تعرض المواطنون جراء انقطاع الكهرباء المتكرر إلى مواقف عصيبة وخسائر فادحة بعد الشكوى من تلف الكثير من الأجهزة الكهربائية مثل الثلاجات والمبردات وأجهزة التكييف.

وبرغم عمله كفني كهربائي، لم يسلم "طارق محمود" من أضرار انقطاع التيار الكهربائي، حيث تعرضت 3 مبردات في منزله ومنزل أخيه للتلف.

ويتساءل محمود: "من يعوضنا عن هذه الخسائر، ولا سيما في ظل الارتفاع الجنوني في أسعار الأجهزة الكهربائية المنزلية؟".

ومع تكرار شكاوى المواطنين من تلف الأجهزة الكهربائية، نصح المسؤولون المواطنين بفصل مصدر التيار الكهربائي الرئيس في المنزل عند انقطاع التيار، وانتظار مدة زمنية بعد عودته للتأكد من استقرار التيار الكهربائي، للحفاظ على أجهزتهم.

 

21 ألف شكوى في يوليو

وأشار الدكتور طارق الرفاعي، مدير منظومة الشكاوى الحكومية المُوحَّدة بمجلس الوزراء، إلى أن المنظومة تلقت وتعاملت خلال شهر يوليو، مع 21 ألف شكوى وطلب وبلاغ، بالتنسيق مع وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة والمحافظات المعنية.

وأوضح "الرفاعي" أن موضوعات الشكاوى تضمنت ما يزيد على 18.7 ألف شكوى وبلاغ بشأن انقطاع التيار الكهربائي بعدد من المناطق والأحياء والقرى أو بعض المنشآت، أو عدم استقرار التيار الكهربائي، نتيجة أعمال خفض أحمال الكهرباء عن بعض المناطق والتي وردت أغلبها خلال الفترة من 17-31 يوليو 2023، مشيرًا إلى أن ذروة تلك الشكاوى بلغت خلال الأيام 18 -20 يوليو، ثم مرحلة تذبذب مع ثبات نسبى خلال الفترة من 21 الى 27 يوليو، ثم تراجع ملحوظ في معدلات تلقى هذا النوع من الشكاوى والبلاغات منذ 28 يوليو وحتى نهاية الشهر.

وتقول حكومة الانقلاب إن تخفيف أحمال الكهرباء ضروري بسبب زيادة استهلاكها مع استخدام مكيفات الهواء في الطقس الحار غير المعتاد.

ويقول مسؤولون إنه إلى جانب المستشفيات والمباني ذات الأهمية، فإن مناطق تشمل الساحل الشمالي والبحر الأحمر مستثناة من قطع الكهرباء لحماية قطاع السياحة الذي يعد مصدرًا مهما للعملة الأجنبية التي تحتاجها مصر بشدة بعد نقص حاد في الدولار تكشف أوائل العام الماضي.

ويرى محللون أن انقطاع التيار الكهربائي ناتج أيضًا عن تراجع إنتاج مصر من الغاز الطبيعي الذي يستخدم في تشغيل معظم شبكة الكهرباء وأحد مصادر الدخل المهمة الأخرى للعملة الصعبة.

وبدأت الحكومة في حث السكان على خفض استهلاك الكهرباء في الصيف الماضي مع سعيها لتوفير الغاز للتصدير عندما كانت أسعار الطاقة العالمية مرتفعة.

 

خسائر باهظة

تعرّضت هدير عبد الناصر، من مطروح، هذا العام لخسارة في بيتها نتيجة انقطاعات الكهرباء من دون إنذار مسبق: "ياما أجهزة لينا اتحرقت، لأن الكهربا بتقطع وفجأة تروح جاية عالية (شديدة). أنا عندي شاشة اتحرقت السنة اللي فاتت، وماما وجدتي اتحرق عندهم ديب فريزر وغلاية كهرباء".

ما وقع لأجهزة السيدة وأسرتها العام الماضي، تكرر هذا العام مع آخرين بحرائق في باكيات كهرباء ومنازل، منها ما نجم عنه خسائر في الأرواح، وهو ما حدث قبل أو بعد البرنامج الذي أعلنت الشركة القابضة لكهرباء مصر يوم 22 يوليو السابق، أنها ستنفذّه "لتخفيف الأحمال، على ألّا تزيد مدّته عن ساعة واحدة"، لكن حدثت الخسائر في أجهزة المنازل أيضًا.

ممَن تعرضوا للخسارة هذا الصيف، فاطمة ناصر، التي تقول "الكهرباء عندنا في حي المنيل كانت في البداية تقطع وترجع بسرعة، وساعات كانت ترجع يا دوب الأجهزة تنوَّر وتفصل تاني، وبعدين بقى يقطع كذا مرة يوميًا بمعدل ساعة كل مرة. وفي يوم لقيت التلاجة مش بتسقَّع خالص ولجأت لفني قال محتاجين نغير قطعة عطلت بسبب قطع الكهربا المتكرر، واتكلفت 1700 جنيه"، وفقًا لـ"رصيف 22".

ولم تتوقف خسائر فاطمة عند هذا الحد: "بعدها لقيت مبرد المياه حصل فيه نفس المشكلة والمياه فاترة، والفني قال الموتور اتحرق ولازم يتغير، وبرضو بسبب قطع الكهربا. وده ثمنه بعد زيادة الأسعار بقى الضِعف، واتكلف ألفين جنيه"، مُضيفة "كمان صديق والدي عنده تلاجة كبيرة جديدة سعرها تقريبًا 120 ألف جنيه رجع البيت لقاها خربت بسبب قطع الكهربا، والتوكيل قالوا له تصليحها يتكلف 20 ألف جنيه".

لهذا تشكو من الأمر وتقول "أنا إيدي على قلبي وخايفة أي جهاز يتحرق، لأن مفيش رفاهية تغيير الأجهزة بسهولة بعد ما سعر كل حاجة زاد الضعفين و3 أضعاف بسبب الدولار والاستيراد. وفعلًا قطع الكهرباء بقى مشكلة مزعجة جدًا، لأنك مش دايمًا موجودة في البيت بحيث تقدري تفصلي الأجهزة وتشغليها تاني. وصديقتي مسافرة الفترة الجاية، ومش عارفة تتصرف إزاي عشان خايفة الفريزر أو الثلاجة تخرب باللي فيهم".

يقول كريم محروس، وهو من سكان الأسمرات، وهو حي للإسكان الاجتماعي في القاهرة تأسس في عهد السيسي، "احنا بقالنا عشر سنين، دلوقتي بيتكلموا عن تطوير شبكة الكهربا ومليارات اتصرفت على التطوير وخلاص نسينا حاجة اسمها قطع كهربا"، مضيفًا أن الكهرباء تنقطع لمدة ساعة في المرة الواحدة، وفقًا لـ"مستجدات ورؤى سويسرية".

وأضاف "لما الكهربا تقطع مرة واتنين في اليوم وفي أماكن تانية مبتقطعش ربع ساعة فده ظلم".

 

من يتحمل التعويضات؟

أمام هذه الخسائر الباهظة للمواطنين، خرجت بعض المطالبات لتعويض المواطنين مثلما ورد في طلب إحاطة تقدّم في 22 يوليو الماضي من النائب محمود قاسم، جاء فيه أن "انقطاع الكهرباء أدى إلى إتلاف عدة أجهزة كهربائية داخل المنازل"، مطالبًا وزارة الكهرباء بـ"إلغاء تحصيل أي فواتير للكهرباء من المضارين من ظاهرة انقطاع الكهرباء تعويضًا لهم عما لحق بهم من خسائر مالية كبيرة".

في دول كثيرة منها دول في العالم العربي، يُتيح القانون للمواطن تعويضات في هذا الصدد، تصل حد مقاضاة الدولة في حال تعرّضه لخسائر، أو حتى تأخر الخدمة عنه.

عن إمكانية تحقق هذا الأمر في مصر، يقول المستشار القانوني محمد فوزي، عضو جمعية تنمية المشروعات وحماية البيئة والمستهلك، "مفترض أن القانون يتيح هذا وبجنحة إتلاف في حال إثبات خسائر المواطن، خاصة لو كان منتظم في سداد ثمن الخدمة، وهو ما تحقق فعلًا مع ما لا يقل عن 50% من المواطنين بعد تطبيق نظام الدفع المسبق (الكارت)".

 لكن من أرض الواقع، ينفي فوزي احتمالية نجاح الأمر، قائلًا "بالنسبة للإعفاء من الرسوم كتعويض، غير ممكن، لأن التعامل بالكارت يعني أنه في حال عدم السداد لن تصل الخدمة. وبالنسبة للدعوى القضائية، ستُرفض، ولو حدث وحصلت على حُكم فسيكون بعد فترة طويلة في المحاكم، وغالبًا لن أتمكّن من تنفيذه لأني سأجد مئات العراقيل، وقد شهدت أكثر من حالة هكذا، لأنه وبصراحة أي من هذه الشركات- مياه وغاز وكهرباء- لن تدفع لك تعويضًا. والسّر في العقود الموقّعة معهم".

ويضيف المستشار القانوني: "لو المطلوب دعوى لإلغاء قرار تخفيف الأحمال، ستقام أمام القضاء الإداري. أما لو للحصول على تعويض عن تلفيات، فستقام أمام قضاء مدني/ حكومة، ويتم إثبات ما وقع من أعطال عن العمال أو خسائر وتقدير قيمتها عبر لجنة مختصّة، مع صرف تعويض في حال تم ذكر أن السبب هو انقطاع الكهرباء أو عودتها بشكل مفاجئ بأحمال قوية".

وفيما يخصّ "الإذعان"، يقول "الحل الأسهل هو اللجوء إلى لجنة فض المنازعات التابعة لوزارة العدل وتفعيل سلطتها، لتتعامل مع المواطن الذي تعرّض لخسائر، بعيدًا عن الإجراءات الروتينية، ولتخفيف العبء عن المحاكم".