لا تزال أسباب خفض الجنيه تلوح في الأفق، من استمرار أزمة شح العملة، والفجوة بين العرض والطلب في سوق الصرف، وإلحاح صندوق النقد على تطبيق سعر صرف مرن للجنيه، وتخارج الدولة من الأنشطة الاقتصادية والذي بدأ ببيع الأصول الحكومية.

ويتوقع بعد الخبراء والمحللين انخفاض الجنيه خلال الأيام القليلة الماضية، خاصة وأن أسباب انخفاضه ما زالت موجودة، والتي تتمثل في استمرار أزمة شح العملة، والفجوة بين العرض والطلب في سوق الصرف، وأيضًا اتفاق مصر مع صندوق النقد الدولي والمتضمن تطبيق سعر صرف مرن وتخارج الدولة من الأنشطة الاقتصادية والذي ترجمته الدولة في برنامج بيع الأصول والطروحات الحكومة.

ويرى بعض الخبراء أن الجنيه يمكن أن يكتسب عافيته مرة أخرى، أو يرجع إلى قوته، ولكن ذلك مشروط بتحقيق 3 مطالب رئيسة خلال الفترة القادمة، وهي:

 

المطلب الأول - مرونة سعر الصرف

وكان مدير صندوق النقد الدولي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا وآسيا الوسطى جهاد أزعور قد أكد في تصريحات حديثة أن "مرونة سعر الصرف هي أفضل طريقة لمصر لحماية اقتصادها من الصدمات الخارجية".

وفي هذا الشأن، تتوقع وكالة "ستاندرد آند بورز" للتصنيف الائتماني أن يصل انخفاض قيمة الجنيه المصري إلى حوالي 53%بنهاية السنة المالية الحالية حتى 30 يونيو 2023، مقارنةً بسعر الصرف قبل 12 شهرًا، وفقًا لـ"investing".

وتشير تقديرات الوكالة، إلى أن يتبع ذلك انخفاض لقيمة الجنيه بشكل متواضع في السنوات اللاحقة"، حسبما رأى محللو الوكالة.

وفي مصادر خاصة لقناة العربية، قالت مراسلة القناة بالقاهرة، فهيمة زايد، إن هناك مؤشرات وتقارير دولية تؤكد أن هناك خفضًا جديدا للجنيه في القريب العاجل، وقد يكون بعد إجازة عيد الفطر مباشرة.

وذكرت المراسلة أن هناك مصادر أكدت أن مصر وصلت إلى تفاهمات مع صندوق النقد، على ألا يكون خفض الجنيه القادم منفردًا ولكن سيصاحبه في الوقت نفسه بيع أصول مصرية لتحقيق وفرة في العملة الأجنبية تؤدي إلى إمكانية تطبيق سياسة سعر صرف مرن.

 

الجنيه لن يتحرك بعد العيد

على الجناب الآخر، لا تعتقد خبيرة أسواق المال، حنان رمسيس، بأن الجنيه سوف يشهد تحريكًا قويًا بعد عيد الفطر، موضحة أنه "من غير المرجح أن نشهد تحريكًا كاملًا لسعر الجنيه مقابل الدولار تسجل بموجبه قيمة الجنيه تراجعًا قويًا".

وتابعت حنان: "من المتوقع أن يظل الأمر على ما هو عليه في الحدود التي يتحرك فيها حاليًا الجنيه، وفي ظل تركه للعرض والطلب، ذلك رغم تخطي العقود الآجلة للجنيه 44 جنيهًا للدولار الواحد".

 

مستويات غير واقعية

تجاوزت العقود الآجلة للجنيه 12 شهرًا غير القابلة للتداول حدود الـ 44 جنيهًا للدولار، بجانب اتساع الفجوة بين السوق الرسمية والسوق الموازية، ما دفع بعض المحللين إلى توقع سقوط الجنيه خلال الفترة القادمة، وهو ما رفضته علياء المبيض، كبيرة الاقتصاديين في الشرق الأوسط لدى مؤسسة جيفريز للخدمات المصرفية والإستثمارية ووصفته بالتوقعات غير المسؤولة.

صرحت علياء مبيض، خلال لقائها، إن الحديث عن خفض جديد للجنيه هو حديث "غير مسئول". وأوضحت أن الهبوط نحو مستويات 40 أو 53 جنيها للدولار الواحد، غير واقعية أو حقيقية.

وأشارت إلى أن عملية إعادة هيكلة اقتصاد كبير مثل الاقتصاد المصري خاصة المؤسسات العامة لا يمكن أن يتم بالضغط على زر خاص، وأن الظروف المحيطة مواتية لبيع الأصول، والمشكلة المتعلقة بسعر الصرف والحديث عن هبوط مستمر يؤخر صفقات الخصخصة التي تنوي الحكومة تنفيذها.

وأوضحت أن السعر الحقيقي للجنيه لا يتطلب مزيدًا من الخفض الإسمي.

وقالت علياء في لقاء سابق على قناة الشرق أن الاقتصاد المصري وحالته تتمحوّر الآن حول مراجعة صندوق النقد الدولي ونتائج المراجعة، وتوقعت علياء أن عمليات الخصخصة قد تأتي قريبًا تزامنًا مع خفض هادئ للجنيه ورفع جديد لأسعار الفائدة.

 

المطلب الثاني - برنامج الطروحات

ومن جهتها، أكدت وكالة "موديز" للتصنيف الائتماني إن الاستراتيجية التي تتبعها مصر في بيع الأصول تسير بوتيرة أبطأ من التوقعات ما يؤثر سلبًا على سيولة العملات الأجنبية ويفاقم أزمة شح الدولار.

ويمثل برنامج الطروحات التي أعلنت عنه حكومة الانقلاب بمثابة مطلب رئيس لاستكمال تمويل صندوق النقد للبلاد، وذلك باعتباره يوفر سيولة دولارية تحتاجها مصر خلال هذه الفترة، إذ يعتبر هذا البرنامج أحد أساليب الحكومة للتخارج من الاقتصاد وإفساح المجال للقطاع الخاص.

ومنذ بداية العام، خفضت مؤسسات التصنيف الائتماني "فيتش" و"ستاندرد آند بورز" نظرتها المستقبلية لمصر إلى سلبية، بسبب الضغوط على السيولة الدولارية، فيما خفضت موديز تصنيف مصر الائتماني، وفقًا لـ"investing".

 

مخاطر انخفاض العملة المصرية

أكدت الوكالة في تقريرها أن هذا البطء في عملية بيع الأصول المملوكة للدولة يزيد من ضغوط انخفاض الجنيه، بجانب المخاطر السلبية المتعلقة بالقدرة على سداد الديون.

وأضافت أن السحب من السيولة الأجنبية، كما يشير مركز صافي الأصول الأجنبية للقطاع المصرفي، استمر في يناير وفبراير، بعدما كان قد توقف في نهاية 2022.

وبحسب برنامج مصر مع صندوق النقد فإن بيع الأصول هو القناة الرئيسة التي تأمل الحكومة من خلالها سد النقص في السيولة الأجنبية.

وتستهدف مصر جمع ملياري دولار العام المالي الحالي ونحو 4.6 مليار دولار في العام المالي المقبل، لكن التقدم المُحرز بطيء ويعرقله توقعات مزيد من خفض الجنيه، وهناك مؤشرات على إعاقة المصالح المتضاربة لعمليات بيع الأصول.

 

شروط صارمة

وأضافت الوكالة أيضًا أن المشترين التقليديين من الخليج، وضعوا شروطًا أكثر صرامة لتقديم دعم مالي في المستقبل.

وحذرت الوكالة من أن الخفض المستمر في قيمة الجنيه قد يحفز المزيد من الضغوط التضخمية ويرفع تكلفة الاقتراض المحلي.

وقالت إن بيانات تنفيذ الموازنة، خلال النصف الأول من العام، تشير إلى تصاعد تكلفة الدين والتي كانت كبيرة أصلًا في ظل تخصيص جزء كبير من الإيرادات للفوائد.

وأشارت إلى أن استمرار ارتفاع حصة الفوائد من الإيرادات يقلص قدرة الحكومة على خدمة الدين حتى رغم تحقيقها فوائض أولية.

 

المطلب الثالث – تنمية السياحة

سجلت السياحة المصرية عائدات نحو 10.7 مليار دولار لعام 2021- 2022، مقارنةً ‏بنحو 4.9 مليار دولار للعام السابق له وفقًا لتقرير البنك المركزي، مما يعد ارتفاعًا ملحوظًا عقب حالة الإغلاق التي شهدها العالم، وهي خطوة تنموية في ظل الإستراتيجية التي تتبناها وزارة السياحة والآثار لتحقيق نمو من 25% إلى 30% سنويًا للوصول إلى 30 مليون سائح، و40 مليار دولار، وذلك في إطار رؤية مصر للتنمية المستدامة 2030، وفقًا لموقع "برلماني".

وارتفعت الإيرادات السياحية وفقًا لبيانات البنك المركزي بمعدل 43.5% لتسجل 4.1 مليار دولار خلال ‏الربع الأول من العام المالي 2022/2023، مقابل 2.8 مليار دولار عن نفس الفترة في العام المالي السابق له، وارتفاع عدد ‏الليالي السياحية بنسبة 47.1% مسجلة نحو 43.6 مليون ليلة، وعدد السائحين بمعدل 52.2% ليسجل نحو ‏‏3.4 مليون سائح، وهي أعلى من المعدلات المطروحة والمتوقعة المحددة ضمن إستراتيجية وزارة السياحة والآثار.