يظل الدولار المشكلة الاقتصادية الأكبر التي تواجه مصر في الوقت الراهن، وفشلت حكومة الانقلاب في توفير العملة الصعبة منذ أكثر من عام، منذ هروب المستثمرين بأكثر من 20 مليار دولار من الأموال الساخنة منذ مارس 2022.

وتؤثر الأزمة الاقتصادية بشكل بالغ في مصر، حيث سيطر العجز على حكومة الانقلاب في توفير الدولار للاستيراد، مما اضطرها لعرض عشرات الشركات والبنوك ومحطات الكهرباء وشبكة محطات بنزين مملوكة للجيش وبعض الأصول للبيع، في سبيل توفير الدولار لسداد الديون من جهة، ولكفاية احتياجات الشعب من البضائع المستوردة من جهة أخرى.

 

بين تخفيض الجنيه والاستثمارات الخليجية

ويواجه الجنيه معضلة كبيرة؛ إذ يبقى بين نار طمع المستثمرين ورغبتهم في رؤية انخفاض أكبر في قيمة الجنيه، الذي فقد بالفعل نحو نصف قيمته خلال العام الماضي، وبين أزمة رجوع الاستثمارات الأجنبية وتوافر الدولار في البنوك، وتأمين تمويل ضروري قبل مراجعة قريبة مرتقبة لصندوق النقد الدولي، وفقًا لما أفادت به بلومبيرج.

ويقترح الخبراء 4 حلول لخروج مصر من هذه المعضلة الكبيرة والأزمة المستعرة بشدة منذ أكثر من عام.

 

الحل الأول: تحديد سعر صرف لكل صفقة على حدة

يرى الاقتصاديون أن تحديد سعر صرف لكل صفقة على حدة إحدى الطرق التي تمكّن مصر وحلفاءها الخليجيين من موازنة مصالحهم، والتي تسمح للقاهرة باستيفاء اشتراطات مراجعة صندوق النقد الدولي بنهاية الشهر المقبل ومن ثم الحصول على الشريحة الثانية من القرض.

خفضت الحكومة سعر صرف الجنيه ثلاث مرات منذ أوائل 2022 لكن المستثمرين يعتقدون أن قيمته ينبغي أن تتراجع أكثر. بينما يتداول بسعر 30.9 جنيه للدولار، يتوقع "سوسيته جنرال" أن يهبط 16% إلى 37 بنهاية العام الجاري، أي قرب نفس مستواه حاليًا في السوق السوداء.

العام الماضي، سارعت السعودية والإمارات والكويت لمساعدة مصر وضخت ودائع بالبنك المركزي بلغت 13 مليار دولار، لكنها أوضحت أن المساعدات الأخرى ستأتي عبر استثمارات تجلب عوائد.

ذلك يضع عبء تحضير صفقات جذابة على مصر، التي تعاني من أسوأ أزمة عملة صعبة في عقود. تعرض الدولة أجزاء من 32 شركة على الأقل للبيع، والشهر الجاري باعت حصة نسبتها 9.5% بقيمة 121 مليون دولار من شركة المصرية للاتصالات إلى مستثمرين أغلبهم محليون.

مؤخرًا، أقرت السلطات تنظيمات تستهدف تقليل الروتين وتسريع التصاريح وتخصيص الأراضي لتمهيد الطريق لدخول المستثمرين.

 

الحل الثاني: خصم على قيمة الأصول الحكومية

ولكي تحل الدولة مشكلة المستثمرين الذين يترددون في نقل أموالهم أو جزءًا منها إلى مصر، قبل أن تقوم بتخفيض قيمة الجنيه، وهو ما يبطئ من إقدامهم على استثمار أموالهم في مصر خلال الشهور القادمة.

وينتظر المستثمرون خطوة أخرى من البنك المركزي يقوم من خلالها بتخفيض أكبر لقيمة الجنيه بحيث يُقدّم ذلك سعرًا أفضل للأصول المقومة بالعملة المحلية من جهة، ولاستثمار أموالهم ونقل الدولارات إلى مصر من جهة أخرى.

ويقترح الخبراء أن تقدم حكومة الانقلاب خصمًا على قيمة الأصول الحكومية كأحد الحلول للتعويض عن القوة النسبية للجنيه، حسبما ترى مونيكا مالك، كبيرة الاقتصاديين في بنك أبوظبي التجاري.

 

الحل الثالث: تحديد سعر صرف منفصل للصفقات

وترى مالك أن تحديد سعر صرف منفصل للصفقات هو حل محتمل آخر، مع ذلك، تقول إن "الاستثمارات الأوسع ما تزال تتطلب خفضًا أكبر لقيمة الجنيه".

الخفض الأكبر لقيمة الجنيه ليس سهلًا على مصر، إذ قفزت بحدة أسعار الغذاء إثر هبوط العملة العام الماضي، ما زاد الضغوط على المستهلكين في دولة عدد سكانها أكثر من 104 ملايين نسمة.

أيضًا، السلطات تحرص على جمع مخزون كبير من العملة الصعبة قبل أي خفض آخر حتى تستطيع مقابلة طلب السوق على الدولار وتجنب هبوط العملة المحلية بحدة، وفق أشخاص مطلعين على الأمر.

تُعد مثل هذه السيولة ضرورية كذلك لتلبية الطلبات المتراكمة على العملة الصعبة من المستوردين والشركات الأخرى، وهو ما قد يخفف الضغط على الجنيه ويضمن تعديلًا ناجحًا لسعر الصرف، حسب الأشخاص المطلعين الذين طلبوا عدم الكشف عن هوياتهم لسرية المداولات، وفقًا لـ"اقتصاد الشرق مع بلومبيرج".

وعلى الرغم من إلغاء شرط حصول المستوردين على خطاب ائتمان في ديسمبر لاستيراد سلع مختارة، فما تزال بعض الشركات تعاني للحصول على الدولار من البنوك.

بدأت بعض الفنادق ووكلاء السيارات والشركات العقارية احتساب التغير المحتمل في قيمة العملة المحلية عبر رفع الأسعار.

 

الحل الرابع: ضخ وديعة خليجية أخرى في البنك المركزي

يقول محمد أبو باشا، مدير أبحاث الاقتصاد الكلي في "إي إف جي هيرمس"، ومقرها القاهرة، إنه حتى إذا مضت قدمًا الصفقات المطروحة، فقد لا تكون كبيرة كفاية لجمع السيولة الضرورية لدفع انتقال منظم في سعر الصرف.

رغم ذلك، لم يستبعد "بي إن بي باريبا" احتمال ضخ وديعة خليجية أخرى في البنك المركزي للمساعدة في إدارة أي تعديل مستقبلي في قيمة العملة، وقد يكون أي خفض آخر أكبر بكثير من المتصور سابقًا، وفقًا للبنك.