استنكر موقع "ميدل إيست مونيتور" غلاء الأسعار المبالغ فيه بمصر، مسلطًا الضوء على ارتفاع أسعار اللحوم الذي يدفع المصريين إلى التخلي عن تناوله وسط أزمة اقتصادية حادة.
وفي تقرير كتبه "محمود حسن"، عبر مواطن مصري عن أسفه، منتقدًا الارتفاع القياسي في أسعار اللحوم وعدم قدرة ذوي الدخل المحدود على تحمل حتى جرامات قليلة، قائلًا: "قد نعود إلى الأيام الخوالي، نتناول اللحوم مرة واحدة في العام".
وذكر "ميدل إيست مونيتور" أن أسعار اللحوم في مصر شهدت ارتفاعات فلكية في الأشهر الأخيرة، مما دفع بالبروتين الحيواني بعيدًا عن موائد الطعام المصرية، خاصة مع تدهور الوضع الاقتصادي في البلاد، والانخفاض الحاد في قيمة العملة المحلية مقابل الدولار، وانهيار قوة المواطنين الشرائية".
ووصل سعر كيلوجرام اللحم البقري في الأسواق المصرية إلى 350 جنيهًا مصريًا، بينما ارتفعت تكلفة لحم الإبل إلى 300 جنيه مصري في أسواق التجزئة.
وتتفاوت الأسعار من منطقة إلى أخرى، وسط عدم وجود سيطرة حكومية، حيث تتجاوز الأسعار في بعض أحياء القاهرة 400 جنيه. ويمكن أن تصل قيمة بعض قطع اللحم الممتازة إلى 450 جنيهًا.
وتتزايد المخاوف من أن يصل سعر اللحوم إلى 500 جنيه للكيلوجرام قبل عيد الأضحى، وسط موجة تضخم غير مسبوقة أصابت جميع السلع والخدمات في البلاد.
منذ يناير الماضي، سجلت أسعار اللحوم ارتفاعات قياسية تراوحت بين 80 في المائة و 100 في المائة بعد أن تجاوزت 200 جنيه لتصل إلى 400 جنيه للكيلوجرام. وقد أدى ذلك بالعديد من المصريين إلى التخلي عن اللحوم والبحث عن بدائل أخرى، مثل الدواجن والأسماك.
الأسر الفقيرة في القرى والمدن في جميع أنحاء مصر تغلي العظام لتصنع مرق (شوربة)، مما يوفر بعض مظاهر رائحة اللحم، والتي قد تساعد في درء الجوع لأولئك الذين سحقهم الفقر وارتفاع التكاليف.
وأخبر الجزار "أبو طارق"، موقع "ميدل إيست مونيتور" أن أسعار العظام قد ارتفعت بسبب الطلب المتزايد. ويضيف أن الجزارين يقطعون العمود الفقري ويبيعونه بسبعة إلى عشرة جنيهات للكيلوغرام الواحد، فيما وصل سعر "العمود" إلى 30 جنيهاً، شيء تم منحه مجانًا في الماضي.
قبل أشهر قليلة، اندلع جدل كبير في مصر بعد تداول صور لمؤسسة خيرية توزع عظام الماشية على الأسر ذات الدخل المحدود في محافظة الإسكندرية، متفاخرة بفوائد العظام، مما أثار انتقادات واسعة النطاق على منصات التواصل الاجتماعي.
ويستبدل العديد من المصريين الآن اللحوم الحمراء بما يعرف بالعامية باسم "فواكه اللحم" أو "اكسسوارات البهائم"، بما في ذلك الكرشة بتكلفة 100 جنيه مصري، والرئتين بسعر 150 جنيه مصري، والسجق بسعر 100 جنيه مصري، ولحم الرأس بسعر 250 جنيه، والطحال بسعر 200 جنيه، واللسان 250 جنيه، وقدم العجل بسعر 200 جنيه، والكبد والقلب 320 جنيه للكيلوجرام الواحد، بحسب باعة السوق بمحافظة الجيزة.
وقال "ميدل إيست مونيتور": "انشغلت وسائل الإعلام المصرية، في ديسمبر الماضي، بالترويج لفوائد أقدام الدجاج التي ارتفع سعرها في السوق المحلي بسبب زيادة الطلب، حيث وصل إلى 30 جنيهًا للكيلوجرام. بالإضافة إلى ذلك، يبلغ سعر كيلو ذبائح الدجاج 40 جنيهًا والأجنحة 55 جنيهًا والرقبة 75 جنيهًا ولحوم الدجاج 76 جنيهًا للكيلوجرام".

انخفاض الاستهلاك
أفادت دراسة للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، أن التضخم أجبر 93.1 في المائة من الأسر المصرية على خفض استهلاكها للبروتينات (اللحوم والدواجن) و 92.5 في المائة من الأسر على خفض استهلاكها من الأسماك في نوفمبر الماضي.
وانخفض متوسط ​​استهلاك الفرد من اللحوم في مصر سنويًا من 10.7 كجم في عام 2017 إلى 7.3 كجم في عام 2020. ومع ذلك، قد يكون هذا المعدل في طريقه للتراجع إلى أرقام منخفضة غير مسبوقة.
إلا أن جزارًا بمحافظة سوهاج سعى للتخفيف من معاناة المصريين، حيث أطلق مبادرة لبيع اللحوم بالقطعة، حيث بلغ سعر القطعة 100 جرام 28 جنيهًا مصريًا و 80 جرامًا بسعر 22 جنيهًا.

ارتفاع مستمر
يبلغ سعر الكيلوجرام من اللحم البقري حالياً حوالي 135 جنيهاً ولحم الجاموس 125 جنيهاً، وهو سعر الماشية الحية قبل ذبحها وسلخها وبيعها في سوق التجزئة.
ويرجع ذلك إلى ارتفاع أسعار العلف الحيواني، حيث وصل سعر علف الماشية إلى 25 ألف جنيه للطن، وتكلفة فول الصويا 36500 جنيه، وفول الصويا المسحوق 20 ألف جنيه، والذرة 15 ألف جنيه، ونخالة القمح 11 ألف جنيه، وفقًا للصحف المصرية.
وتحدث "أحمد الشرقاوي"، وهوأحد كبار الجزارين في القاهرة، لـ "ميدل إيست مونيتور"، قائلاً إن ارتفاع أسعار العلف بسبب الحرب الروسية الأوكرانية تسبب في خسائر كبيرة لمربي الماشية، مما أجبر العديد منهم على الخروج من السوق. إضافة إلى ذلك، يلجأ البعض إلى ذبح إناث الحيوانات بسبب انخفاض أسعارها، مما أدى إلى نقص المعروض وتفاقم أزمة ارتفاع أسعار اللحوم.
ويضيف "الشرقاوي" أن ما لا يقل عن 30 في المائة من الجزارين أغلقوا محلاتهم أو قللوا كميات اللحوم المتاحة للبيع بعد تراجع الاستهلاك وزيادة احتمالية الخسائر. وأشار إلى أن سعر العجل الذي يبلغ وزنه 500 كيلوجرام يمكن أن يصل إلى 70 ألف جنيه.
وأرجع "هيثم عبد الباسط"، وهو نائب رئيس شعبة القصابين (الجزارين) بالغرفة التجارية بالقاهرة، ارتفاع أسعار اللحوم إلى خروج صغار المزارعين من منظومة الإنتاج. وأكد في تصريحات صحفية قبل أيام، أن 70 في المائة من المزارعين امتنعوا عن تربية المواشي، و 30 في المائة من الجزارين خرجوا من نظام الإنتاج، خاصة بعد ارتفاع تكلفة الأعلاف بسبب نقص العملة الصعبة.

أزمة الدولار والحرب السودانية
تمتلك مصر ما يقرب من 7.5 مليون رأس ماشية، بينما يبلغ حجم الاستهلاك السنوي حوالي 1.3 مليون طن من اللحوم الحمراء. 40 في المائة من هذا المبلغ مستورد، بما يقارب 1.6 مليار دولار في عام 2022. وبحسب بيانات حكومية، فإن هذا يشمل ربع مليار دولار من السودان.
وأشار "ميدل إيست مونيتور" إلى أن الحرب السودانية تلقي بظلالها على سوق اللحوم في مصر، مع توقف صفقات البيع والشراء بالجنيه المصري والسوداني. وهذا يمد الأسواق المصرية بنحو 30 ألف طن من اللحوم المجمدة يوميًا، مقارنة بالحاجة إلى صفقات لحوم من البرازيل والهند وتشاد، والتي تتطلب دولارات.
وبشكل عام، لا تحظى اللحوم المستوردة بثقة المواطنين المصريين الذين يفضلون اللحوم المحلية الطازجة. وتتجه معظم الكميات المستوردة نحو الفنادق والمطاعم والمجمعات الاستهلاكية التي تقدمها وزارة التموين المصرية مقابل 195 جنيه للكيلوجرام.
وبحسب خبير اقتصادي مجهول، تواجه الحكومة المصرية نقصًا كبيرًا في توفير العملة الصعبة، الأمر الذي انعكس سلبًا على عدة نواحٍ: تراكم السلع في الموانئ، وعدم توفر الأعلاف، وعدم القدرة على تنويع مصادر استيراد اللحوم، وعدم تعويض أي نقص في توريد المنتج من أي مصدر آخر.
وأضاف "ميدل إيست مونيتور" في الختام: "مع اقتراب عيد الأضحى نهاية شهر يونيو، تزداد التوقعات بتفاقم الأزمة؛ حيث انخفض عدد الأضاحي لأن الكثيرين لم يعودوا قادرين على تحمل تكاليفها وأصبحت اللحوم حلمًا بعيد المنال بالنسبة للمواطنين ذوي الدخل المنخفض في مصر".

..........

https://www.middleeastmonitor.com/20230530-who-can-afford-meat-in-egypt-today/amp/