سلسلة من الأزمات الخطيرة والمتشابكة تتوالى على القطاع الاقتصادي في مصر، منذ فبراير 2022، وتحديدًا عقب هروب أكثر من 20 مليار دولار من الأموال الساخنة، واندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، والزيادة الكبيرة في أسعار جميع السلع والخدمات الاقتصادية، إضافة إلى تعويم الجنيه.

وتقترب في هذه الأثناء المراجعة الأولى والثانية لبرنامج التمويل المصري المتفق عليه بين صندوق النقد الدولي وحكومة الانقلاب، وفي الوقت ذاته يكثر الحديث حول اقتراب حدوث تخفيض جديد بالجنيه أمام العملات الأجنبية، وذلك باعتبار أن تعويم سعر الصرف كان أحد أهم شروط الصندوق للموافقة على الحزمة التمويلية لمصر.

وتعمل حكومة الانقلاب من أجل تعزيز حصيلة الدولة من العملات الأجنبية خلال الآونة الأخيرة، حيث إن إجراء التخفيض المحتمل للجنيه يتطلب وجود حصيلة دولارية كافية لتغطية الطلب عندما يتم تخفيض الجنيه، وذلك منعًا لتكرار أخطاء الماضي حينما تم تخفيض الجنيه دون وجود غطاء من العملات الأجنبية يكفي لتلبية الطلب، وهو الأمر الذي أعاد الانتعاش للسوق السوداء مرة أخرى آنذاك.

 

4 مؤشرات للتعويم المحتمل للجنيه

1- شهادات ادخار جديدة

أحد أهم المعطيات التي تشير إلى أن الحكومة تكثف جهودها لجمع أكبر قدر من العملات الأجنبية قبل مراجعة صندوق النقد، هو إعلان البنوك التابعة لحكومة الانقلاب عن إصدار شهادات دولارية جديدة بعائد سنوي يصل إلى 7%.

طرح بنكا "مصر" و"الأهلي المصري" شهادتي ادخار جديدتين بالدولار في إطار سعيهما لتعزيز احتياطات العملة الصعبة وجذبها من السوق السوداء، إذ أعلنا عن إصدار شهادتي ادخار بالدولار لمدة ثلاث سنوات، الأولى بعائد يصرف مقدمًا بالجنيه يوازي 27% من مبلغ الإيداع، والثانية بعائد سنوي 7% يصرف كل ثلاثة أشهر بالدولار، وفقًا لـ"Investing".

تأتي هذه الخطوة لحشد مزيد من العملات الأجنبية إلى النظام المصرفي، إذ تم تصميم شهادات الادخار الجديدة لجذب العملات الأجنبية بخاصة من التحويلات آخذة في الانخفاض، أخيرًا، ولا يستبعد "الأهلي المصري" جذب أكثر من 4 مليارات دولار من العملات الأجنبية الجديدة من خلال الشهادات الجديدة.

ووفق البيانات المتاحة، قام المودعون بضخ 3.5 مليار دولار في شهادات الادخار الدولارية التي سبق أن طرحها "البنك الأهلي" بعائد 5.25%، ولن تسأل البنوك عن مصدر الحصول على الدولارات، وهو ما كان يمثل أكبر هاجس لدى شريحة كبيرة من المتعاملين في سوق الصرف أو المضاربين وتجار العملة.

 

2- برنامج الطروحات الحكومية

من بين المؤشرات القوية التي تعزز الاتجاه إلى خفض جديد بقيمة الجنيه مقابل الدولار هو التطورات التي شهدها برنامج الطروحات الحكومية في الفترة الماضية.

أعلن رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، خلال الشهر الحالي، أن حكومته تمكنت من إبرام صفقات لبيع حصص في بعض الشركات ضمن برنامج الطروح الحكومية بقيمة 1.9 مليار دولار، لكنها لم تحصل على تلك الأموال نتيجة لعدم التوصل إلى اتفاقيات نهائية.

وفي غضون ذلك، قال مؤول حكومي لـ "سي إن إن عربية" إن الحكومة تستهدف الحصول على مقابل صفقات بيع حصصها في شركات تابعة لها أعلنت عنها مؤخرًا بقيمة 1.9 مليار دولار، بحلول سبتمبر المقبل.

وأضاف المصدر، أن الحكومة تخطط للتوصل إلى اتفاقيات نهائية بشأن الشركات التي اعلنت عن إبرام صفقات لبيع حصص بها خلال أغسطس المقبل، حيث بدأ المشترون في إجراءات التقييم الخاصة بالشركات المقدم عروض لها.

بيد أن الحصيلة الدولارية التي تمكنت الحكومة من الحصول عليها خلال الفترة الماضية، في ظل إحكام سيطرتها على الواردات، مع تنامي عائدات السياحة وقناة السويس، عززت من الاتجاه إلى تنفيذ أحد أهم اشتراطات صندوق النقد الدولي في شأن الحفاظ على سعر صرف مرن للدولار مقابل الجنيه.

وفي تقرير حديث، أبقى صندوق النقد الدولي، على توقعاته السابقة للنمو في مصر لعام 2023 في تقريره عن مستجدات آفاق الاقتصاد العالمي، ورجح أن يتراجع النمو الاقتصادي في مصر إلى مستوى 3.7% هذا العام، من 6.6% خلال عام 2022، وهو ما توقعه الصندوق سابقًا في إبريل الماضي.

وعلى صعيد التضخم، رفع "الصندوق" توقعاته للتضخم خلال عامي 2023 و2024، ورجح أن ينمو الاقتصاد بنسبة 4.1% خلال العام المقبل، هبوطًا من 5% في توقعاته الصادرة في توقعات إبريل الماضي، ويرجع ذلك إلى ضعف مرونة سعر الصرف، الذي أفضى إلى نقص في سوق الصرف الأجنبية، وهو ما يؤثر في حركة الواردات، كما يثبط ثقة المستثمرين، وذلك بحسب ما قالته نائبة مدير قسم البحوث في صندوق النقد الدولي، بيتيا كوفا بروكس، في تصريحات حديثة.

وتوقع "الصندوق"، أن يظل التضخم فوق مستوى 30% خلال عام 2024، إذ من المرجح أن يصل متوسط التضخم في مصر إلى 24.4% هذا العام، وأن يرتفع إلى 32% خلال عام 2024، ويعد ذلك تغييرًا كبيرًا عن توقعاته في إبريل الماضي التي رجحت أن يصل متوسط التضخم إلى 21.6% هذا العام، وأن يتراجع إلى 18% خلال عام 2024.

 

3- تصريحات صندوق النقد

على الرغم إبقاء الصندوق على توقعاته الخاصة بالنمو في العام الحالي عند 3.7%، وهي نفس توقعات إبريل، فإنه خفض من مستوى توقعات العام المقبل، مرجعًا ذلك بالأساس إلى "ضعف مرونة سعر الصرف، وهو ما أسفر عن نقص في سوق الصرف الأجنبية، بما يؤثر على حركة الواردات، كما يثبط ثقة المستثمرين"، حسبما أوضحت بيتيا كوفا بروكس، نائبة مدير قسم البحوث في صندوق النقد الدولي، للصحافيين، مساء يوم الثلاثاء.

وخفض صندوق النقد الدولي توقعاته للنمو الاقتصادي في مصر في عام 2024 من مستوى 5% في تقرير "آفاق الاقتصاد العالمي" الصادر في شهر إبريل الماضي، إلى 4.1% في تقريره الأخير لشهر يوليو الصادر هذه الأسبوع، فيما رفع توقعاته الخاصة بالتضخم خلال العامين الجاري والمقبل.

وأرجعت بروكس، هذه التغيرات في معظمها إلى انخفاض قيمة العملة المحلية، وهو ما يدعم توصيات الصندوق للحكومة بضرورة تبني سياسات لاستعادة توازن الاقتصاد الكلي، والسيطرة على التضخم وعلى رأسها تبني سياسة صرف أكثر مرونة.

وأكدت بروكس أن صندوق النقد يرى أنه على "الحكومة المصرية تبني سياسات قوية تعيد اختلالات الاقتصاد الكلي، وأيضًا تجعل التضخم تحت السيطرة، وربما يكون الشيء الأكثر أهمية هو السماح بمزيد من المرونة في سوق العملات الأجنبية".

 

4- تقرير "مورجان ستانلي"

أشار تقرير مصرف "مورجان ستانلي" إلى أن الخطر الأول يتمثل في مراجعة وكالة "موديز" للتصنيف الائتماني لمصر والتي يتوقع صدورها أواخر يوليو الجاري أو أوائل أغسطس المقبل.

وكانت وكالة التصنيف الائتماني الشهيرة قد وضعت قدرة مصر على الوفاء بالالتزامات طويلة الأجل بالعملة الأجنبية والمحلية في مايو الماضي قيد المراجعة بهدف خفض التصنيف. وفي حالة حدوث الخفض كما هو متوقع، من شأنه أن يكون الثاني في العام الجاري بعدما خفضته في فبراير 2023 من B2 إلى B3.

فيما يكمن الخطر الثاني في قرار صندوق النقد الدولي بشأن المراجعتين الأولى والثانية للقرض، اللتين توقع البنك إتمامها بين سبتمبر وديسمبر، حيث أبرمت مصر مع الصندوق في ديسمبر الماضي اتفاقًا قيمته 3 مليارات دولار ومدته 46 شهرًا.

وبموجب البرنامج، كان من المخطط إجراء مراجعتين سنويًا، لكن تم إرجاء المراجعة الأولى التي كان من المخطط تنفيذها في مارس الماضي مع بطء الحكومة في تنفيذ الإصلاحات المتفق عليها، ومن بينها التزام مصر بسعر صرف مرن للعملة المصرية، وهو الأمر الذي تسبب في تأخر حصول البلاد على الشريحة الثانية من القرض.

أما الخطر الثالث الذي أشار إليه البنك الاستثماري، هو توقف مبادرة البحر الأسود لنقل الحبوب، وهو اتفاق الحبوب الأوكرانية الذي أعلنت روسيا انسحابها منه في وقت سابق من يوليو الحالي، مع اشتراط موسكو تنفيذ 5 مطالب للعودة مجددًا إلى الصفقة حال الوفاء بها.

يتوقع مصرف "مورغان ستانلي" أن يتم تعديل سعر صرف الجنيه أمام العملات الأجنبية خلال سبتمبر أو أكتوبر المقبل، أي في وقت قريب من المراجعة الأولي والثانية لصندوق النقد الدولي.