أشار موقع "ميدل إيست آي" البريطاني إلى أن وجود متعصبين في حكومة الاحتلال الإسرائيلي أمثال وزير الأمن القومي "إيتامار بن غفير" في مقعد القيادة قد تسعى لفرض سيادة كاملة، لكنها لن تحقق السيطرة الكاملة أبدًا.
واستشهد الموقع في مقال كتبه "ديفيد هيرست" بمشهد رئيسي في فيلم وثائقي من جزءين لهيئة الإذاعة البريطانية "الأرض المقدسة ونحن" يرويه يهودي بريطاني بالتوازي مع فلسطيني بريطاني، لكل منهما صلاته الشخصية بأحداث عام 1948.
ويهدف الفيلم إلى تعزيز وضع الروايتين على قدم المساواة. بل إنه يوضح عدم تناسق الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
وكان ذلك عندما وقف أحد المتحدثين "دانيال" في موقع معركة وقعت في عام 1948، التي شارك فيها والده، وتذرف أعينه الدموع عندما يدرك أن والده خاطر بحياته ليخلق إسرائيل. ولفت "هيرست" إلى أن "دانيال" لم يتطرق إلى 50 ألف فلسطيني فقدوا منازلهم عندما احتلت القوات اليهودية اللد والرملة. كان المكان الذي كانت وقف فيه هو قرية جمزو الفلسطينية، والتي لا أثر لها اليوم.
ويكمن عدم التناسق في الفكرة القائلة بأن روايتين أخلاقيتين تتنافسان في هذا الصراع.
وتابع: "على المستوى العملي، يتحدث الفلسطينيون الذين يعيشون تحت الاحتلال العبرية، لأن العديد من العائلات عانوا من الأسر، أو عاشوا في القدس أو كمواطنين إسرائيليين، والجميع يمرون كل يوم عبر نقطة تفتيش إسرائيلية ويتلقون الأخبار الإسرائيلية، ويستهلكون كل كلمة مما يقوله ويفكر فيه المحتلون".
ويتكلم عدد أقل من اليهود الإسرائيليين اللغة العربية لأنه لم يعد يُدرس في المدارس. لكن هذا لا يُقارن بالأساطير التي يقوم عليها مشروع إقامة إسرائيل. 

 

أساطير تأسيس إسرائيل
أنكر المشروع الصهيوني من البداية وجود السكان الأصليين وحقوقهم في أراضيه، وليس وزير المالية الإسرائيلي والسياسي اليميني المتطرف "بتسلئيل سموتريتش" أول من قال "لا يوجد شيء اسمه الفلسطينيين"؛ حيث قالت "جولدا مائير" ذلك لأول مرة في عام 1969.
ونفى المشروع الصهيوني النكبة، واستخدم كل الحيل القذرة - اغتيال زعماء القرى، وتسميم الآبار - للتأكد من مغادرة 700 ألف فلسطيني وابتعادهم عن منازلهم.
استغرق الأمر ثلاثة عقود من البحث لدحر الدعاية التي زعمت أن الجيش الأردني المتقدم أمر القرويين بالفرار. وأربعة عقود أخرى قبل أن يكشف المؤرخون الجدد عن حجم المجازر. 
حتى يومنا هذا، لم يتم توثيق كل شيء.
عمل كل جيل من اليهود بجد للحفاظ على الأسطورة القائلة بأنه تم إنشاء دولة جديدة في مساحة فارغة أو لاستخدام شعار الأخبار المزيفة الكلاسيكية بأن فلسطين كانت "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض".
وحتى يومنا هذا، لن ينطق سوى عدد قليل من اليهود الإسرائيليين بكلمة "فلسطيني"، بل أسموا الفلسطينيين "العرب".

 

الصهيونية "المتدرجة والمتسارعة"
قال "يوسي بيلين"، الوزير السابق والمفاوض في اتفاقيات أوسلو مؤخرًا إن الاعتقاد بأن "إسرائيل ستجمد بناء المستوطنات كان أحد أكبر الأخطاء التي ارتكبها المفاوضون الفلسطينيون".
ووفقًا لتقرير إخباري لقناة "كان 11"، فإن أكبر خطأ ارتكبه الفلسطينيون هو تصديقهم لقرار الحكومة المحتلة رقم 360 لعام 1992عندما قررت تجميد الاستيطان، ولكنهم لم يطلبوا فقرة صريحة [في اتفاقيات اوسلو] حول تجميد المستوطنات.
وأشار "هيرست" إلى أن هذا الاعتراف يأتي بعد 30 عامًا. ولكن مع مرور كل يوم تعلو طبول الحرب بصوت عالٍ، وتصبح الروابط أوضح بين أولئك الذين يعرّفون أنفسهم على أنهم ليبراليون والمتفوقون الذين لا يهتمون بما يسميه أي شخص.
ويصف رئيس مشروع الولايات المتحدة للشرق الأوسط "دانيال ليفي" الفرق بين الليبراليين الذين يصفون أنفسهم بالليبراليين والصهاينة المتعصبين علنًا بين الصهيونية "التدريجية والمتسارعة  بشكل أكثر دقة"، ويقول: "التدرج في ترسيخ نزع ملكية الفلسطينيين والسيطرة عليهم كان معادلة مجربة ومختبرة وأصبحت الخيار الافتراضي. لكن يبدو أن المعسكر المتنامي داخل التدرج اليميني الصهيوني كسول وغير طموح وحتى محفوف بالمخاطر. ومن هنا جاء الضغط من أجل التسارع الصهيوني".
بعبارة أخرى، تعتبر إسرائيل مشروعًا متغير السرعة ولكنه يظل نفس المشروع بشكل أساسي.

 

نموذج انتفاضة جديد
 وينطبق الشيء نفسه على القضية الوطنية الفلسطينية التي عانت من إعادة تعديل جذرية عندما نزل الفلسطينيون في إسرائيل، الذين يصفهم الإسرائيليون بـ"عرب إسرائيل"، بالآلاف إلى شوارع المدن المختلطة للاحتجاج على اقتحام الأقصى المتكرر في مايو 2021.
تعرض تمردهم الوجيز للهجوم من مليشيات المستوطنين وسحقته عملية ضخمة للشرطة أُسر من شارك بها حتى يومنا هذا.
وأردف "هيرست": "لكن نموذج تلك الانتفاضة لا يزال قائمًا حتى يومنا هذا. من الآن فصاعدًا، لن يكون هناك فلسطينيون، حيث يتم مهاجمة جزء من الكيان الفلسطيني وتمييزه، ولكن يتم استبعاد جزء آخر".
ولكن تعثر مشروع المحتل في "فرق تسد".