يبلغ حجم الاقتصاد المصري نحو 400 مليار دولار، وتُعدّ مصر هي إحدى أكثر دول الشرق الأوسط مديونيةً، ومن أكبر مستوردي القمح في العالم، كما تواجه البلاد نقصًا في العملات الأجنبية، وخفّضت قيمة عملتها الجنيه ثلاث مرات منذ مارس 2022، وفقًا لـ"بلومبرج".

وكانت جهود حكومة الانقلاب تقوم على برنامج الطروحات، لسد جزء من الفجوة التمويلية الدولارية في البلاد الآخذة في التوسع منذ العام الماضي، حيث كان من المخطط أن تجمع مصر ما يقرب من 2 مليار دولار بنهاية شهر يونيو الماضي، ولكن هذا الهدف لم يتحقق.

 

إخفاق حكومة الانقلاب في جمع 2 مليار دولار

منذ الإعلان، في فبراير، عن عزم حكومة الانقلاب طرح 32 شركة حتى مارس 2024، من ضمنها 8 شركات قبل نهاية أغسطس، مع تقديرات بأن تبلغ حصيلة الصفقات ملياري دولار بنهاية السنة المالية الحالية في 30 يونيو؛ فإن الطروحات اقتصرت على بيع 10% من أسهم "المصرية للاتصالات (EGX:ETEL)" بقيمة 150 مليون دولار.

وفي صفقة أخرى، وصفتها مواقع محلية بأنها الأولى في برنامج الطروحات الحكومية، باع بنك مصر الشهر الماضي أيضًا، كامل حصته في "شركة البويات والصناعات الكيماوية (EGX:PACH)" (باكين) إلى شركة إماراتية في صفقة بلغت قيمتها 771 مليون جنيه (25 مليون دولار).

ولم تفصح حكومة الانقلاب عن أي صفقات أخرى، أو إجمالي ما تم بيعه حتى الآن من أصل المبلغ المستهدف الذي يبلغ نحو ملياري دولار من برنامج الطروحات الحكومية قبل نهاية يونيو الماضي.

في حين تتنوع الأصول المطروحة ما بين بنوك، ومحطات كهرباء، وشركات غذائية؛ فإن المشترين المرجحين يتركزون بشكل أساسي في 3 دول خليجية، هي: السعودية والإمارات وقطر، التي تعهدت بمليارات الدولارات لمساعدة مصر على تخطي أزمتها الاقتصادية، لكن صناديقها السيادية وشركاتها التابعة لم تواكب تلك التعهدات بتسريع الاستثمار بالشركات الحكومية المعروضة.

 

صندوق النقد وتخارج الدولة من الاقتصاد

كانت مراجعة صندوق النقد الدولي من المفترض أن تتم في منتصف مارس الماضي، إلا أنه تم تأجيلها لشهر يونيو الماضي، في وقت تتناول تقارير وكالات التصنيف والبنوك العالمية التباطؤ بتنفيذ برنامج الإصلاحات، لا سيما لناحية نقل ملكية عدد من الأصول الحكومية إلى القطاع الخاص، والتفاوت بين السعر الرسمي لصرف الجنيه وسعره بالسوق الموازية، والفروقات مع العقود المستقبلة، مطالبةً بتحرير سعر صرف.

وأكد بنك "HSBC" أن مصر تواجه تحديًا للالتزام ببيع حصص في قائمة هذه الشركات، باعتبار أن مبيعات الأصول معقدة التنفيذ، لكنها تمثل عنصرا رئيسيا في برنامج صندوق النقد الدولي الجديد، وفقًا لـ" إنفستنج".

من جانبه، أكد "مورغان ستانلي" أن النطاق المالي المحدود لمصر يعني ضرورة تطبيق برنامج للطروحات الحكومية "واسع النطاق"، إذا كان ذلك سيضع حدا لأزمة السيولة من النقد الأجنبي المستمرة وسد فجوة التمويل البالغة مليارات الدولارات.

ويرى البنك الأمريكي أن التوسع في برنامج الطروحات "لن يكون سهلًا" حيث ستشكل المصالح السياسية المكتسبة وصعوبات تغيير الإطار التنظيمي عقبات أمام تحقيق نوع الإصلاح اللازم لوضع اقتصاد البلاد على مسار أكثر استدامة.

وأكد "مورغان ستانلي"، أن توقف الطروحات قد يؤدي إلى تدهور معنويات المستثمرين ومشكلات في السيولة من النقد الأجنبي الأجنبية لفترات طويلة.

 

البورصة المصرية وبرنامج الطروحات

وتشكل البورصة المصرية أحد أسرع جهات تمويل الفجوة التمويلية الدولارية في مصر، والتي تصل إلى 40 مليار دولار تقريبًا. لذلك، من المتوقع أن يعزز أداء البورصة أو يسرع برنامج الطروحات الحكومية المقرر.

وخلال النصف الأول من العام الحالي، قفز رأس المال السوقي لأسهم الشركات المدرجة في البورصة المصرية بنسبة 20.9% لتربح الأسهم المدرجة نحو 201 مليار جنيه بعدما ارتفع رأس المال السوقي من مستوى 961 مليار جنيه في إغلاق تعاملات ديسمبر الماضي، إلى نحو 1162 مليار جنيه في إغلاق تعاملات النصف الأول من 2023.

وبعد الأداء الجيد لبورصة مصر خلال النصف الأول من العام الجاري، وفي ضوء الضغوط المحلية والعالمية على الاقتصاد، ماذا كانت ستجني الحكومة من البورصة في حال بدأت برنامج الطروحات خلال النصف الأول من العام الجاري؟

زيادة المعروض الدولاري من خلال جذب استثمارات أجنبية وعربية من عمليات الطرح، كان أهم ما كانت ستجنيه خلال تلك الفترة. وبدوره فإن صندوق النقد الدولي كان سينتهي من المراجعة الثانية لبرنامج التسهيل الائتماني البالغ 3 مليارات دولار، ليقوم بصرف الدفعة الثانية البالغة 350 مليون دولار.

بالإضافة إلى ذلك، ستتراجع أسعار الفائدة التي تدفعها حكومة الانقلاب على القروض الدولية، من مؤسسات التمويل الدولية نتيجة التحسن الأكيد للتصنيف الائتماني.

 

معالجة الخلل

ويرى كبير الاقتصاديين في مجموعة "إي إف جي" القابضة، محمد أبو باشا، أن الأفضل هو "معالجة خلل سعر الصرف القائم؛ لأن هذا هو أكبر عائق أمام زيادة المعروض من النقد الأجنبي في السوق الرسمية". وبالتالي هو لا يرجح أن يكون للشهادات التي تُدرس من قِبل البنوك مردود كبير؛ "فهي حل مؤقت".

جرى تداول الجنيه خلال آخر أسبوعين عند نحو 38-39 جنيهًا للدولار بالسوق الموازية، مقارنة مع 30.9 جنيه للدولار في السوق الرسمية، وفقًا لـ"بلومبرج".

لكن الخبير المصرفي، أيمن ياسين، يرى أن دراسات طرح شهادة دولارية بعائد دولاري "أمر به مخاطر على البنوك المصدّرة لتلك الشهادات، في ظل تراجع التضخم العالمي واتجاه الفيدرالي لخفض الفائدة.. من أين ستدفع البنوك الفائدة المرتفعة؟ الناس ستكون خائفة لعدم وجود ضمانات لاسترداد أموالها بالدولار".

وحاولت مصر خلال الشهور السابقة توفير سيولة دولارية، فعملت على بيع بعض من أصولها للمستثمرين، لكنها لم تجمع حتى الآن غير نحو 150 مليون دولار فقط من إجمالي ملياري دولار تطمح بالوصول إليها قبل نهاية يونيو الحالي، حيث تواجه البلاد رياحًا معاكسة ناتجة عن تدهور سعر صرف الجنيه، والغموض المحيق بالمراجعة الأولى لبرنامج صندوق النقد الدولي، وتصلُّب المستثمرين الخليجيين لناحية تسعير الصفقات.

تحتاج مصر إلى فتح روافد تمويل خارجية جديدة لتلبية الطلب المتراكم لديها على العملات الأجنبية من المستوردين والشركات الأخرى. ولم تتلقّ الدولة مليارات الدولارات من التمويل الموعود حتى الآن.. لكن سانديب يرى أن دول الخليج العربي "لا يمكنها ترك مصر تفشل، فهي مصدر استقرار رئيس للمنطقة".