عاد من بعد سكون وانطلق من بعد توقف، هذا هو حال الدولار في السوق السوداء، بعد فترة من التراجع البسيط والتوقف، حيث واصل قفزاته من 38 جنيهًا إلى أكثر من 40 جنيهًا، وبلغ متوسط التعاملات الفورية 39.6 جنيهًا للشراء و40.6 جنيهًا للبيع.

وفي قطاع المعادن ارتفع سعر الدولار في سوق الذهب إلى 44.5 جنيها، وتراوح ما بين 43 إلى 45 جنيهًا في المعاملات الآجلة بين كبار التجار وموزعي السلع الاستهلاكية والمعمرة والطبية والمنتجات الزراعية والصناعية.

 

بيانات التضخم

ارتفعت أسعار المستهلكين في المناطق الحضرية من البلاد بنسبة 36.5٪ سنويًا في يوليو، ارتفاعًا من 35.7٪ في الشهر السابق، وفقًا للأرقام الصادرة يوم الخميس عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء. وعلى أساس شهري، بلغ التضخم 1.9٪، مقارنة بـ 2.1٪ في يونيو.

أصبح معدل التضخم الرئيس الآن أبعد من المستوى الذي وصل إليه في أعقاب أزمة العملة المصرية لعام 2016. جاء ذلك مدفوعًا بزيادة قدرها 68.4٪ في تكاليف الأغذية والمشروبات، وهو أكبر عنصر منفرد في سلة التضخم.

وقي البنك الأمريكي جولدمان ساكس: "التضخم أصبح الآن في طريقه للبقاء فوق 30٪ لبقية هذا العام قبل "انخفاض حاد" محتمل حتى عام 2024".

وقال فاروق سوسة الخبير الاقتصادي في بنك جولدمان في تقرير: "تشير البيانات إلى أن الضغوط التضخمية أكثر ثباتًا إلى حد ما مما كنا نتوقعه سابقًا، وقد لا يصل مؤشر أسعار المستهلكين الرئيس إلى ذروته حتى وقت لاحق من الربع الثالث"، وفقًا لـ"إنفستنج".

يسهم الشهر الثالث من ارتفاع التضخم في تفسير قرار مفاجئ اتخذه البنك المركزي الأسبوع الماضي برفع سعر الفائدة الرئيس بمقدار 100 نقطة أساس إلى 19.25٪.

ويرجع التضخم المرتفع إلى ثلاث تخفيضات في قيمة الجنيه منذ أوائل عام 2022، والتي ساعدت في تأمين قرض من صندوق النقد الدولي بقيمة 3 مليارات دولار.

كان رفع سعر الفائدة غير متوقع لأن معظم المحللين اعتقدوا أن السلطات ستثبت الفائدة حتى تقوم ببناء احتياطيات واسعة من العملات الأجنبية، بما في ذلك من خلال برنامج مبيعات أصول الدولة، وبعد ذلك ستجري تخفيضًا آخر للعملة.

وظل الجنيه مستقرًا عند 30.9 للدولار في البنوك لأشهر، ولكن ويتم تداوله حول 38 جنيهًا للدولار الواحد في السوق السوداء.

وأضاف بنك جولدمان، الذي لا يتوقع أن يشدد البنك المركزي سياسته النقدية أكثر، إن احتمال حدوث ضعف أعمق في العملة هو "الخطر الرئيس" لتوقعاته للتضخم المصري. فيما يشكل نقص الطاقة المحلية تهديدًا آخر للعملة المحلية إذا زادت الطلب على النقد الأجنبي من خلال المطالبة بواردات وقود إضافية.

وقال سوسة "لا نتوقع أي انخفاض في قيمة الجنيه في السوق الرسمية". ومع ذلك، فإن وجود سوق موازي لتداول العملات الأجنبية يظل عامل خطر".

 

"موديز" وخفض قيمة الجنيه

من المقرر أن تمضي وكالة التصنيف الائتماني "موديز" في مراجعة التصنيف الائتماني لمصر، حيث قالت الوكالة إنها تزن وتقيم أجندة الإصلاح الحكومية مقابل مؤشرات تدل على تزايد ضعف سيولة النقد الأجنبي في البلاد.

بدأت وكالة موديز قبل ثلاثة أشهر مراجعة لخفض التصنيف الائتماني لمصر عند مستوى B3 في مصر، والتي تقل بست درجات عن تصنيف الدرجة الاستثمارية، وهي نفس الدرجة التي حصلت عليها أنجولا وتركيا ونيكاراجوا. وبعد خفض وكالة موديز في فبراير، كان هذا التصنيف هو الأدنى من بين الذي حدده مقيمو الائتمان الثلاثة الرئيسيون.

وأضاف بيان موديز: "إن استمرار نقص سيولة النقد الأجنبي كما يتضح من السوق السوداء على الرغم من تحسن فجوة الحساب الجاري، وتأثير شروط صفقات التبادل التجاري الجديدة على قطاعي الغذاء والطاقة بالفعل، يفاقمان احتمال خفض قيمة الجنيه في السوق الرسمية، وهو الأمر الذي سينتج عنه زيادة التضخم، وتكاليف الاقتراض، ونسبة الدين الحكومي العام إلى مستويات أكثر اتساقًا مع مستوى تصنيف أقل. وهذا على الرغم من قدرة الحكومة الواضحة على زيادة الإيرادات والتفوق على أهداف الفائض المالي الأساس".

 

تحويل سياسي شامل

ويؤكد خبراء أن قتامة الوضع الاقتصادي، ترجع إلى الانخفاض المستمر في السيولة بالعملة الأجنبية، وخاصة الدولار، الذي يمثل 80% من تعاملات الدولة مع الأسواق العالمية، واتساع العجز بصافي الأصول الأجنبية بالبنوك من سالب 24.4 مليار دولار في مايو الماضي إلى سالب 27.1 مليار دولار، في يونيو 2023، بما يبين أن الحكومة ما زالت تعتمد على أموال المودعين وحقوق المستثمرين الراغبين في استعادة عوائد أرباحهم بالدولار، في سداد ديونها ومشترياتها.

أوضح محللون أن استمرار الحكومة في الاعتماد على سحب الدولار من البنوك، دون تعويضها بزيادة الإيرادات من بيع الأصول العامة أو المصريين بالخارج، والتدفقات المالية من الاستثمارات الأجنبية، يمكن أن يؤدي إلى عدم قدرتها على سداد خدمة الديون وشراء احتياجات المواطنين من السلع الرئيسة من الأسواق الدولية وعلى رأسها القمح والوقود.

قال هاني الحسيني الخبير الاقتصادي لـ"العربي الجديد": لم يعد هناك مخرج من الأزمة المالية والاقتصادية، بدون صدور قرار سياسي بإقالة الحكومة، مؤكدًا أن البلاد تحتاج إلى تحويل سياسي شامل، لإدارة أزمة أدخلت الاقتصاد في دوامة دائرية، تعتمد على حلول مالية متشددة وبيع الأصول العامة، لم تخفف من تبعاتها على المواطنين أو تظهر أفقًا زمنيًا لا يمكن تجاوزه.ش