سلط موقع "المونيتور" الضوء على مشروع مثير للجدل دفع الحكومة المصرية إلى هدم المقابر الأثرية القديمة، منذ ثلاث سنوات حتى في الوقت الذي يكافح فيه الباحثون والناشطون لوقف التدمير.
وقال الموقع في تحليل كتبه "محمد مجدي": "على مدى السنوات العشر الماضية،

كان الباحث المصري "مصطفى الصادق" يزور مجمع المقابر الإسلامية "القرافة الكبرى" في القاهرة، ويكتشف دائمًا شيئًا جديدًا عن التراث المصري من المقابر التي يعود تاريخها إلى وصول الإسلام في القرن السابع الميلادي. حتى أوائل القرن العشرين".
وأضاف: "لكن كل شيء تغير منذ عام 2020. وذلك عندما بدأت الحكومة المصرية في هدم المئات من هذه المقابر التاريخية لتوسيع الطرق السريعة المؤدية إلى العاصمة الإدارية الجديدة على بعد 50 كيلومترًا شرق القاهرة".
وكما تغيرت زيارات "صادق". انضم إلى المتطوعين الذين يقاتلون لإنقاذ المنطقة التاريخية. ويعملون بالتوازي مع الحفارين والجرافات لانتشال القطع الأثرية وسط أنقاض المقابر في مجمعي الإمام الشافعي والسيدة نفيسة.
وقال "صادق" للمونيتور: "نشعر بالعجز والإحباط الحكومة التي يجب أن تحمي هذا التراث دمرته بجرافاتها".

الموجة الأولى عام 2020
وتغطي "مدينة الموتى"، التي تم بناؤها لأول مرة مع إنشاء العاصمة الإسلامية عام 642، ست مناطق في شمال وجنوب القاهرة التاريخية، وفقًا لتقرير مشروع التجديد العمراني للقاهرة التاريخية في 2010-2012.
في يوليو 2020، استهدفت موجة الهدم الأولى منطقة "القرافة الكبرى" في شمال القاهرة التاريخية لربط المنطقة بالعاصمة الإدارية الجديدة. وتم هدم العديد من المقابر التي كانت تضم شخصيات مشهورة من القرن العشرين، مثل الرئيس الأول لجامعة القاهرة، "أحمد لطفي السيد" والكاتبان "إحسان عبد القدوس" و"محمد التابعي" والمهندس "عبود باشا"، والأميرة "نازلي هانم حليم".
وقالت الحكومة في بيان لها، إن هذه المقابر لم تكن مسجلة كمعالم إسلامية أو قبطية، بل هي مقابر حديثة.
بينما قالى "صادق": "نعم، غير مسجلة. لكن بعض هذه المقابر مليئة بالتاريخ والهندسة المعمارية والفن".
وبعد بضعة أشهر، شرعت الحكومة في الموجة الثانية، التي شملت "القرافة الصغرى" (وتسمى أيضًا قرافة الإمام الشافعي). وكانت الخطة تقضي بهدم 2760 مقبرة كجزء من طريق "صلاح سالم"، لربط المساجد والأضرحة التابعة لعائلة رسول الله "محمد" بالقاهرة الإسلامية.
 في 8 أغسطس، افتتح "عبد الفتاح السيسي" مسجد السيدة نفيسة كجزء من تجديد مراقد أهل البيت. وتحدث "السيسي" خلال حفل الافتتاح عن "خطة الدولة لتجديد القاهرة التاريخية".
لكن خطة "السيسي" أثارت غضبًا شعبيًا وانتقادًا من الباحثين في مجال التراث وعلماء الآثار والمهندسين المعماريين. وأقام المهندس المعماري المتميز "طارق المري" دعوى قضائية لوقف هدم المقابر، على أن تبت المحكمة في الدعوى يوم 21 سبتمبر المقبل.
وقال "المري" للمونيتور: "إن عمليات الإزالة والهدم تمثل ازدراء لجزء من تاريخ مصر وتمثل خطراً على منطقة كبيرة تعود إلى القرن السابع الميلادي".

 تدمير المقابر البارزة
وبعد أسبوع من افتتاح "السيسي" مسجد السيدة نفيسة في 18 أغسطس، كانت جزءًا من جرافات الموجة الثانية في قرافة الإمام الشافعي لهدم المقابر المذكورة البالغ عددها 2760 مقبرة، بما في ذلك مقابر مصريين بارزين في مجالات الثقافة والسياسة والدين والفن، وكذلك أفراد العائلة المالكة.
وقال "صادق" متأسفًا: "لم يسبق لي أن صدمت مثل هذه المرة. كان الهدم أكثر عنفًا وعشوائيًا. حتى العمال على الجرافات في الموقع شعروا بالأسف حيال ذلك، مضيفًا أن العمال ساعدوا في إنقاذ القطع الأثرية من مقبرة الأمير "إبراهيم حلمي".
وقال "حسام عبد العظيم"، مؤسس مبادرة شواهد مصر، المكلفة بالحفاظ على تراث مصر المفقود، إن "الوضع كارثي للغاية". ومنذ ديسمبر 2021، أنقذت المبادرة 25 قطعة أثرية من المقابر، بما في ذلك شواهد القبور التي يعود تاريخها إلى عصر الخلافة العباسية في القرن التاسع".
وأضاف "عبد العظيم" في حديثه للمونيتور: "كل هذه المعالم غير مسجلة بموجب قوانين الآثار. لكن الآثار الجنائزية عامل رئيسي في تاريخ مصر بداية من قدماء المصريين إلى العصور الإسلامية والتاريخ الحديث".
وفي 29 أغسطس، رفضت محافظة القاهرة التقارير التي تفيد بهدم مقبرتي الشاعر أحمد شوقي والإمام ورش.
ومع ذلك، قال "صادق" إنه عثر على حطام بالقرب من قبر الشاعر "أحمد شوقي"، كما تم تدمير ستة قبور لعائلته.
وجهت عضو مجلس النواب "مها عبد الناصر"، عدة أسئلة لرئيس الوزراء "مصطفى مدبولي"، حول خطط التنمية لعام 2020، لكنها لم تتلق أي إجابات. وقالت للمونيتور، إن خمسة أعضاء انسحبوا من لجنة الخبراء الرئاسية بسبب عزم الحكومة على هدم المقابر.
وتابعت: "ليس من الواضح ما وراء المشروع وإصرار الحكومة على هدم المقابر"، موضحة أن خطة الحكومة ستستبدل هذه المقابر بناطحات سحاب ومساحات خضراء بحلول عام 2030.
وفي اعتراض نادر، استقال "أيمن ونس"، المسؤول الحكومي الذي يرأس لجنة مسح المباني والمنشآت ذات الطراز المعماري المتميز، يوم الخميس، احتجاجًا على تدمير المقابر التاريخية في القاهرة.
ونشر "ونس" استقالته المكتوبة بخط اليد على فيسبوك، قائلًا: "الهدم المستمر للمقابر التراثية ليس فقط خسارة لمباني المقابر التاريخية، بل خسارة لنسيج عمراني تاريخي ذي قيمة فريدة في العالم وجزء مهم من التراث العالمي". 
لكن "ونس" تراجع عن استقالته في اليوم التالي، قائلاً: "لقد تم استخدام استقالتي لانتقاد الحكومة.. وأنا متأكد من أنه سيتم تصحيح خطة التنمية".

موقع التراث العالمي
وتعتبر القاهرة التاريخية أحد مواقع التراث العالمي من قبل اليونسكو منذ عام 1979؛ حيث أشار "صادق": "أرسلنا رسائل إلى المنظمة، لكنها لم ترد بعد".
وفي عام 2021، قالت اليونسكو، إنه "لم يتم إرسال أي معلومات حول هذا المشروع مسبقًا إلى مركز التراث العالمي لتقييمه. ... وأرسل مركز التراث العالمي خطابًا في يوليو 2020 إلى السلطات المصرية يطلب فيه تأكيد هذه المعلومات وتقديم أي معلومات". 
وأضافت: "المعلومات ذات الصً ولكن لم يتم تقديم أي منها حتى الآن".
وتابعت: "على الرغم من أن هذه المقابر والأضرحة المهدمة ربما لم تكن آثارًا محمية/مسجلة، إلا أنها مع ذلك أجزاء مهمة من النسيج الحضري التاريخي، ويمكن للطرق أن توجه المزيد من حركة المرور إلى الممتلكات".
"المري": "حتى اليونسكو لا تستطيع وقف هذه الفوضى". 
لا يزال لدى "المري" و"صادق" بصيص من الأمل في أن الدعم الشعبي قد يدفع الحكومة إلى التراجع من خلال المحادثات والعرائض والمعارض ووسائل التواصل الاجتماعي.