كان من المفترض أن يقوم المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي بالمراجعة الأولى على القرض، الذي اتفقت عليه مصر، خلال مارس الماضي، لكنها تعثرت بسبب عدم تنفيذ مصر شروط الصندوق، وأُجلت إلى يونيو المقبل، بحسب وكالة "بلومبيرج".

وفي حال عدم الانتهاء من المراجعة الأولى بحلول ذلك الوقت، يجوز للمقرض دمجها مع المراجعة التالية المقرر إجراؤها في سبتمبر المقبل. وتتلخص الإصلاحات في شرطين هما خصخصة أصول الدولة، ومرونة حقيقية في الجنيه، بحسب تصريحات مسؤولي الصندوق.

 

تعديل وتيرة تنفيذ المشروعات الاستثمارية

وفي تصريحات على هامش اجتماعات الربيع في واشنطن، قالت كريستالينا جورجيفا، مديرة صندوق النقد الدولي، "إن مصر ربما تحتاج إلى تعديل وتيرة تنفيذ مشروعاتها الاستثمارية طويلة الأجل التي تعتزم القيام بها"، مؤكدةً أن "هذه المشروعات جيدة ومهمة بالنسبة لمصر، غير أنها في ظل الظروف الصعبة حاليًا قد تقوض استقرار الاقتصاد الكلي إذا استمر تنفيذها بالسرعة التي تم إقرارها من قبل في ظروف مختلفة"، وفقًا لـ "إندبندنت عربية".

وأوضحت أن "صندوق النقد الدولي يستعد لإجراء مراجعة لبرنامج مصر، وأن الصندوق واثق من تحقيق نتائج جيدة"، مشيرةً إلى أن "الاتفاق مع السلطات المصرية على برنامج سليم، مع ركائز تشمل تطبيق سعر صرف مرن للجنيه، وتعزيز دور القطاع الخاص".

 

هل ستنجح مصر؟

لكن مدى قدرة مصر على تنفيذ شروط الصندوق في هذه المدة الزمنية وتأثيرها على الاقتصاد المصير يثير كثيرا من التساؤلات.

استبعد الخبير الاقتصادي، علاء عبد الحليم، أن تنجح مصر في إجراء الإصلاحات الي يطالب بها صندوق النقد. وقال: "فنيًا وعمليًا، لا يمكن الالتزام ببيع الأصول خلال العام الجاري".

وأضاف أن المنطق يقول إن خطة بيع الأصول وخصخصة الشركات يجب أن تستمر لمدة ثلاث سنوات على الأقل، بحيث تنتقل الأصول والشركات أولا إلى أحد الصناديق السيادية، ثم يعاد هيكلة الشركات وتحويلها بما يتوافق مع المعايير العالمية، وفقًا لموقع "الحرة".

وتحدث عبد الحليم عن صعوبة وربما استحالة طرح شركات الجيش تحديدًا للخصخصة أو للبيع لصعوبات فنية، وقال إنه لابد من إصدار العديد من القوانين لتحويل هذه الشركات إلى شركات مساهمة عادية قابلة للخصخصة.

ويتوقع عبد الحليم أن يمنح صندوق النقد فترة سماح أطول لمصر لتنفيذ الإصلاحات المطلوبة منها تصل إلى 3 سنوات.

واستبعد الخبير الاقتصادي أن يفرض الصندوق عقوبات أو غرامات على مصر، لكنه أوضح أن النتيجة ستكون توقف أي دعم من الصندوق، وستقع مصر في أزمة كبيرة، وستضطر للجوء لدول الخليج لتبيع أصولها بأي سعر وفق شروطهم.

 

تعديل المسار أو وقف المساعدات

وقال أستاذ الاقتصاد في الجامعة البريطانية في مصر، كريم القماش، إن الحكومة الحالية لمصر هي من وضعت نفسها في هذا الموقف، وهي من ذهبت لتلقي القرض من صندوق النقد، ولذلك عليها الالتزام بتنفيذ الشروط بكفاءة وسرعة لتجنيب مصر خطر الإفلاس.

وأضاف أن ما يصدر عن صندوق النقد يعتبر رسالة إلى مصر بضرورة سرعة تعديل مسارها وإلا لا مزيد من المساعدات، وهو ما يتابعه العالم لمعرفة مدى استقرار الاقتصاد المصري.

وطالب أستاذ الاقتصاد كلا من الحكومة والجيش بضرورة التخلي عن سيطرتهما على السوق وتقبل المنافسة العادلة، حتى يكتسب الاقتصاد المصري ثقة المستثمرين العالميين.

 

تأثير شروط الصندوق

يقول الخبير الاقتصادي، علاء عبد الحليم، لموقع "الحرة" إن قرض صندوق النقد المقدم لمصر، والذي لا يمثل أكثر من 17% من إجمالي الفجوة التمويلية المقدرة في البلاد، ليس كافيًا لحل أزمة سيولة العملة الأجنبية، مضيفًا أن مصر تحتاج لتغيير سياستها الاقتصادية بشكل كامل.

وأوضح أن مصر في وضع حرج ولا تستطيع الالتزام بشروط صندوق النقد حتى الآن؛ لأنها تعاني من نقص شديد في الدولار وارتفاع كبير في معدلات التضخم، بسبب تراجع النشاط الاقتصادي الخاص وهروب المستثمرين.

وقدر صندوق النقد الدولي الفجوة التمويلية في مصر بنحو 18 مليار دولار خلال 6 سنوات بداية من العام المالي الجاري، متوقعًا أن تسهم موافقته على تمويل برنامج الإصلاح الاقتصادي المصري بقيمة 3 مليارات دولار على 4 سنوات في جذب تمويلات بنحو 14 مليار دولار من مؤسسات دولية وإقليمية شاملة دخول الخليجيين، للاستحواذ على أصول مملوكة للدولة، بحسب "بلومبيرج".

وستؤدي الموافقة على المراجعة، التي من المقرر أن يناقشها مجلس إدارة صندوق النقد الدولي، بحلول يونيو المقبل، إلى حصول مصر على شريحة ثانية من القرض، بقيمة 261.13 مليون من حقوق السحب الخاصة لصندوق النقد الدولي، أو حوالي 354 مليون دولار، وفقا لـ" بلومبيرج".

 

مخاوف ومشكلات في مصر

وقال أستاذ الاقتصاد بالجامعة البريطانية في مصر، كريم القماش، إن ضخ استثمارات كبيرة في أكثر من مشروع في الوقت نفسه، خاصة في البنية التحتية والطاقة، ليس له جدوى اقتصادية في الوقت القريب، بالإضافة إلى أنه يحدث بشكل عشوائي وبدون دراسات دقيقة.

وأضاف أن المشكلة تكمن في:

1 - عدم ترتيب الأولويات من جانب الحكومة في اتجاهات وأساسيات الإنفاق.

2 – ارتفاع التضخم. حيث بلغ أعلى مستوياته منذ أعقاب أزمة العملة في عام 2016. ويستهدف البنك المركزي تضخمًا بنسبة 7%، بحلول الربع الرابع من العام المقبل. وارتفعت أسعار المستهلكين بنسبة سنوية بلغت 32.7%، في مارس، وهي الأسرع منذ ما يقرب من 6 سنوات، وفقا لـ"بلومبيرج".

3 - خفض قيمة الجنيه. حيث يرى الفقي أن مصر اتخذت بالفعل خطوات في هذا الاتجاه لكنها ليست كافية لصندوق النقد أو حتى للمستثمرين.

وقد تم تخفيض قيمة الجنيه ثلاث مرات، منذ مارس 2022. لكن فترات الاستقرار الطويلة للجنيه، حتى مع انخفاض قيمته في السوق السوداء المحلية، أثارت تساؤلات حول التزام مصر باستمرار سعر صرف مرن، بحسب "بلومبيرج".

 

بيع الأصول

وبالنسبة للشرط الثاني لصندوق النقد والمتعلق ببيع الأصول، قال الخبير الاقتصادي، فتحي الفقي، لموقع "الحرة" إن مصر كان من المفترض أن تحرز تقدمًا في هذا الأمر بعدما حددت قائمة خصخصة 32 شركة، في مارس الماضي، إلا أنها توقفت بسبب الخلافات التي حدثت بين مصر والدول الخليجية، بسبب اشتراطها تخفيض العملة قبل البدء في عمليات الشراء.

وكان من المفترض أن يُحفز دعم صندوق النقد استثمارات بمليارات الدولارات من حلفاء الخليج، بما في ذلك السعودية والإمارات، والتي وصفها صندوق النقد الدولي بأنها "بالغة الأهمية"، بحسب "بلومبيرج".

ووفقًا لبرنامج صندوق النقد الدولي، من المتوقع أن تجمع مصر ملياري دولار من بيع حصص مملوكة للدولة، خلال السنة المالية الحالية التي تنتهي في يونيو، بحسب الوكالة الأمريكية.

وتحدث القماش عن أحد التأثيرات السلبية لتوغل الجيش والحكومة في الاقتصاد وهو إضعاف القطاع الخاص والشركات الصغيرة سواء بعقود الاحتكار لصالح الشركات الحكومية الكبيرة دم وعدم وجود منافسة عادلة أو من خلال ارتفاع تكاليف الاستيراد والضرائب.

وقال القماش إنه إذا خرج الجيش والحكومة بالفعل من الشركات تنفيذًا لشروط صندوق النقد، فسيعاني الاقتصاد في مصر بشدة، لأن الشركات الخاصة أصبحت منهكة وضعيفة ولا يمكنها العمل بمفردها، لذلك يرى أن تحقيق مثل هذا الشرط وتشجيع القطاع الخاص سيكون مهمه شديدة الصعوبة.