لم يكن قرار البنك المركزي الذي اتخذه، الخميس 30 من مارس 2023، مفاجئًا للكثير من الخبراء والمحللين الاقتصاديين؛ في ظل الأوضاع الاقتصادية المتعثرة التي تعانيها مصر، وخاصة مع شح الدولار في البنوك، وتردد دخول الاستثمار الأجنبي إلى البلاد.

وقرر البنك المركزي، الخميس، رفع أسعار الفائدة بـ 200 نقطة أساس لتصل إلى 18.25% للإيداع و19.25% للإقراض.

ومن الطبيعي أن يربط البعض بين رفع سعر الفائدة والتخفيض المحتمل بالجنيه، وذلك من أجل السيطرة على التضخم الناتج عن انخفاض قيمة الجنيه وسحب السيولة من الأسواق.

إلا أن بعض الخبراء يتوقعون عدم حدوث انخفاض قريب في قيمة الجنيه أمام العملات الأجنبية، مشيرين إلى ضرورة توفير سيولة دولارية بالأسواق قبل التخفيض المحتمل، وهو ما قد ينتج الفترة القادمة عن برنامج الطروحات الحكومة.

يأتي ذلك بالتزامن مع وصول الدولار لمستويات قياسية أمام الجنيه بالسوق السوداء مقارنة بالسعر الرسمي.

 

السيناريو الأول - انخفاض الجنيه.. رفع الفائدة

تشير الأحداث التاريخية إلى أن رفع الفائدة في مصر قد لا يكون انعكاس فقط لمستويات التضخم المسجلة الشهر الماضي، بل للسيطرة أيضًا على الارتفاع المتوقع في الأسعار بعد تخفيض الجنيه الذي تتوقعه بنوك ومؤسسات دولية الفترة القادمة، والذي غالبًا ما يتزامن مع رفع الفائدة، ولذلك يربط البعض بين رفع الفائدة وتخفيض الجنيه.

بيد أنه ليس بالضرورة أن يتزامن انخفاض الجنيه مع رفع الفائدة، ولكن الأمر يحدث عندما تكون هناك أسباب واضحة تجعل من الضروري إجراء خفض بقيمة الجنيه، سواء كان ذلك بناءً على شروط صندوق النقد، أو لشح الدولار بالأسواق الناتج عن ارتفاع الطلب عليه وقلة المعروض، أو لأسباب تمويلية مختلفة.

يصبح أيضًا من الضروري إجراء تخفيض في قيمة الجنيه عندما تتسع الفجوة بين السعر الرسمي مع سعر السوق السوداء أو العقود الآجلة، إذ تشير هذه الفجوة أن هناك شح بالعملات الأجنبية، أو أن هناك مخاطر محيطة بالجنيه ترجح انخفاضه مستقبلاً لذلك تراهن العقود الآجلة على انخفاضه.

وقال بنك سوسيتيه جنرال، إنه مع تجاوز سعر الجنيه في العقود الآجلة غير القابلة للتسليم لمدة 12 شهرًا 40 للدولار، فإن تخفيض قيمة الجنيه على نطاق واسع مسألة وقت.

ويعتقد بنك الاستثمار الأمريكي "مورغان ستانلي" أن السياسة النقدية وحدها لن تكون قادرة على إخراج مصر من أزمة النقد الأجنبي، مشيرًا إلى أهمية تسريع الخطط المتعلقة ببرنامج الخصخصة لتوفير سيولة الدولار ضمن برنامج الإصلاح الهيكلي بالتوازي مع سعر الصرف المرن، وفقًا لـ"investing".

ويتوقع مورغان ستانلي أن يظل الاقتصاد المصري حساسًا للصدمات العالمية، مما يسلط الضوء على أهمية وجود نظام سعر صرف مرن بشكل دائم ليكون قادرًا على امتصاص الصدمات واحتواء خسائر الاحتياطيات الأجنبية.

ونستنتج من هذا أن التراجع في قيمة الجنيه مسألة وقت، كما يشير العديد من الخبراء أيضًا، ولتقليل هذه الآثار يتم رفع الفائدة لتخفيف الآثار المحتملة بشأن ارتفاع الأسعار الناتجة عن انخفاض قيمة العملة، بجانب أيضًا تعويض الأفراد بفائدة مرتفعة نسبيًا لتقليل آثار التضخم عليهم.

 

السيناريو الثاني - عدم انخفاض الجنيه.. رفع الفائدة

يعتبر البعض أن رفع الفائدة مجرد حل مؤقت. إذ يتزايد الضغط مرة أخرى على الجنيه بينما تتسابق مصر للعثور على استثمارات أجنبية لمعالجة فجوة التمويل الخارجي، بما في ذلك خطتها الطموحة لبيع حصص من شركات مملوكة للدولة، ولكن الأمر قد يختلف عندما يتم ملء هذه الفجوة عبر الطروحات الحكومية.

وفي الوقت نفسه، يتوقع بنك "غولدمان ساكس (NYSE:GS)" أن يبلغ التضخم ذروته في الربع الثالث عند حوالي 36%، مستبعدًا حدوث أي تخفيضات أخرى في قيمة العملة.

ويشير أيضًا بنك "BNP Paribas": "أنه لا جدوى في الوقت الراهن من خفض الجنيه، وقد ينتظر هذا الأمر لما بعد إجازات عيد الفطر، مع بدء تفعيل برنامج الطروحات الحكومية في البورصة، لأنه يجب رهن الخفض بزيادة وفرة الدولار في السوق المصري".

وأضاف البنك: أن الخفض سيسهل عودة دخول المستثمرين الأجانب في برنامج الطروحات الحكومية، لكن مستثمري المحافظ ليسوا في عجلة من أمرهم لدخول السوق المصري في الوقت الراهن، لأنه بحساب العائد على السندات المصرية بعد التحوط والضريبة، سيكون بالسالب لا بالموجب، ولا يعتقد أن رفع الفائدة بواقع 200 أو 300 نقطة أساس سيعيد الأجانب إلى سوق السندات المصرية في الأسابيع المقبلة".

وتوقعت وكالة "فيتش سوليوشنز" في وقت سابق، تسجيل سعر صرف الجنيه أمام الدولار 30 جنيهًا بنهاية العام الحالي، وذلك بعد أن ينخفض أمام الدولار إلى مستويات الـ 33 على المدى القصير خلال الأسابيع القادمة.

وأرجعت الوكالة ارتفاع الجنيه إلى مستويات الـ 30 بنهاية العام بعد انخفاضه إلى 33 إلى عدة عوامل أبرزها التقدم السريع في بيع الأصول المملوكة للدولة بحلول النصف الثاني من 2023، وزيادة تدفقات العملات الأجنبية، والتقارب بين سعر الصرف الرسمي ونظيره بالسوق الموازية.

وبالتالي يشير هذا السيناريو إلى أن التخفيض قد لا يحدث قريبًا، بل قد ينتظر البنك المركزي حتى حدوث تقدم ملحوظ في بيع الأصول المملوكة للدولة لتوفير السيولة الدولارية التي ستحتاجها الأسواق بعد تخفيض العملة.

 

السيناريو الثالث – طرح شهادات ادخارية جديدة مرتفعة العائد

منذ أيام بدأ استحقاق شهادات الـ 18% التي أصدرها بنكا الأهلي المصري ومصر قبل سنة، ما سيعيد مئات المليارات من الجنيهات إلى التداول مرة أخرى في الوقت الذي تعاني فيه البلاد من تضخم مرتفع وعملة متراجعة.

ويطرح عودة كل هذه الأموال مرة أخرى إلى أيدي المودعين التساؤلات حول البدائل التي يمكن أن تستوعبها مجددًا حتى لا تضيف أعباء جديدة إلى سوق فيها الكثير من السيولة بالفعل تنتشر فيها الدولرة.

وترى "فيتش سوليوشنز" البحثية أن هناك فرصًا لطرح شهادات مرتفعة العائد، إذا ما أراد البنك المركزي تهدئة وتيرة التشديد النقدي، وهو ما اتفق معه المحاضر في الجامعة الأمريكية، هاني جنينة.

ويرى جنينة، أنه من المفترض أن تطرح البنوك شهادات مرتفعة العائدة، بعد رفع الفائدة من المركزي، والبديل لذلك يكون تقييد كمى عبر وضع حدود على الاقراض، خاصة مع وصول التضخم للمستويات المرتفعة الحالية.

وعليه، يترقب عملاء القطاع المصرفي المصري إصدار البنوك شهادات ادخارية جديدة ذات سعر فائدة أعلى من شهادات الـ 25%.

وغالبًا ما يتزامن إعلان رفع الفائدة مع تعديل محتمل لسعر العملة، خاصة في مصر، وذلك من أجل السيطرة على الأسعار وسحب السيولة من السوق، وهو الأمر الذي حدث في 4 تعويمات سابقة للعملة.

 

السيناريو الرابع – انتعاش السوق السوداء من جديد

أفادت وكالة بلومبرج، بأن الجنيه تم تداوله عند حوالي 35.5 - 36 للدولار في السوق الموازية، الخميس، وفقًا لعدد من المتداولين. يأتي هذا مقارنة بالسعر الرسمي الذي يبلغ حوالي 30.9 للدولار في البنوك المصرية.

وقال فاروق سوسة من "غولدمان ساكس": "الطلب على النقد الأجنبي مستمر في تجاوز المعروض مما يوفر الظروف لنمو السوق الموازية".

وتشهد مصر ضغوطًا مكثفة على الجنيه بينما تكافح لتأمين التدفقات الخارجية إلى سوق ديونها المحلية والاستثمار الأجنبي المباشر، بما في ذلك من دول الخليج، وفقًا لبلومبرج.

وعلى الرغم من تعهده في أكتوبر بأن يكون العرض والطلب هو الآلية المحددة لسعر الصرف، يدير البنك المركزي العملة في نطاق ضيق ظل دون تغيير فعلي عند نحو 30.80 و30.90 جنيه للدولار منذ ثلاثة أسابيع.

وفي الوقت نفسه، قبل أقل من شهر، تم تداول الجنيه عند حوالي 33.5 مقابل الدولار في السوق السوداء مقابل سعر رسمي قدره 30.73، وفقًا لبومبرج.

في سوق العقود الآجلة غير القابل للتسليم، يتحوط التجار أيضًا ضد احتمال حدوث انخفاض حاد في الجنيه. إذ انخفض عقد العملة لمدة ثلاثة أشهر يوم الخميس إلى ما يزيد عن 35 للدولار للمرة الأولى، قبل ساعات فقط من إعلان البنك المركزي عن قراره بشأن سعر الفائدة. ولأجل 12 شهراً، وصل الدولار إلى 40.7 جنيه، وفقًا لبيانات بلومبرج.

والعقود الآجلة هي عقود تتم بين طرفين، حيث يضع كل طرف رهانه في هذا العقد على السعر الذي سيصل إليه الجنيه بعد عام من الآن - إذا كانت لأجل 12 شهرًا-، ولهذه السبب سميت آجلة أي لا تحدث عاجلاً.

ولكن الجدير بالذكر في هذا الإطار، أننا نتحدث هنا في حالة الجنيه المصري عن عقود آجلة غير قابلة للتسليم، والتي تعتبر مجرد أداة تستخدم عمومًا للتحوط أو المضاربة على العملات عندما تزيد ضوابط الصرف من صعوبة تداول الأجانب في السوق الفورية مباشرة. حيث يختلف العقد الآجل غير القابل للتسليم عن العقد الآجل العادي في أنه لا توجد تسوية فعلية للعمليتين عند حلول موعد الاستحقاق.

 

نمو المعروض النقدي وارتفاع حجم الودائع بالعملات الأجنبية

أظهرت بيانات البنك المركزي، الخميس، نمو المعروض النقدي 31.5% في فبراير على أساس سنوي.

وبلغ المعروض النقدي 7.81 تريليون جنيه في فبراير مقابل 5.94 تريليون جنيه في الشهر نفسه العام الماضي.

وفي الوقت نفسه، أفادت البيانات بارتفاع حجم الودائع بالعملات الأجنبية خلال الفترة من نوفمبر 2016 إلى يناير 2023 من 652.614 مليار جنيه إلى 1.438 تريليون جنيه مسجلة نسبة نمو بلغت 120.49%. جاء ذلك مدفوعًا بانخفاض قيمة الجنيه مقابل الدولار؛ إذ هبط من 8.85 جنيه يوم 2 نوفمبر 2016، عشية التعويم الأول إلى 30.11 جنيه يوم 31 يناير الماضي.