يظل شبح التخلف عن سداد الديون يطارد حكومة الانقلاب، ولا زالت الحكومة تعاني من شح أزمة الدولار، وتقليل حجم الصادرات، وحجز البضائع في الموانئ، وهو ما نتج عنه ارتفاع كبير في الأسعار وزيادة معاناة المواطن.

وقالت وكالة رويترز إن مصر تواجه مهمة تزداد صعوبة يومًا بعد يوم لجمع السيولة المطلوبة لسداد ديونها الخارجية، بعدما ارتفع الاقتراض الخارجي في الأعوام الـ8 الماضية إلى 4 أمثاله.

جاء ذلك في تقرير للوكالة ذكرت فيه أن الديون استخدمت في تمويل بناء عاصمة جديدة وتشييد بنية تحتية وشراء أسلحة ودعم عملة، مبالغ في تقدير قيمته.

وأوضحت الوكالة أن القليل من المشروعات الضخمة في مصر يدرّ تدفقات إضافية من العملة الصعبة، في حين فاقم المستثمرون الأجانب المتاعب بالعزوف عن مصر وغيرها من الأسواق الناشئة منذ اندلاع الحرب الأوكرانية وزيادة تكاليف الاقتراض العالمية.

 

كم ديون مصر حتى 2026؟

وفي الوقت نفسه وفيما تشير البيانات الرسمية إلى ارتفاع احتياط مصر من النقد الأجنبي للشهر الخامس على التوالي إلى 34.224 مليار دولار في يناير، من 34.003 مليار دولار في ديسمبر الماضي، بزيادة بلغت 221 مليون دولار.

ويبلغ إجمال قيمة الالتزامات على مصر خلال العام المالي الحالي 2022 و 2023 نحو 20.2 مليار دولار منها نحو 8.7 مليار دولار خلال النصف الأول الذي انتهى في ديسمبر 2022، وفق بيانات البنك المركزي المنشورة في تقريره على موقعه الإلكتروني.

ووفق البنك المركزي فإن الدول العربية تمتلك 25.1 في المئة من الديون الخارجية لمصر، بينما يمتلك صندوق النقد الدولي نحو 15 في المئة منها، فيما تنتظر مصر جدول سداد مزدحمًا خلال الأعوام القليلة المقبلة. وبخلاف 26.4 مليار دولار ديون قصيرة الأجل يتعين سدادها خلال عامين، فهناك ديون متوسطة وطويلة الأجل تجاوزت 72.4 مليار دولار حتى نهاية 2025، وفقًا لـ"إندبندنت".

وبحسب جدول سداد الدين الخارجي متوسط وطويل الأجل فإنه يتعين على مصر سداد 8.32 مليار دولار حتى نهاية يونيو 2023، وفي عام 2024 يجب سداد 10.9 مليار دولار خلال النصف الأول، و13.3 مليار دولار في النصف الثاني من العام.

وخلال عام 2025 يجب سداد 9.3 مليار دولار في النصف الأول و5.8 مليار دولار في النصف الثاني من العام، أما في عام 2026 فيتعين سداد 6.6 مليار دولار خلال النصف الأول من العام بخلاف 10.2 مليار دولار خلال النصف الثاني.

 

لماذا تراكمت الديون على مصر؟

خلال الأعوام الثمانية الماضية، ارتفع الاقتراض الخارجي إلى أربعة أمثاله، وأظهرت بيانات للبنك المركزي أن القروض الخارجية قفزت إلى 162.9 مليار دولار بحلول ديسمبر 2022 من أقل من 40 مليار دولار في 2015.

وقفز الاقتراض في الربع الأخير من 2022 وحده ثمانية مليارات دولار.

ويشير الخبير الاقتصادي، عبدالنبي عبدالمطلب، أن سياسة الاقتراض جاءت استنادًا على "نظرية اقتصادية" مفادها "كلما زادت قدرتك على الاقتراض كلما ازداد جذب الاستثمار الأجنبي المباشر".

وحققت تلك النظرية "نجاحًا وهميًا"، وبمجرد بدء الاقتراض جاءت للبلاد حوالي 30 مليار دولار من الأموال الساخنة، التي سرعان ما انسحبت من السوق المصري بعد الحرب الروسية الأوكرانية، وفقًا لحديثه لموقع "الحرة".

وقد أثر ذلك "سلبًا على الوضع الاقتصادي في مصر"، وأدى لتراكم الديون على البلاد، حسب عبدالمطلب.

 

كيف يمكن الوفاء بالالتزامات الخارجية؟

يمكن لمصر الوفاء بكافة الالتزامات الخارجية، من خلال حلين لا ثالث لهما، أما من خلال "إجراءات ثورية" تتعلق بـ"السحب من الاحتياطي النقدي للبلاد" ضاربة بتوصيات صندوق النقد الدولي "عرض الحائط"، على حد تعبير عبدالمطلب.

ويقول "وقتها تستطيع مصر المناورة بما قيمته حوالي 10مليار دولار"، ويتم من خلالها "دعم الجنيه" بقرابة 6 مليار دولار خلال هذا العام.

وحسب حديثه فيمكن من خلال الستة مليارات دولار "الوفاء بقيمة البضائع المحجوزة في الموانئ المصرية"، ما يؤدي لانتعاش اقتصادي وإعادة الثقة في الاقتصاد المصري.

والثلاثاء، أعلن "البنك المركزي المصري" أن صافي الاحتياطيات الدولية للبلاد وصل إلى 34.660 مليار دولار بنهاية مايو، وذلك مقابل 34.551 مليار دولار في إبريل.

وخلال العامين الماضيين، سحبت مصر من صافي الأصول الأجنبية في النظام المصرفي أكثر من 40 مليار دولار، وتم استخدم جزء منها لدعم الجنيه، وفقًا لـ"رويترز".

ويتعلق الحل الثاني بالاستجابة لمطالب صندوق النقد الدولي بتخفيض قيمة العملة المحلية، رغم خطورة ذلك في هذه المرحلة، حسب عبدالمطلب.

ويوضح أن تخفيض قيمة العملة يحتاج إلى "القفز على الأسعار" في السوق الموازية.

ويشير لتخوف بـ"عدم قبول صندوق النقد الدولي بهذا التخفيض" كبادرة على إثبات أن الحكومة ماضية في تنفيذ تعهداتها، ومطالبته بإدراج أسهم الشركات التي تم الإعلان عنها في البورصة.

وسيكون لذلك "مخاطر كبيرة" في ظل التضخم العالمي و"ازدحام سوق السندات الدولارية"، ولذلك فمن الأفضل "السحب من الاحتياطي النقدي" لتسوية المديونات المقررة خلال 2023، وفقا للخبير الاقتصادي.

 

السحب من الاحتياطي النقدي

ومن جانبه يرجح أستاذ الاقتصاد السياسي ومستشار البنك الدولي السابق، عمرو صالح، سيناريو "السحب من الاحتياطي النقدي".

ويقول "هذا هو الهدف الأساسي لوجود الاحتياطي النقدي لدى الدول ويمكن السحب منه عند وجود أزمات".

وسيتم السحب لتمويل المدفوعات وهي ليست "كبيرة"، ويمكن تدارك أثار ذلك من خلال "إصدار أذونات خزانة أو الحصول على قروض من صناديق الاستثمار أو بنوك التمويل الدولية سواء الأفريقية أو العربية"، وفقا لمستشار البنك الدولي السابق.

أما أبوبكر الديب فيطالب حكومة الانقلاب باتخاذ 5 خطوات عاجلة لسرعة سداد الدين أهمها التوقف عن اقتراض الأموال من جديد، وجدولة وتنظيم تلك الديون، وترشيد الإنفاق، وتطوير الثقافة المالية.

وتحتاج مصر لإجراءات لعلاج الأزمة منها تحديد جدول الأولويات في الاستثمارات الحكومية وضغط الإنفاق وتنشيط السياحة والصناعة والصادرات ودعم الزراعة والتجارة وتمكين القطاع الخاص، وفقًا لحديثه.

ويشير إلى ضرورة تبني الحكومة لتدابير وسياسات وإجراءات من شأنها تحقيق الانضباط المالي، والتحرك باتجاه مستويات أكثر استدامة للدين العام، وتبني استراتيجية اقتصادية متوسطة الأمد لترشيد الاستهلاك وتنمية الموارد وفتح الاستثمارات وفك كل القيود على المستثمرين.