نفى قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي بأن يكون بناء العاصمة الإدارية قد اعتمد على موازنة الدول، وقال: "والله العظيم والله العظيم ما خدنا جنيه من الدولة عشان نعمل العاصمة الإدارية، هو الدكتور محمد معيط (وزير المالية) معه أي أموال حتى يعطينا؟!".

وجاءت تصريحات السيسي، الأربعاء الماضي، خلال مناقشة مشروعات العاصمة الإدارية الجديدة، ردًا على انتقادات لمشروعات أطلقها، تؤكد أنها حمّلت ميزانية الدولة فوق طاقتها، مما أدى إلى أزمة اقتصادية عميقة وتضخم بلغ نحو 40%، فضلا عن خسارة العملة المصرية أكثر من نصف قيمتها في نحو عام.

 

كيف أنفقت مصر على العاصمة الإدارية؟

لكن الخبراء الاقتصاديين أكدوا أن العاصمة الإدارية اعتمدت على القروض من جهة، وعلى ميزانية الدولة من جهة أخرى، وعلى الجهات المنفذة الخارجية من جهة أخيرة.

وقالت أستاذة الاقتصاد في جامعة القاهرة، عالية المهدي، إنه "من المؤكد أن الدولة أسهمت في الإنفاق على العاصمة الإدارية بدليل القروض التي حصلت عليها، سواء لتنفيذ الأبراج التي يتم بناؤها، أو القطارات الكهربائية والمونوريل التي تمر كلها على العاصمة الإدارية، والتي تعتبر النقطة الأساسية فيها ومن أجلها تم تنفيذ هذه المشروعات".

وبحسب صحيفة "الشروق"، فقد كانت وزارة الإسكان وقعت عام 2019 اتفاقية مع مجموعة البنوك الصينية لتمويل وتصميم وإنشاء منطقة الأعمال المركزية بالعاصمة الإدارية الجديدة، بقيمة 3 مليار دولار.

وإجمالا، سيتعين على مصر دفع أكثر من 100 مليار دولار من الديون المحلية والأجنبية في السنوات المقبلة، وفقا لما نقلته صحيفة "وول ستريت جورنال" عن شركة الأبحاث البريطانية "أكسفورد إيكونوميكس".

وتضيف المهدي: "في تصوري أن الدولة تتحمل هذه القروض، كما أنها تتحمل بالطبع جزءًا من الإنفاق الذي يتم في العاصمة من خلال الهيئات الاقتصادية التي من المفترض أن تشكل جزءًا من الموازنة العامة للدولة".

وفي إبريل 2016، تم تأسيس شركة مساهمة مصرية تتولي تنمية وإنشاء وتخطيط العاصمة الإدارية الجديدة. تم تأسيسها بالشراكة بين القوات المسلحة، وهيئة المجتمعات العمرانية التابعة لوزارة الإسكان. وتم تعيين مجلس إدارة بأعضاء ممثلين عن الطرفين.

ووفقا لحساب "صحيح مصر" على تويتر، المتخصص في تدقيق تصريحات المسؤولين، فقد وصل المبلغ المخصص خلال عامين ماليين، من موازنة هيئة المجتمعات العمرانية للعاصمة الإدارية الجديدة، إلى نحو 17 مليار جنيه، (وذلك) لاستكمال تنفيذ مرافق الأسبقية الأولى في العاصمة بمساحة 10.5 ألف فدان وعمارات الحي السكنى، "وهو ما يتناقض مع تصريحات السيسي".

طالع بالفيديو ( من هنا ).

 

200 مليار جنيه استثمارات للعاصمة الإدارية

وبحسب جريدة الشروق، بدأت وزارة الإسكان، في نوفمبر 2019، الإنفاق على مشروعات العاصمة الإدارية لحين وصول الشريحة الأولى من القرض، وكان أول مبلغ بقيمة 28 مليار جنيه من إجمالي استثمارات معتمدة، تبلغ 200 مليار جنيه حتى 2022.

ويساوي الدولار نحو 31 جنيها وفق السعر الرسمي حاليًا، بينما يزيد عن ذلك بالسوق الموازية.

وتقول المهدي: "من المفترض أن تكون ميزانيات هذه الهيئات الاقتصادية جزءًا من الموازنة العامة للدولة، إذا كان لدينا وحدة موازنة فعلاً، وأي إنفاق وأي إيرادات تكون مسجلة بها، وكذلك أي فائض ربح يدخل للموازنة العامة، ثم يتم تخصيص موازنة للهيئة، لكن هذا لا يحدث".

ولا تندرج موازنة هيئة التنمية العمرانية في الموازنة العامة للدولة، إلا بعد الانتهاء من إعداد الموازنة بشكل كامل، ويتم ربطها بموازنة الدولة عبر قانون ربط الموازنة.

وتلفت المهدي، في تصريحات خاصة لموقع "الحرة"، إلى أنه "حتى الأرض المبني عليها العاصمة ملك الدولة أساسًا، وعندما تباع من المفترض أن تدخل إيراداتها، أو جزء من إيراداتها، للدولة، وجزء منها يذهب للهيئات الاقتصادية".

وتضيف: "الدولة بالطبع تتحمل جزءًا من الإنفاق الذي يتم في العاصمة من خلال الهيئات الاقتصادية يؤثر على موازنة الدولة في النهاية، ومن المؤكد أن الحكومة هي التي يجب عليها في النهاية أن تسدد أموال القروض التي حصلت عليها هذه الهيئات".

 

أرقام "مضللة"

في المقابل يرد مستشار وزير التموين سابقًا، مدحت نافع، بأن الأرقام التي تشير إلى تحمل الدولة تكاليف إنشاءات في العاصمة "قد تكون مضللة، لأنه قد يكون الإنفاق قد تم بالفعل، لكن تتم استعادته من ناحية أخرى، أو في حساب آخر".

ويوضح "قد أكون قد أنفقت اليوم 100 جنيه، وواضح أن هذا قد الرقم خرج من جيبي لثمن الأرض ثم أعدت تهيئتها، ثم بعت هذه الأرض بثلاثة آلاف جنيه، وفي هذه الحالة لا يمكن القول إنني تكلفت أموالاً في هذه العملية".

ويضيف: "المعنى المقصود من حديث السيسي ليس النفي التام أن هناك مبلغًا ماليًا تم تقديمه من قبل الحكومة، ولكن عدم تحمل تكاليف لم تتم استعادتها، أي أن الدولة تحملت تكاليف ولكنها استعادتها، وحققت بعدها أرباحًا".

وفيما يتعلق بعدم استعادة الدولة تلك الأموال، وإحالتها إلى شركة العاصمة بدلاً من ذلك، قال نافع، وفقًا لموقع "الحرة" "هذا الكلام غير دقيق، لأنه صحيح أن الأرض التي كانت صحراء وخالية تمامًا كانت تتبع الدولة، لكن كم كان ثمنها قبل الترفيق (إعدادها للخدمات والمرافق)، ثم كم أصبح السعر بعد الترفيق؟ وماذا بعد أن اكتمل تنفيذ بعض المشروعات بالفعل".

وأضاف: "سيظل الرقم الأول، وهو قيمة الأرض مبلغًا بسيطًا جدًا، مقارنة بما عليها الآن"، مشيرًا إلى أنه "يمكن لمؤسسات الدولة المختلفة، مثل مجلس النواب، أن يطالب بعودة بعض الأموال للدولة، وهذا في حالة إذا لم يكن التخصيص قد صدر للقوات المسلحة، لكن ليس من حق مجلس النواب مثلاً أن يطالب بأن تعود كل إيرادات هذا المشروع للدولة".

 

الدولة تدفع إيجار المباني للدولة!

ورغم حديث السيسي بأن الدولة لم تتحمل أي تكلفة، فإنه أعاد إلى الأذهان تصريحاته السابقة منتصف العام الماضي، بأن إيجار مقرات الحكومة في العاصمة الإدارية الجديدة سيكون 4 مليارات جنيه سنويًا.

وتستنكر المهدي تصريحات السيسي قائلة: "ماذا يعني أن الدولة تدفع إيجارًا للدولة، لا أفهم هذا الكلام بصراحة، من الذي أعطى هذه الأرض أساسًا لشركة العاصمة".

وفيما يتعلق بسبب إنشاء شركة لإدارة مدينة، وهو أمر غريب بحسب وصف المهدي، قال نافع "كان يجب إدارة العاصمة الإدارية من خلال هيئة، ورؤى أن الإدارة من خلال شركة سيكون أفضل وأكفأ من إدارتها من قبل مجلس محلي".

وأضاف: "إذا تم تخصيص لها محافظ ومجلس محلي سيكون حالها مثل كل المحافظات والمدن التي تعاني من كثير من المشكلات، لكن عندما تكون شركة ولديها أهداف يجب أن تحققها ستتمكن من التسويق والبيع والإدارة بشكل كفء لإدارة المرافق والحفاظ على مستوياتها".

 

الصندوق السيادي

لكن المهدي تقول "يريدون أن يبيعوا الوزارات ومبانيها ومنشآتها، ثم تدخل أموال هذه العمليات للصندوق السيادي، رغم أن هذه الوزارات ملك للشعب المصري، وإذا بيعت لابد أن تدخل هذه الأموال في الموازنة العامة للدولة وليست للصندوق السيادي".

وتأسس صندوق مصر السيادي بقانون رقم 177 لسنة 2018 وصدر نظامه الأساسي في فبراير بقرار رئيس الوزراء رقم 555 لسنة 2019، وتتم إدارته بشكل مستقل، إذ يشرف عليه مجلس إدارة بالإضافة إلى جمعية عامة غالبية أعضائهما من القطاع الخاص".

وبحسب الهيئة العامة للاستعلامات الحكومية، "يعمل الصندوق من خلال قانون خاص يسمح بتكوين شراكات استثمارية تتيح له خلق فرص استثمارية في مجموعة أصول فريدة للمستثمرين ودعم دور الحكومة في تنفيذ الإصلاحات الهيكلية مما يؤدي لزيادة النمو الاقتصادي في مختلف القطاعات".

وتضم محفظة صندوق مصر السيادي العديد من الأصول، مثل مبنى مجمع التحرير، ومبنى وزارة الداخلية، ومبنى الحزب الوطني، وأرض ومباني المدينة الاستكشافية، ومبنى القرية الكونية بمدينة السادس من أكتوبر، فضلًا عن أرض ومباني ملحق معهد ناصر، وأرض حديقة الحيوان بطنطا، وذلك بموجب قرار السيسي بزوال صفة النفع العام عن عدد من الأراضي والعقارات أملاك الدولة العامة، ونقلها لملكية الصندوق.