كشف خبراء اقتصاديون، إن الحرب الدائرة الآن في السودان سوف يكون لها تأثير سلبي على الدول المجاورة، ولا سيما مصر، التي يعاني اقتصادها من أزمة كبيرة، وتربطها بالسودان علاقات اقتصادية تمتد لعدة قرون.

وبحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فقد سجّلت قيمة التجارة بين مصر والسودان ارتفاعًا بنسبة 18.2% خلال عام 2022، لتبلغ 1.434 مليار دولار في مقابل 1.212 مليار دولار خلال عام 2021.

وتوقع خبراء الاقتصاد أن مصر ستكون من أكثر المتأثرين باستمرار الصراع الدائر في السودان بين الجيش النظامي وقوات الدعم السريع، خاصة في ظل زيادة التبادل التجاري بين البلدين في الفترة القريبة الماضية.

كما توقعوا أن تواجه مصر صعوبات في تأمين القروض التي تحتاجها من المؤسسات العالمية الدولية وعلى رأسها صندوق النقد الدولي.

 

تخفض تصنيف مصر الائتماني

وقال الخبير الاقتصادي، علاء عبدالحليم، لموقع "الحرة" إن استمرار القتال العسكري في السودان من الممكن أن يتسبب في خفض تصنيف مصر الائتماني باعتبار أنها أصبحت دولة ذات مخاطر عالية، لأن أمن السودان يرتبط بأمن مصر القومي.

وأضاف عبدالحليم أن مصر وباقي الدول المجاورة للسودان أصبحت مهددة اقتصاديا بتحجيم التمويلات التنموية، في ظل الأوضاع الاقتصادية المعقدة بالفعل التي تعاني منها مصر قبل اشتعال الصراع في السودان.

ووفقًا لأحدث البيانات الصادرة الثلاثاء عن وكالة "موديز" للتصنيف الائتماني بشأن السودان، فإن القتال الدائر في هذا البلد، الذي أوقف النشاط الاقتصادي وألحق أضرارًا جسيمة بالبنية التحتية الرئيسة، يلقي بظلاله على التصنيفات الائتمانية للمقرضين متعددي الأطراف، بما في ذلك بنك التجارة والتنمية وبنك التصدير والاستيراد الأفريقي، فضلا عن الدول المجاورة، حسبما نقلت وكالة "بلومبرج".

وأكدت "موديز" أنه إذا أدت الاشتباكات إلى حرب أهلية مطولة في السودان، أو امتدت إلى البلدان المجاورة، أو أضعفت البيئة الأمنية في المنطقة، فستتأثر جودة الأصول لبنوك التنمية متعددة الأطراف التي تركز قروضها في تشاد وجنوب السودان وإثيوبيا ومصر، بحسب الوكالة.

وأوضح عبدالحليم أن خطر الصراع في السودان سيدفع المؤسسات المالية الدولية إلى زيادة تكلفة الإقراض والفوائد على القروض التي تمنحها لمصر، مشيرً1ا إلى أن المعتاد أن تتراوح الفوائد المفروضة على مصر بين 4 أو 5 في المئة، لكن حاليا قد تصل إلى أكثر من 8 في المئة.

وأشار إلى أن مصر تسعى حاليا لتأمين الدفعة الثانية من قرض صندوق النقد الدولي، البالغ قيمته 3 مليارات دولار، ولا تزال المفاوضات متعثرة بسبب عدم تنفيذ مصر لشروط الصندوق، لكن ما يحدث في السودان صعب من مهمة المتفاوض المصري في إقناع المؤسسات المالية الدولية بمنح مصر تسهيلات على القروض.

وقال الخبير الاقتصادي إن مصر تعاني بالفعل من أزمة اقتصادية عميقة ولا تحتاج لمزيد من التعقيد، مشيرًا إلى خفض درجة آفاق الدين المصري الصادر عن وكالة التصنيف الائتماني "ستاندرد آند بورز" من "مستقر" إلى "سلبي"، بسبب الحاجة الكبيرة للتمويلات الخارجية لضبط عجز الميزان التجاري والدين الخارجي لمصر.

وأضاف عبدالحليم أن خفض التصنيف الائتماني لمصر يعني هروب المستثمرين والمال السخن، هو ما يُفاقم من أزمة نقص الدولار في مصر.

 

تأثير الصراع في السودان على الأمن الغذائي لمصر

ثمة أزمة أخرى تحدث عنها الخبير الاقتصادي، مدحت نافع، وهي تأثير الصراع في السودان على الأمن الغذائي لمصر، قائلًا إن مصر تعتمد على السودان في استيراد الحيوانات الحية، والسمسم، والفول السوداني، والقطن، وفي المقابل تشمل الصادرات المصرية للسودان العديد من المنتجات تامة الصنع بينها الكيماويات، والمواد الغذائية، والآلات والمعدات.

وأضاف أنه بجانب العجز التجاري الذي سيحدث في مصر بسبب توقف حركة الاستيراد والتصدير مع السودان، سيتأثر الأمن الغذائي في مصر بسبب نقص اللحوم والحبوب، والذي يعاني بالفعل جراء الحرب الروسية على أوكرانيا.

وتابع أن السودان تعتبر بوابة مصر للتجارة مع إفريقيا وتحديدًا دول شرق إفريقيا، وتنبع أهمية طريق شريان الشمال، كونه يربط بين مصر والسودان، حيث تمر عبره الصادرات السودانية إلى مصر والواردات المصرية إلى السودان.

 

حجم التبادل التجاري بين مصر والسودان

وشهد حجم التبادل التجاري بين مصر والسودان ارتفاعًا ملحوظًا خلال الأعوام القليلة الماضية، وأشارت أحدث الإحصاءات الرسمية الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، في إبريل الجاري، إلى أن التبادل التجاري بين مصر والسودان سجل ارتفاعًا بنهاية عام 2021، بلغ 1.2 مليار دولار، مقابل 711.4 مليون دولار عام 2020 بنسبة ارتفاع بلغت 63.5 في المئة، بحسب التقارير الإعلامية.

ووفقًا للجهاز الحكومي في مصر، جاءت في صدارة المواد التي صدرتها مصر إلى السودان اللدائن ومصنوعاتها بقيمة 137.4 مليون دولار، يليها السكر بقيمة 1.6 مليون دولار، واحتلت منتجات مطاحن شعير ونشا حبوب بقيمة 53 مليون دولار المركز الثالث، وفي المركز الأخير جاءت الأسمدة بقيمة 41 مليون دولار.

وتركزت أهم المواد السلعية التي تستوردها مصر من السودان في الحيوانات الحية، واللحوم، والبذور الزيتية، والفاكهة، والقطن، وفقا للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية.

وقال عبدالحليم إن مصر تعاني حاليًا من أزمة كبيرة بسبب ارتفاع أسعار اللحوم، التي تتفاقم في الفترة الحالية بين انتهاء شهر رمضان وبداية عيد الأضحى، ولذلك كانت مصر، سواء القطاع الحكومي أو الخاص، تلجأ إلى استيراد الماشية واللحوم من السودان بأسعار أرخص من أغلب دول العالم، وتوقف هذا الأمر بسبب القتال الدائر في السودان سيعمق من الأزمة في مصر.

 

توقف استيراد اللحوم من السودان

وأوضح عبد الحليم أن السودان يعد بوابة لنفاذ الصادرات المصرية إلى أسواق دول حوض النيل وشرق إفريقيا، ومع استمرار الحرب وانعدام الأمن، سيتأثر حجم التبادل التجاري بين البلدين، وهو ما ينعكس سلبا على الاقتصاد المصري الذي يعاني بعض الأزمات في الوقت الراهن.

وأضاف أن السودان يعد موردًا رئيسًا للمواشي واللحوم الحية وهي إحدى السلع الاستراتيجية لمصر، حيث تمد السودان مصر بنحو 10% من احتياجاتها من هذه السلع، خصوصًا مع اقتراب عيد الأضحى، وهو ما يزيد الضغط على أسعار اللحوم محليًا والتي ستنعكس على معدلات التضخم المرتفعة، وفقًا لـ"العربية".

وأشار إلى أن السوق السودانية تعد منفذًا مهمًا للمصانع الصغرى في مصر، في ظل ما تعانيه السوق المحلية من آثار الركود، وهو ما يضيف مشكلات جديدة للاقتصاد المصري.

وكشفت بيانات الهيئة العامة للرقابة على الصادرات والواردات، حول التبادل التجاري بين مصر وقارة إفريقيا خلال الربع الأول من العام الجاري، أن السودان احتل المرتبة الثانية بقائمة أكبر 5 أسواق مستقبلة للصادرات المصرية بقيمة 226 مليون دولار.

وبلغ حجم التبادل التجاري بين مصر وأسواق القارة الإفريقية بلغ نحو 2.12 مليار دولار خلال الربع الأول من العام الجاري، لافتًا إلى أن قيمة الصادرات السلعية المصرية إلى القارة بلغت 1.61 مليار دولار، كما بلغت قيمة الواردات المصرية من القارة 506 ملايين دولار، وفقا للمهندس أحمد سمير وزير التجارة والصناعة المصري.

وتابع عبد الحليم: "هناك مؤسسات مالية إقليمية مثل "أفريكسيم بنك" لديه نحو 930 مليون دولار قروض في السودان، ولديه تأمين على 220 مليون دولار فقط منها، ومع تأزم الأوضاع نتيجة الحرب ستتأثر أعمال البنوك ومؤسسات التمويل متعددة الأطراف ومدى قدرتها على تمويل المشاريع في المنطقة ككل.

وأضاف أن حكومة الانقلاب كانت تسمح للتجار المصريين في الجنوب، غير الرسميين وغير المسجلين لدى الحكومة، بالتجارة مع السودانيين الذي يصلون بدورهم إلى قبائلهم وعشائرهم في الدول المجاورة للسودان في التشاد وأثيوبيا وجنوب السودان.

وأوضح أن هذا الجانب غير الرسمي من التجارة كانت حكومة الانقلاب تغض الطرف عنه بإرادتها حتى تعطي الفرصة لأهالي القبائل في الصعيد بإيجاد وسائل مختلفة للتربح تعوضهم عن تمركز الأعمال في القاهرة باعتبار أن مصر حكومة مركزية.

 

ضغوط الوافدين السودانيين

وأشار نافع إلى عامل آخر سيُسبب ضغطًا على الوضع الاقتصادي في مصر، ويتمثل في استقبال مصر لأعداد كبيرة من الوافدين السودانيين، الذين يحتاجون لعناية صحية وتعليمية، فضلا عن ضرورة تقديم إعانات شهرية لهم.

وقال إن مصر أصدرت قرارًا بمعاملة السودانيين مثل المصريين في ما يتعلق برسوم العلاج، كما يدفع الطلاب السودانيين 10 في المئة فقط من الرسوم الدراسية في مصر، وهذا يمثل مزيدًا من الضغط على الوضع الاقتصادي المتأزم بالأساس في مصر.

وفي 15 من إبريل الجاري، اندلعت شرارة المعارك في السودان بين الجيش بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي"، وهو ما أدي إلى سقوط مئات القتلى وآلاف الجرحى، وسط تحركات دولية لإجلاء الرعايا الأجانب من البلاد.