يوم التروية هو اليوم الثامن من شهر ذي الحجة، وهو اليوم الذي يبدأ فيه الحجاج مناسك الحج بعد أن أنهوا طواف القدوم، ويستعدون فيه لأداء ركن الحج الأعظم والوقوف بعرفة في اليوم التاسع من ذي الحجة، وتتعدد أعمال يوم التروية للحجاج، كما يمكن لغير الحجاج اغتنام هذا اليوم بالطاعات والعبادات.

 

أعمال ما قبل يوم التروية

وتتعدد الأسباب وراء تسمية يوم التروية بهذا الاسم، فوفقا لما أوضحت دار الإفتاء سمي الثامن من ذي الحجة بيوم التروية لأن الحجاج كانوا يتزودون بالماء قبل يوم التروية قديمًا، وذلك لأن تلك الأماكن لم تكن بها ماء فكانوا يتروون من الماء إليها.

وكانت أعمال التروية تكون قبل يوم التروية ويوم عرفة استعدادًا لأداء مناسك الحج، حيث كان الحجاج يروون فيه من الماء من أجل ما بعده من أيام، فقالت الإفتاء إنه قال العلامة البابرتي في "العناية شرح الهداية" (2/ 467): "وَقِيلَ: إنَّمَا سُمِّيَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَرْوُونَ بِالْمَاءِ مِنْ الْعَطَشِ فِي هَذَا الْيَوْمِ يَحْمِلُونَ الْمَاءَ بِالرَّوَايَا إلَى عَرَفَاتٍ وَمِنًى" اهـ.

 

لماذا سمي يوم التروية بيوم التروية؟

فيما روي أن يوم التروية سمي بذلك، لحصول التروي فيه من نبي الله إبراهيم في ذبح ولده إسماعيل عليهما السلام؛ حيث قال العلامة العيني في "البناية شرح الهداية" (4/ 211): "وإنما سمي يوم التروية بذلك؛ لأن إبراهيم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ رأى ليلة الثامن كأنَّ قائلًا يقول له: "إن الله تعالى يأمرك بذبح ابنك"، فلما أصبح رؤي، أي: افتكر في ذلك من الصباح إلى الرواح؛ أمِنَ الله هذا، أم من الشيطان؟ فمِن ذلك سمي يوم التروية" اهـ.

 

أعمال يوم التروية

1- يستحب للذين أحلوا بعد العمرة - وهم المتمتعون أو من فسخوا إحرامهم إلى عمرة من القارنين والمفردين - أن يحرموا بالحج ضحى من مساكنهم. وكذلك من أراد الحج من أهل مكة. أما القارن والمفرد الذين لم يحلوا من إحرامهم فهم باقون على إحرامهم الأول. لقول جابر رضي الله عنه في صفة حج النبي (صلى الله عليه وسلم): "فحل الناس كلهم وقصروا، إلا النبي صلى الله عليه وسلم ومن كان معه هدي، فلما كان يوم التروية، توجهوا إلى منى، فأهلوا بالحج" (مسلم: 2137).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "فإذا كان يوم التروية أحرم وأهلّ بالحج، فيفعل كما فعل عند الميقات، وإن شاء أحرم من مكة، وإن شاء من خارج مكة هذا هو الصواب، وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إنما أحرموا كما أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم من البطحاء، والسُّنّة أن يحرم من الموضع الذي هو نازل فيه، وكذلك المكي يحرم من أهله".

 

2- يستحب لمن يريد الإحرام الاغتسال، والتنظف، والتطيب، وأن يفعل ما فعل عند إحرامه من الميقات.

 

3- ينوي الحج بقلبه ويلبي قائلًا: لبيك حجًا، وإن كان خائفًا من عائق يمنعه من إتمام حجه اشترط، فقال: فإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني، وإذا كان حاجًا عن غيره نوى بقلبه الحج عن غيره، ثم قال: لبيك حجًا عن فلان، أو عن فلانة، أو عن أم فلان إن كانت أنثى، ثم يستمر في التلبية "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك"، وإن زاد: "لبيك إله الحق لبيك"، فحسن لثبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.

 

4- يستحب للحجاج التوجه إلى منى ضحى اليوم الثامن قبل الزوال والإكثار من التلبية.

 

5- يصلي الحاج بمنى الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، وفجر التاسع قصرًا بلا جمع، إلا المغرب والفجر فلا يقصران؛ لقول جابر رضي الله عنه: "وركب النبي صلى الله عليه وسلم إلى منى, فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، ثم مكث قليلًا حتى طلعت الشمس" (رواه مسلم: 2137). ويقصر الحجاج من أهل مكة الصلاة بمنى، فلا فرق بينهم وبين غيرهم من الحجاج، لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بالناس من أهل مكة وغيرهم قصرًا ولم يأمرهم بالإتمام، ولو كان واجبًا عليهم لبينه لهم.

 

6- يستحب للحاج أن يبيت بمنى ليلة عرفة؛ لفعله صلى الله عليه وسلم. فإذا صلى فجر اليوم التاسع مكث حتى تطلع الشمس، فإذا طلعت سار من منى إلى عرفات ملبيًا أو مكبرًا، لقول أنس رضي الله عنه: "كان يهل منا المهل فلا ينكر عليه، ويكبر منا المكبر فلا ينكر عليه" (رواه البخاري: 1549) بلفظه، و(مسلم: 2254)، وقد أقرهم النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، لكن الأفضل لزوم التلبية؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لازمها.

 

7- ما تم ذكره من أعمال اليوم الثامن يسن للحاج فعلها تأسيًا بالرسول صلى الله عليه وسلم، وليست واجبة، فلو قدم إلى عرفة يوم التاسع مباشرة جاز، لكن لابد أن يقف بعرفة محرمًا، سواء أحرم يوم الثامن أو قبله أو بعده.

قال الشيخ صالح الفوزان: "ثم يخرج إلى منى من كان بمكة محرمًا يوم التروية، والأفضل أن يكون خروجه قبل الزوال، فيصلي بها الظهر وبقية الأوقات إلى الفجر، ويبيت ليلة التاسع، لقول جابر رضي الله عنه: "وركب النبي صلى الله عليه وسلم إلى منى، فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، ثم مكث قليلًا حتى طلعت الشمس" (رواه مسلم: 2137). وليس ذلك واجبًا بل سنة، وكذلك الإحرام يوم التروية ليس واجبًا، فلو أحرم بالحج قبله أو بعده، جاز ذلك، وهذا المبيت بمنى ليلة التاسع، وأداء الصلوات الخمس فيها سنة، وليس بواجب".