تزايدت مخاوف المستثمرين ووكالات التصنيف الائتماني، من تخلف مصر عن سداد سندات الدين، العام الجاري، بسبب ضعف التمويل الخارجي.

وفي المقابل، استبعد محللون اقتصاديون مصريون أن تتخلف الحكومة عن سداد هذه السندات قياسًا بتاريخ البلاد الذي لم يشهد مثل هذه الحالة سابقًا، علاوة على الحلول التي من الممكن أن يتم اللجوء لها للوفاء بحقوق المستثمرين.

 

ارتفاع تكلفة التأمين ضد التخلف عن سداد الديون

وذكرت وكالة "بلومبيرج"، الخميس، أن تكلفة التأمين ضد التخلف عن سداد الديون السيادية في مصر، في الأشهر الـ 12 المقبلة، ارتفعت إلى مستوى قياسي، ما أدى إلى زيادة قسط التأمين على العقود لمدة خمس سنوات إلى أوسع نطاق على الإطلاق.

وأوضحت أن هذه الأزمة تسببت في فقدان ثقة بعض المستثمرين في حكومة الانقلاب التي تكافح من أجل الحصول على التمويل الخارجي بعد سلسلة من الأزمات.

وفي حديثه للوكالة الأمريكية، قال جوردون باورز، المحلل في "كولومبيا ثريدنيدل للاستثمارات" ومقره لندن، "إن الانعكاس في منحنى الائتمان يدل بالتأكيد على تسعير السوق لاحتمال التخلف عن السداد على المدى القريب".

ويتم تداول حوالي 33.7 مليار دولار من سندات اليوروبوند المصرية، أو حوالي 86% من أوراقها المالية الخارجية القائمة، الخميس، بأكثر من 1000 نقطة أساس فوق سندات الخزانة الأمريكية، وهو الحد الأدنى الذي تُعتبر عنده الديون متعثرة. وفي الوقت نفسه، ارتفعت عقود الخمس سنوات بنحو 390 نقطة أساس لتصل إلى 1703.

 

تداول سندات مصر بالقرب من أدنى مستوى لها

كما أشارت "بلومبيرج" إلى أنه تم تداول سندات مصر، المستحقة في مايو 2024، بالقرب من أدنى مستوى لها على الإطلاق عند 82 سنتًا على الدولار، الخميس. وانخفضت ديونها طويلة الأجل والمستحقة في عام 2061 عند حوالي 49 سنتًا.

وتتوافق أسعار السندات المضطربة في مصر مع احتمال نسبه 75% لتخلف حكومة الانقلاب عن السداد على مدى السنوات العشر المقبلة و15% على مدى الأشهر الستة المقبلة، وفقًا لما نقلته "بلومبيرج" عن "تيليمر"، وهي شركة مقرها لندن متخصصة في الأبحاث والبيانات حول الأسواق الناشئة للمستثمرين.

تقدر وكالة "موديز" للتصنيف الائتماني إجمالي رصيد الدين الخارجي لمصر بنحو 155 مليار دولار اعتبارًا من سبتمبر 2022، منها 27.5 مليار دولار التزامات قصيرة الأجل.

 

أسباب تفاقم الأزمة

وأوضحت "بلومبيرج" أن الأزمة في مصر تفاقمت عندما أجل صندوق النقد الدولي مراجعته لبرنامج قرض إنقاذ بقيمة 3 مليارات دولار، بالإضافة إلى تعثر حصول الحكومة على دفعات النقد الأجنبي التي كانت متوقعة من التمويل الأجنبي الموعود من دول الخليج العربي، وذلك بسبب عدم تنفيذ مصر للإصلاحات التي طالب بها الصندوق النقد، في ديسمبر الماضي.

وتتعلق الإصلاحات التي طالب بها صندوق النقد بخصخصة أصول الدولة ومرونة حقيقية في العملة المصرية، لكن عدم تنفيذ الحكومة لهذه الشروط أرجأ إجراء المراجعة الأولى، والتي كان من المتوقع سابقا استكمالها، في مارس الماضي.

وبجانب ضعف التمويل الأجنبي، خفضت وكالة "ستاندرد آند بورز" للتصنيفات الائتمانية التوقعات بشأن درجة الائتمان في مصر إلى سلبية، في نهاية الأسبوع الماضي، بسبب زيادة التشاؤم بشأن للوضع المالي لمصر من قبل صندوق النقد الدولي.

 

"مستحيل"

واعتبر الخبير الاقتصادي، عبد النبي عبد المطلب، أن تخلف مصر عن سداد ديونها مسألة "مستحيلة". وقال في حديثه لموقع "الحرة" إن الاحتياطي مصر من النقد الأجنبي يشكل ضعف الالتزامات المطلوبة منها خلال عام 2023.

بدوره، يذهب الخبير الاقتصادي، علاء عبد الحليم، في الاتجاه ذاته بقوله إن "مصر لم تتخلف أبدًا في سداد ديونها.. ودائمًا مع تدفع في الموعد المحدد حتى لو تمت إعادة هيكلة الدين".

وأضاف في حديثه لموقع "الحرة" أن مصر "تدرك خطوة التخلف عن السداد"، وهي تستطيع أن تجد حلولًا للوفاء بالتزاماتها، بحسب تعبيره.

وفي سياق متصل، لم تتلق مصر التمويل الموعود من دول الخليج في وقت أرجأ فيه صندوق النقد الدولي مراجعته لبرنامج إنقاذ بقيمة 3 مليارات دولار، إذ يسعى للحصول على أدلة أكبر على أن السلطات تمضي قدما في تنفيذ الإصلاحات التي تم الإعلان عنها في ديسمبر الماضي، بحسب تقرير "بلومبيرج".

وقال عبد المطلب إن ما يحدث بين الحكومة المصرية وخبراء صندوق النقد الدولي أشبه بـ "معركة تكسير عظام"، مضيفًا: "الصندوق أكثر تشددًا مما حدث في 2016".

وتابع: "الضغوط التي يمارسها الصندوق يبدو وكأنها أكبر مما توقعته الحكومة المصرية ... وربما كانت زيادة مخصصات الطبقة الفقيرة بنسبة 48% تمثل رسالة طمأنة من الحكومة للصندوق الدولي بالالتزام بتعهداته".

وبالإضافة إلى الضغوطات، اتخذت وكالة "ستاندرد آند بورز" للتصنيفات الائتمانية وجهة نظر أكثر تشاؤمًا للوضع المالي لمصر وتوقعت المزيد من الانخفاض في قيمة العملة وخفضت نظرتها من مستقرة إلى سلبية.

وقال عبد النبي، من جهته، "بالتأكيد وكالات التصنيف العالمية تكون محل اعتبار للمستثمرين على مستوى العالم".

وأردف: "في ظل معدل تضخم يصل 40%، يصر البنك المركزي على سعر فائدة أقل من 20% وهذا تصرف غير مقبول ومن هنا أخفضت وكالات التصنيف نظرتها المستقبلية لمصر؛ لأن السياسية النقدية لم تكن بالمرونة الكافية لكبح معدلات التضخم فضلًا عن عدم وجود مؤشرات حقيقية بتنفيذ تعهداته لصندوق النقد الدولي".

 

"لا نريد أن نكون مثل لبنان"

وتعاني مصر، التي اتفقت على حزمة دعم مالي بقيمة 3 مليارات دولار مع صندوق النقد الدولي في ديسمبر، من ارتفاع التضخم، وشح النقد الأجنبي، وتأخر مستمر في الواردات، وانخفاض الجنيه بمقدار النصف منذ مارس 2022.

ويعتقد عبد الحليم أن ارتفاع معدلات التضخم سببها "خارجي"، في إشارة إلى الغزو الروسي لأوكرانيا، لكنه لم يستبعد "سوء الإدارة" والتي قال إنها تمثل 30% من أزمة مصر.

ومع ذلك، قال عبد الحليم إن مصر ستبحث عن "حلول من السماء" لسداد سنداتها سواء بفوائد أعلى أو مزيد من بيع الأصول الحكومية.

وتابع: "التخلف سيكون له مردود سيء على الاقتصاد وسعر الدولار وتقييم مصر.. لا نريد أن نكون مثل لبنان" لدى وكالات التصنيف العالمية.

أما باورز فقال إنه على الرغم من أن المستثمرين أصبحوا أكثر حزما تجاه مصر خلال الأشهر الأخير، إلا أن البلاد لديها الوقت "لإصلاح مشكلاتها" في غضون العامين المقبلين وتجنب التعثر في السداد نظرًا لوضع السيولة لديها أفضل من الاقتصادات النامية المتعثرة مثل باكستان.