في خطوة مفاجئة ومخالفة لتوقعات كبار الاقتصاديين وخبراء التحليل؛ أعلن البنك المركزي المصري، أول أمس الخميس، رفع أسعار الفائدة الأساسية لليلة واحدة 100 نقطة أساس، وهو ما يشير إلى أن قرار التعويم الجديد للجنيه أصبح مسألة وقت.

وكان 15 من بين 16 محللًا استطلعت رويترز آراءهم هذا الأسبوع توقعوا أن يبقي البنك أسعار الفائدة دون تغيير، بينما توقع الأخير زيادة بمئة نقطة أساس.

وقال البنك المركزي في بيان إن لجنة السياسة النقدية به قررت في اجتماعها يوم الخميس رفع عائد الإقراض لليلة واحدة إلى 20.25% وعائد الإيداع لليلة واحدة إلى 19.25%.

وأضاف البنك "ترى اللجنة أنه من المتوقع أن تصل معدلات التضخم إلى ذروتها في النصف الثاني من عام 2023 وذلك قبل أن تعاود الانخفاض نحو معدلات التضخم المستهدفة والمعلنة مسبقًا، مدعومة بالسياسات النقدية التقييدية حتى الآن".

وتسارع التضخم في المدن المصرية على أساس سنوي إلى أعلى مستوى له على الإطلاق عند 35.7% في يونيو من 32.7% في مايو.

ويستهدف البنك المركزي الوصول بالتضخم إلى ما يتراوح بين 5 و9% بحلول الربع الأخير من 2023 وإلى ما يتراوح بين 3 و7 بالمئة بحلول نهاية 2026.

 

قرار مفاجئ.. تعويم قريب؟

كان القرار مفاجأة لأن معظم المحللين توقعوا عدم حدوث المزيد من الزيادات بالفائدة حتى تقوم مصر ببناء احتياطياتها من العملات الأجنبية بما يكفي لتحقيق خفض آخر لقيمة العملة. إذ يربط البعض بين رفع الفائدة وتخفيض محتمل بالجنيه، وذلك من أجل السيطرة على التضخم الناتج عن انخفاض قيمة الجنيه وسحب السيولة من الأسواق.

ولكن لا يزال من غير المرجح أن "يتبع تحرك سعر الفائدة تعديل فوري للعملات الأجنبية"، وفقًا لمورجان ستانلي. إذ أن الفيصل الآن وفقًا للبنك بعد زيادة سعر الفائدة هو وجود حصيلة دولارية كافية بالبلاد، والتي حُصلت عن طريق الإجراءات التي تم اتخاذها من قبل الحكومة الفترة الماضية، مثل الطروحات الحكومية والشهادات الدولارية وعائدات السياحة.

وقال الاقتصاديون في مورجان ستانلي بمن فيهم ألينا سليوسارشوك في تقرير: "يبدو أن الحكومة تفضل جمع كمية أكبر من العملات الأجنبية قبل السماح للجنيه بالتعويم، لاحتواء التأثير المحتمل على تكلفة المعيشة والحسابات المالية"، وفقًا لـ"Investing".

وأضاف اقتصاديو البنك: "توقعاتنا الأساسية هي أن يظل برنامج صندوق النقد الدولي ساريًا مع المراجعتين الأولى والثانية على الأرجح بين سبتمبر وديسمبر، والتي نعتقد أنها ستتطلب مزيدًا من التعديلات في سعر الصرف ومعدلات الفائدة".

ويتوقع المصرف أن يتم تعديل سعر صرف الجنيه أمام العملات الأجنبية خلال سبتمبر أو أكتوبر المقبل، أي في وقت قريب من المراجعة الأولى والثانية لصندوق النقد الدولي.

وأشار البنك أيضًا إلى أن إحراز تقدم في برنامج صندوق النقد سيكون مهمًا للحكومة المصرية التي تسعى لتأمين التمويل من الصندوق، لكن المراجعة الأولى ما تزال معلقة.

والجدير بالذكر أن تعويم سعر صرف الجنيه أمام العملات الأجنبية أحد أهم شروط صندوق النقد التي تم الاتفاق عليها مع حكومة الانقلاب، ولهذا السبب لم يتم إجراء المراجعة الأولى في مارس الماضي كما كان مخططًا لها، وفقًا لتقديرات الخبراء.

ويتوقع "مورغان ستانلي" إتمام المراجعتين الأولى والثانية بين سبتمبر وديسمبر.

وكان قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي قد حذر في يونيو من تأثير خفض قيمة العملات على ارتفاع الأسعار، قائلًا إن الدولة التي يزيد عدد سكانها عن 100 مليون لن تكون قادرة على تحمل المزيد من ضعف الجنيه.

سُمح للعملة بفقدان نصف قيمتها منذ أوائل العام الماضي، مما ساعد مصر على تأمين حزمة إنقاذ من صندوق النقد الدولي بقيمة 3 مليارات دولار. ولكن على الرغم من التعهد بالتحول إلى سعر صرف مرن، فقد تم تداوله عند حوالي 30.9 للدولار في البنوك المحلية منذ شهور.

 

مسار الجنيه القادم

وجاء قرار البنك المركزي أول أمس بشأن تسعير الفائدة ليلقي بظلاله على مسار الجنيه الفترة القادمة، إذ تشير توقعات عدة إلى تراجع محتمل في قيمة الجنيه إذا ما تم رفع الفائدة.

وغالبًا ما يتزامن إعلان رفع الفائدة مع تعديل محتمل لسعر العملة، خاصة في مصر، وذلك من أجل السيطرة على الأسعار وسحب السيولة من السوق، وهو الأمر الذي حدث في 4 تخفيضات سابقة للعملة.

 

يناير 2023

يوم 4 يناير الماضي، وعقب قرار البنك المركزي، بإعلان زيادة جديدة بأسعار صرف الدولار، أعلن البنك الأهلي المصري وبنك مصر عن طرح شهادة بسعر فائدة قياسية يصل إلى 25% سنويًا وهي الأعلى على مستوى الجهاز المصرفي بهدف تحفيز العملاء على الاستثمار في الجنيه وتقليل صدمة ارتفاع الدولار أمام الجنيه.

وكان سعر الفائدة على الشهادات الجديدة يبلغ نحو 22.5% سنويًا لدورية صرف العائد الشهرية، أو 25% يصرف في نهاية المدة.

وتم طرح الشهادة لمدة سنة واحدة، وكان الحد الأدنى لربط الشهادة يبدأ من أول ألف جنيه. وكانت متاحة للعملاء في فروع البنكين، والقنوات الرقمية (الإنترنت والموبايل البنكي) والكول سنتر (الخط الساخن).

 

أكتوبر 2022

في أكتوبر من العام الماضي عقد البنك المركزي اجتماعًا استثنائيًا ليقرر فيه تعويم الجنيه للمرة الثانية خلال عام بعد زيادة أسعار الفائدة الرئيسة 200 نقطة أساس.

 

مارس 2022

وهو الأمر ذاته الذي حدث في تعويم مارس 2022، وذلك عندما رفع البنك المركزي بشكل مفاجئ أسعار الفائدة 100 نقطة أساس في 21 مارس 2022، وبعدها بساعات حدث تعويم للعملة. حيث وصل سعر عائد الإقراض لليلة واحدة عند 10.25% وسعر عائد الإيداع لليلة واحدة عند 9.25%. وقفز الدولار حينها سعر الدولار إلى 18.50 جنيه في تداولات الثلاثاء 22 مارس 2022 بعدما كان يحوم قرب مستويات الـ 15.50.

الأول.. 2016

وأيضًا ارتبط رفع الفائدة بتعويم منذ 2016 عندما تم رفع فائدة الإيداع والإقراض لليلة واحدة 300 نقطة أساس مرة واحدة إلى 14.75% و15.75% على الترتيب بالتزامن مع تحرير أسعار الصرف، حيث قفز الجنيه حينها فوق مستويات الـ 13 جنيهًا، مقابل 8.88 جنيهات قبل التعويم.

 

رواية انخفاض الجنيه.. رفع الفائدة

تشير الأحداث التاريخية السابق ذكرها إلى أن رفع الفائدة في مصر قد لا يكون انعكاس فقط لمستويات التضخم المرتفعة، بل للسيطرة أيضًا على الارتفاع المتوقع في الأسعار بعد تخفيض الجنيه الذي تتوقعه بنوك ومؤسسات دولية الفترة القادمة، والذي غالبًا ما يتزامن مع رفع الفائدة، ولذلك يربط البعض بين رفع الفائدة وتخفيض الجنيه.

بيد أنه ليس بالضرورة أن يتزامن انخفاض الجنيه مع رفع الفائدة، ولكن الأمر يحدث عندما تكون هناك أسباب واضحة تجعل من الضروري إجراء خفض بقيمة الجنيه، سواء كان ذلك بناءً على شروط صندوق النقد، أو لشح الدولار بالأسواق الناتج عن ارتفاع الطلب عليه وقلة المعروض، أو لأسباب تمويلية مختلفة.

ويبدو أن التراجع في قيمة الجنيه قد تكون مسألة وقت، وفقًا للعديد من الخبراء، ولتقليل هذه الآثار يتم رفع الفائدة لتخفيف الآثار المحتملة بشأن ارتفاع الأسعار الناتجة عن انخفاض قيمة العملة، بجانب أيضًا تعويض الأفراد بفائدة مرتفعة نسبيًا لتقليل آثار التضخم عليهم.

يُذكر أن الدين الخارجي لمصر ارتفع إلى 165.4 مليار دولار في نهاية الربع الثالث من السنة المالية 2022-2023 أواخر مارس الماضي، مقابل 162.9 مليار دولار بنهاية الربع الثاني من السنة ذاتها في ديسمبر 2022، و145.5 مليار دولار بنهاية العام 2021.