زعم الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس وزراء الانقلاب، إن الدولة المصرية حريصة على سداد كل الالتزامات السيادية من ديون وأقساط، متابعًا: «الحمد لله لا نتأخر عن هذا الموضوع».

وأضاف «مدبولي»، خلال مؤتمر صحفي بالعاصمة الإدارية الجديدة، «ما زال لدينا ونعترف بوجود بعض التأخر في بعض التحويلات للشركات الموجودة داخل مصر، حيث تشتكي بأنها ترغب في تحويل أرباحها أو جزء من العوائد أو بعض مستحقات بعض المشروعات».

ومن جهته، علّق الباحث والخبير الاقتصادي عبد الحافظ الصاوي، على تصريحات رئيس الوزراء قائلًا: "إن تحويل أرباح الشركات الأجنبية يمثل نوعًا من الاستنزاف للحصيلة الدولارية".

وأوضح «الصاوي»، في تصريحات لشبكة "رصد"، أن تحويلات الشركات الأجنبية وصلت في العام المالي 2021/2022 نحو 16 مليار دولار بحسب بيانات البنك المركزي وإذا كانت النسبة قريبة من هذه الأرقام فإنها تمثل ضغطًا على الاقتصاد المصري.

وأكد الصاوي أن تصريحات رئيس الوزراء تمثل مؤشرًا غير جيد للمستثمرين الأجانب وتدفعهم لخفض استثماراتهم أو البحث عن دول بديلة، مشيرًا إلى أن هذا التصريح يدفع المستثمرين ممن يبحثون عن فرص أو شراء حصص في الشركات الحكومية المطروحة للبيع والتراجع عن الاستثمار بها.

 

انسحاب ساويرس من الاستثمار في مصر

وفي الثاني من مايو الماضي، أدلى رجل الأعمال، سميح ساويرس، بتصريحات قال فيها إنه لا يرغب في بدء مشاريع جديدة في مصر، مشيرًا إلى شروعه في مفاوضات للاستثمار في السعودية.

وأثارت التصريحات التي أدلى بها ساويرس لوسائل إعلام سعودية، جدلًا في مصر، واعتبرها خبراء اقتصاد مؤشرًا على تدهور المناخ الاقتصادي والاستثماري في مصر، في حين رأى آخرون أنها جاءت في وقت عصيب بالنسبة للاقتصاد، وقد تضر بمساعي الحكومة لجذب المستثمرين إلى البلاد.

 

"أزمة إدارة لا تصريحات"

ومن جهته، قال أستاذ الاقتصاد بالجامعة الأمريكية في القاهرة، سليم عبد الشافي، إن حديث ساويرس لا يعبر إلا عن الأزمة الاقتصادية العميقة التي تعاني منها مصر حاليًا، والتي يرى أنها "أزمة إدارة قبل أن تكون أزمة اقتصاد أو حتى تصريحات".

وأضاف عبد الشافي، في تصريحات لموقع "الحرة" أن استمرار الضبابية في مصر بشأن أمور أساسية ومؤثرة في الاقتصاد لا يعني سوى دفع المستثمرين للخارج، وفي مقدمة تلك الأمور تدخل الحكومة لتثبيت سعر العملة المحلية، الجنيه، ووضع القيود على حركة الاستيراد والتصدير، فضلًا عن فرض مزيد من الضرائب.

وأوضح أن "المؤشرات الاقتصادية لمصر تسير في اتجاه سلبي لا يُشجع على الاستثمار، خاصة بعد انخفاض قيمة الجنيه ونقص العملات الأجنبية وارتفاع التضخم".

وأشار عبد الشافي إلى أن النقص الحاد في الدولار أدى إلى تقليل الواردات وتراكم البضائع في الموانئ، ما كان له تأثير سلبي في الصناعة المحلية، التي لا تبذل الحكومة أي جهد في دعمها وتحفيزها.

وقال أستاذ الاقتصاد إن ساويرس "ليس الوحيد الذي بدأ ينسحب من مصر، خاصة بسبب سيطرة الجيش والحكومة على المشاريع الاقتصادية، مشيرًا إلى أن العديد من المستثمرين سبقوا ساويرس في هذه الخطوة وتوجهوا إلى الخليج باعتباره سوقًا مفتوحًا وحرًا وأكثر استقرارًا".

وتحدث عبد الشافي عن الخبر الذي أثار جدلًا واسعًا خلال الأيام الماضية، بخروج شركة "بيراميدز" للإطارات من مصر، وإعلانها، في بداية مايو الماضي، إنشاء أول مجمع صناعي لصناعة إطارات النقل العام والخاص في السعودية، وذلك بعد تلقيها عروضًا بحوافز استثمارية ممنوحة من المملكة للمشروعات الصناعية، على أن يتم الانتهاء من الإنشاء وبدء التشغيل مطلع 2025.

وأشار الخبير الاقتصادي إلى أن مصر فقدت من خلال انتقال هذا الاستثمار إلى السعودية مليارات الدولارات، التي كان من الممكن أن تساعدها في حل أزمتها الاقتصادية وتسديد فوائد الديون المرتفعة، بالإضافة إلى خسارتها لأن تصبح أحد مراكز صناعة الإطارات في الشرق الأوسط.

وقال إن العديد من رجال الأعمال حاليًا، مثل هشام طلعت مصطفى، الذي يعتبر من أقطاب قطاع العقارات في مصر، أوقف العمل في مشاريعه بسبب الارتفاع الشديد في أسعار الحديد ومواد البناء الأخرى، وبدأ في تسريح العمالة.

وأشار إلى أن بعض رجال الأعمال الذي لا يزالون يعملون في مصر، مثل مالكي شركة "النساجون الشرقيون" للسجاد، قرروا تسجيل شركاتهم في الخارج ولم يعودوا تحت مسمى الشركات المحلية، حتى يستطيعوا التحرك بسهولة في ما يخص توفير العملات الأجنبية وتنظيم الضرائب بالخارج.

وأوضح عبد الشافي أن إدلاء شخص بحجم ساويرس مثل هذه التصريحات، يؤثر سلبًا على قرار المستثمرين حول العالم في السوق المصري، خاصة أنهم يترقبون أن تتضح صورة مناخ الاستثمار في مصر.

 

الفرق بين مصر والسعودية

وتحدث الخبير الاقتصادي، عمر علم الدين، عن الفرق في الإستراتيجية بين مصر ودول الخليج، وعلى رأسهم السعودية والإمارات وقطر، في جذب الاستثمارات الخارجية، موضحًا أنهم نجحوا في أن يصبحوا ملاذًا آمنًا للمستثمرين حول العالم.

وعقد علم الدين مقارنة بين التحفيزات الاستثمارية والإعفاءات الضريبية التي تقدمها السعودية ومصر، وقال إن الرياض تعرض على المستثمرين شراء أراض صناعية بأسعار أقل بأضعاف من مصر، موضحًا أنه يمكن شراء أرض صناعية مساحتها 3 آلاف متر تصلح لبناء مصنع بحوالي 5 آلاف ريال سعودي، فيما تبلغ مساحة المتر الواحد في مصر حوالي 3 آلاف جنيه.

عامل آخر جاذب للمستثمرين يصب في صالح السعودية، تحدث عنه علم الدين، وهو توفر العمالة الرخيصة نسبيًا والماهرة، مشيرًا إلى اعتماد السعودية على العمالة القادمة من دول آسيا، مثل الفلبين والهند والصين وفيتنام، بينما يظل سعر العامل المصري مرتفعًا.

وفي ما يتعلق بتوفر المواد الخام وأسعارها التي تشهد عجزًا في توفرها وارتفاع في أسعارها في مصر، أشار الخبير الاقتصادي إلى أن السعودية ركزت جهودها في الأعوام الماضية على تشجيع الاستيراد من خلال تقديم تحفيزات ودعم على أسعار المواد الخام، ما جعلها نقطة جذب للمستثمرين.

ومشكلة أخرى تعيق الاستثمار هي، بحسب علم الدين، تدخل الجيش والحكومة في المشاريع الاقتصادية، وفي المقابل زيادة الخطوات البيروقراطية على المستثمرين بعكس السعودية، التي طوعت التكنولوجيا لإلغاء أغلب قيود وصعوبات الإجراءات الإدارية والمعاملات البنكية والمالية بشكل عام.

وقال إن مصر خسرت فرصة كبيرة لأن تكون مركزًا عالميًا للعديد من المشاريع المتعلقة بالطاقة النظيفة مثل النيتروجين الأخضر، والذي كان سيضعها على الخريطة العالمية، بسبب تدخل الجيش والحكومة ووضعهما شروطًا تعجيزية أمام المستثمرين، منها الحصول على نسب من الأرباح، رغم أن العديد من الدول الأوروبية وعلى رأسها ألمانيا كانت على استعداد لتمويل هذه المشروعات بملايين الدولارات في مصر.

وأشار إلى أنه لا يمكن القول إن السعودية والإمارات دولًا ديموقراطية ولا يزال ينقصهما كثير من الشفافية بحسب التقارير الدولية، لكنهم نجحوا في خلق مناخ صحي للاقتصاد والاستثمار يعطي المستثمر الثقة في السوق وتحقيق الأرباح التي يحتاج إليها.