تؤكد بعض الرؤى الاقتصادية أن خفض الجنيه لا يرتبط بالبنك المركزي، وإنما يرتبط بمراجعات صندوق النقد الدولي التي تتم الآن.
وتشير إلى أن الأزمة التي ستواجه البنك المركزي ستكون ارتفاع التضخم بقوة بعيدًا عن المستهدف، حيث يسجل معدل التضخم الأساسي 40.262% ومعدل التضخم العام 31.932%، وهو ما يحتاج إلى تبني سياسات تشددية عنيفة لخفضه.
وأوضحت أن خفض الجنيه عامل جذب لعودة الاستثمارات، لكنه ليس عاملاً لتدفقها كما كانت من قبل في فبراير 2022.
هذا ما أكده رئيس قسم البحوث بشركة زيلا كابيتال للاستشارات المالية، آية زهير، في حوار لموقع Investing، والذي سنتناول أهم ما جاء فيه.


قرار المركزي وشهادات البنوك.. ما الذي يمكنّا توقعه؟
رفع البنك المركزي المصري في اجتماع مارس سعر الفائدة بـ 200 نقطة أساس لتصعد إلى مستوى 18.25% للإيداع و19.25% للإقراض، وهو ما توقعته آية في وقت سابق. وأعقب ذلك يوم الأحد إصدار بنكيّ الأهلي ومصر شهادات بفائدة 22% متناقصة لثلاث سنوات و19% بعائد ثابت لـ 3 سنوات أيضًا.
وتعليقًا على ذلك قالت إن رفع الفائدة بـ 200 نقطة أساس كان متوقعًا بعد تثبيت الأسعار في اجتماع يناير بداية العام وأن صدور الشهادات بعوائد مقاربة لمستوى الفائدة المُعلن وأقل من التوقعات التي ذهبت إلى إصدار شهادات بفوائد في نطاق 25% كما حدث في شهر يناير، يدلل على نية البنك المركزي في خفض وتيرة رفع أسعار الفائدة في المرحلة المقبلة.
واعتبرت رئيسة قسم البحث في زيلا كابيتال أن مسار البنك المركزي لرفع الفائدة يأتي بالتوازي مع مسار الفيدرالي الأمريكي الذي تخلى عن خفض وتيرة رفع الفائدة الأمريكي وتحوّل إلى الرفع بـ 25 نقطة أساس بدلًا عن الرفع بـ 50 أو 75 نقطة أساس كما حدث في السابق.


اجتماع مايو وتوقعات الفائدة
رأت "آية" أن الأزمة التي ستواجه هذا المسار من جانب البنك المركزي هي ارتفاع التضخم بقوة بعيدًا عن مستهدف المركزي، حيث يسجل معدل التضخم الأساسي 40.262% ومعدل التضخم العام 31.932%، وهو ما يحتاج إلى تبني سياسات تشددية عنيفة لخفضه، إضافة إلى أزمة الدولار الذي تؤثر مستوياته بشكل رئيس على ارتفاع الأسعار في مصر.
وعند سؤالها ما إذا كانت نسبة الفائدة المعقولة للشهادات الأخيرة دليلًا على نية المركزي في الحفاظ على استقرار الجنيه ومستوياته دون خفض في الفترة المقبلة، ردت زُهير: "إن قرار الشهادات يشير بشكل رئيس إلى أن المركزي لا ينوي لرفع الفائدة بنسبة 200 أو 300 نقطة أساس في المستقبل، إلا أن رفع الفائدة سيستمر في الاجتماع المقبل لكن بوتيرة أبطأ في مايو."
هبوط الجنيه.. ممكن ولكن
وعن هبوط الجنيه في الفترة المقبلة، أوضحت الكثير من القضايا التي تتوارد على أذهان الكثير من المواطنين، فقالت: "لا تزال توقعات خفض الجنيه مقابل الدولار قائمة، لكن مع صدور هذه الشهادات ومتابعة برنامج طروحات الشركات الحكومية في البورصة أرى أن الهبوط المحتمل سيأخذ بعض الوقت ولكن يجب التنويه أنه يعتمد بشكل أساسي على سرعة في تقديم برنامج الطروحات لضخ العملة الصعبة كاستثمارات وعدم التباطؤ، حتى لا نُدفع إلى هبوط عنيف في الجنية. هذا بالطبع إضافة إلى ضرورة حل أزمة ندرة الدولار والسيطرة على السوق الموازي الغير رسمي".
وتابعت: "أتوقع أن أي نوايا لخفض الجنيه في الوقت القريب متوقفة في هذه الفترة، وأن الإشاعات بهبوطه فور صدور قرار المركزي ليست صحيحة وأن عملية الخفض ليست مرتبطة بقرار المركزي قدر ارتباطها بمراجعة صندوق النقد الدولي التي تحدث الآن".
ورأت رئيسة قسم الأبحاث في زيلا أن البنك المركزي والإدارة المصرية ينتظرون العديد من الأمور قبل اتخاذ قرار بشأن مستويات الجنيه أهمها بيانات التضخم الذي يتأثر بصورة سلبية مباشرة وقوية بخفض الجنيه وكذلك انتهاء مراجعة صندوق النقد الذي طالب في وقت سابق بسعر صرف مرن وكذلك بضرورة كبح جماح التضخم.

هل خفض الجنيه مفتاح عودة الأموال الساخنة؟
قالت آية زُهير أن خفض الجنيه عامل من بين عدة عوامل تتحكم في عودة الاستثمارات والأموال الساخنة لمصر لتساعد في حل أزمة ندرة الدولار. وأوضحت أن: "معدلات الفائدة عامل مهم، ونتيجة مراجعة صندوق النقد وتقريره الذي سيسلط الضوء على حالة الإصلاح الاقتصادي ستكون عاملًا جوهريًا وكذلك جدول الطروحات الحكومية."
واستدركت زهيّر لتضيف: "هذا كله لا ينفي أن خفض الجنيه عامل مهم جدًا وجذاب للاستثمارات الخارجية التي تأمل في الوجود في سوق عملته مستقرة ولا يوجد فيها تقلب وسوق موازية، إلا أن خفض الجنيه ليس عامل مجرد حدوثه يضمن 100% عودة الاستثمارات وتدفقها من جديد".


هل سينجح البنك المركزي في خفض التضخم؟
بلغ معدل التضخم العام 32% بحسب بيانات البنك المركزي، الذي يهدف في خفض مؤشر أسعار المستهلكين السنوي إلى مستويات 7% (± 2) بحلول الربع الأخير من عام 2024، فهل هذا قابل للتحقق في ظل الظروف الحالية التي يمر بها الاقتصاد داخليًا وخارجيًا؟
أجابت آية زُهير: "علينا فحص الأمر من الاقتصاد الكُلي قبل الحديث عن البنك المركزي، وبنظرة سريعة سنجد أن الفيدرالي الأمريكي يضع مستهدفه بخفض التضخم إلى 2% في 2025، وهو ما يراه غالبية المحللين أملاً بعيد المنال، وقد جاءت أزمة البنوك الأخيرة ومن قبلها حرب روسيا لتجعله هدف صعب المنال في نطاق زمني ضيق".
وتابعت: "الكثير من الأمور تحدث في وقت قصير والوضع في مصر يحتكم إلى العديد من العوامل والمتغيرات، لذلك فقد يبدو الوصول إلى مستهدف التضخم مهمة صعبة بشكل عام سواء لمصر خاصة مع تأثرها بالوضع العالمي، ولأن التوقعات لا تضع في الاعتبار (البجعة السوداء) أو الأحداث غير المتوقعة التي تقلب الموازين".
وعند سؤالها عن قدرة البنك المركزي في خفض ارتفاع الأسعار بشكل عام، أكدت زُهير أن الإجراءات الأخيرة من شأنها أن تخفض وتيرة تصاعد الأسعار وأن رفع الفائدة إلى مستويات مرتفعة سينجح في هذا الأمر خاصة إذا نجح في الحفاظ على استقرار العملة المصرية.