية اللجوء إلى تخفيض الجنيه المصري – حال عدم توافر عملة صعبة أو موارد دولارية، خاصة أن هذا يتزامن مع العودة للمفاوضات مع صندوق النقد الدولي، وهذا سيكون محفزًا بشكل كبير لسوق الأوراق المالية، بجانب العمل على تنفيذ برنامج الطروحات الحكومية، وتخارج الدولة من ملكية بعض البنوك والشركات والكيانات الاقتصادية، فهذا يعد محفزًا لدخول استثمارات أجنبية مباشرة – سواء من دول عربية أو غيرها - للسوق المصرية".

وعلى الجانب الآخر، قالت كبيرة الاقتصاديين بالشرق الأوسط لدى شركة "جيفريز" علياء مبيض لقناة "الشرق"، الشهر الماضي: "إن صندوق النقد سيراعي في المراجعتين الأولى والثانية لبرنامج التمويل المصري الإجراءات الإيجابية التي اتخذتها البلاد، ونتوقع تأجيل خطوة تحرير سعر الجنيه لما بعد الانتخابات الرئاسية".

وفي الوقت نفسه، كشف الدكتور فخري الفقي، رئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب المصري، الشهر الماضي، عن عدم إجراء أي تعويم للجنيه المصري في الوقت الراهن، مؤكدًا أن المفاوضات مع صندوق النقد الدولي تمضي بنجاح، وفقًا لـ"إنفستنج".

 

توقعات المؤسسات الدولية

أفاد تقرير حديث لوكالة فيتش سوليوشنز العالمية، بأن البنك المركزي سيخفض سعر صرف الجنيه بنحو 18.6% مقابل الدولار بنهاية العام الجاري 2023 لسد الفجوة بين السعرين الرسمي والموازي، بشرط قدرة الحكومة على جذب تدفقات نقد أجنبي. ورجحت الوكالة، في تقريرها حول "مخاطر مصر" عن الربع الأخير من 2023، ارتفاع سعر الدولار إلى 38 جنيهًا بنهاية العام الجاري مقارنة بمتوسط 30.96 جنيه في البنوك، ليقترب من مستواه حاليًا في السوق السوداء للدولار الذي يحوم حول مستويات الـ 40 جنيه للدولار الواحد خلال الأيام القليلة الماضية.

وكشف معهد التمويل الدولي "IIFC"، في مذكرة بحثية حديثة، أن الجنيه مقوم حاليًا بأعلى من قيمته الحقيقية بحوالي 10% مقارنة بـ "سعر الصرف الفعلي الحقيقي". وأشار المعهد إلى أن الحل يتمثل في التعويم الكامل للجنيه. مضيفًا: "البيانات تعزز الحجة لصالح تحرير سعر الصرف، وهو تحول في السياسة من شأنه، إذا صاحبه سياسات أكثر صرامة، أن يساعد في تقريب مصر خطوة نحو استقرار الاقتصاد الكلي".

وتوقع تقرير حديث لبنك كريدي سويس، انخفاض قيمة الجنيه بواقع 20%، فيما لم يستبعد أن تزيد على ذلك في ظل الأوضاع الحالية، خاصة أن السوق الموازي يسعر وفق خفض 40%. وبحسب البنك، لا يزال توقيت أي تخفيض لقيمة العملة "غير مؤكد إلى حد كبير"، لكن البنك يرى من وجهة نظره، أن ذلك أمر لا بد منه، وذلك لأن الوضع الراهن غير مستدام ودعم صندوق النقد الدولي مشروط به.

فيما استبعد بنك غولدمان ساكس، الشهر الماضي، حدوث خفض جديد لسعر الجنيه في البنوك على المدى القريب، مشيرًا إلى أن هذا سوف يؤدي إلى ترسخ عمل السوق السوداء لتداول الدولار في مصر. حيث توقع البنك الأمريكي أن تواصل الحكومة سياستها الحالية في الضغط على الواردات من خلال ضوابط غير رسمية على سعر الصرف، وإذا لزم الأمر، تهدئة وتيرة الاستثمار.

وعلى الجانب الآخر، توقعت وكالة "إس آند بي جلوبال، في وقت سابق، انخفاض سعر صرف الجنيه أمام الدولار خلال الفترة القادمة، لينهي العام الجاري عند مستوى 37 جنيهًا للدولار الواحد في السوق الرسمية.

فيما توقع مصرف "مورجان ستانلي"، منذ أسابيع، أن يتم تعديل سعر صرف الجنيه أمام العملات الأجنبية خلال سبتمبر أو أكتوبر، أي في وقت قريب من المراجعة الأولى والثانية لصندوق النقد الدولي.