لم يكتف النظام الانقلابي في مصر بجريمته في الاستيلاء على السلطة، وقتل وسجن وملاحقة عشرات الآلاف من المعارضين، إذ تكشفت خلال اليومين السابقين فضيحة من العيار الثقيل تثبت تلقي مسئولين مصريين لرشاوى ضخمة من شركتين عالميتين إحداهما أمريكية والأخرى سويدية.

وفي هذا الإطار، رصدت وزارة العدل الأمريكية، خلال مارس الجاري، واقعتي فساد بين شركات أمريكية وسويدية وأخرى تابعة لحكومة الانقلاب.

وبعد تحقيقات موسعة أجرتها الوزارة، توصلت إلى أن الواقعتين تتعلقان بتلقي مسؤولين حكوميين في مصر رشاوى مقابل صفقات تجارية مع شركتين عالميتين في مجالي الكيماويات والاتصالات.

 

شركة "النصر للكوك والكيماويات"

والواقعة الأولى تتعلق بإعلان وزارة العدل الأمريكية، الثلاثاء، أن شركة الفحم "كورساكول" الأمريكية، اعترفت بدفع رشوة لمسؤولين مصريين مقابل عقود توريد لشركة "النصر للكوك والكيماويات" التابعة لحكومة الانقلاب.

وأوضحت الوزارة في بيان لها على موقعها الرسمي، الثلاثاء، أن شركة "كورسا" للفحم اعترفت بانتهاك موظفيها ووكلائها لقانون الممارسات الأجنبية الفاسدة من خلال قيامهم برشوة مسؤولين بحكومة الانقلاب للفوز بعقود لتوريد الفحم لشركة مصرية مملوكة للدولة.

ووفقًا للبيان، دفعت شركة "كورسا" ومقرها ولاية بنسلفانيا الأمريكية، 4.8 مليون دولار إلى وسيط في مصر يعرف موظفو شركة "كورسا" أنه سيُستخدم جزئيًا في رشوة المسؤولين في شركة النصر لفحم الكوك والكيماويات، بما في ذلك رئيس شركة النصر.

وفي مقابل الرشاوى، فازت "كورسا" بـ143 مليون دولار في عقود الفحم من النصر، وحققت أرباحا قيمتها 32.7 مليون دولار، وفقًا لموقع "الحرة".

وذكرت وزارة العدل أنه استنادا إلى تحقيق مستقل أجرته، لم تتمكن "كورسا" من إخفاء المكاسب غير المشروعة تحديدا فيما يخص مبلغ قيمته 1.2 مليون دولار، ولم تقدم ما يثبت كيفية الحصول عليه.

ووفقا للبيان، فإن "كورسا" قدمت إفصاحًا ذاتيًا وطوعيًا في الوقت المناسب عن سوء السلوك، وأعلنت رغبتها في التعاون الكامل مع وزارة العدل فيما يتضمن تقديم معلومات حول الأفراد المتورطين ومحاسبتهم ومعالجة الأمر، بما في ذلك إنهاء عقد مندوب مبيعات متورط في قضية الرشوة.

وأشار البيان إلى أنه تم القبض على المدير التنفيذي السابق لشركة الفحم، تشارلز هانتر هوبسون، في مارس الماضي، ووجهت إليه تهمة ضلوعه في مخطط مزعوم لرشوة مسؤولين في مصر فيما يتعلق بالعقود مع شركة "النصر". كما ووجهت إليه عدة تهم أخرى هي خرق قانون الممارسات الأجنبية الفاسدة، وغسل الأموال، وارتكاب عمليات احتيال عبر الإنترنت.

 

لا ملاحقات لشركة "كورسا"

وأوضحت وزارة العدل الأمريكية في خطابها، أنها ترفض ملاحقة شركة “كورسا” بانتهاكات قانون الممارسات الأجنبية الفاسدة، لعدد من العوامل؛ في مقدمتها أن الشركة بادرت بشكل طوعي بكشف سوء السلوك في الوقت المناسب، كما تعاونت الشركة بشكل كامل واستباقي في القضية، بما في ذلك توفير جميع التفاصيل ذات الصلة بالمتورطين بواقعة الرشوة وغيرها.

وأشارت في نهاية خطابها إلى أن الخطاب لا يوفر أي حماية ضد مقاضاة أي أفراد، بغض النظر عن انتمائهم إلى “كورسا”، وإذا علمت الحكومة بمعلومات تغير تقييمها لأي من العوامل الموضحة أعلاه، فيجوز لها إعادة فتح تحقيقها، وفقًا لـ"رصد".

 

شركة "إريكسون مصر" للاتصالات

وفي واقعة مشابهة وقبل عدة أيام، ذكرت وزارة العدل الأمريكية، بعد تحقيق موسع أجرته، أن شركة "إريكسون مصر المحدودة"، الشريك الفني لوزارة الاتصالات المصرية والمسؤولة عن إنشاء مراكز الاتصالات الحكومية الرئيسة، "أقرت بأنها مذنبة في التآمر لخرق أحكام مكافحة الرشوة الواردة في قانون الممارسات الأجنبية الفاسدة".

وأعلنت وزارة العدل في بيان آخر على موقعها الإلكتروني، في الثاني من مارس الجاري، أن شركة "إريكسون"، وهي شركة اتصالات متعددة الجنسيات يقع مقرها الرئيس في ستوكهولم بالسويد، ستدفع غرامة جنائية تزيد عن 206 مليون دولار بعد انتهاك اتفاقية الملاحقة المؤجلة لعام 2019 (DPA).

وذكر بيان وزارة العدل "أنه في الفترة ما بين 2000 إلى 2016، استخدمت إريكسون (العالمية) شركات ثالثة ومستشارين لدفع الرشاوى وإدارة مدفوعات خارجة من الحسابات في جيبوتي والصين وفيتنام وإندونيسيا والكويت".

وقال المدعي الأمريكي داميان ويليامز: “انخرطت شركة إريكسون في انتهاكات كبيرة لقانون الممارسات الأجنبية الفاسدة وأبرمت اتفاقًا مع وزارة العدل لتنظيف عملها”. “يشير خرق الشركة لالتزاماتها بموجب اتفاقية حماية البيانات إلى أن إريكسون لم تتعلم درسها، وأنها تواجه الآن ثمنًا باهظًا بسبب زلاتها المستمرة. كما يوضح إقرار إريكسون المتوقع بالذنب بشكل واضح ، فإن المنطقة الجنوبية في نيويورك ستحاسب الشركات التي تفشل في الوفاء بالتزاماتها من أجل القضاء على سوء سلوكها والإبلاغ طوعيًا عن سوء سلوكها إلى وزارة العدل “.

وأثارت القضيتان جدلًا في مصر أبرزته على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث عبر رواد هذه المواقع عن غضبهم تجاه ضلوع مسؤولين حكوميين في تلقى رشاوى لسنوات وصل صداها إلى الحكومة الأمريكية دون محاسبة من الجانب المصري.

ويأتي الإعلان عن تهم الفساد والرشاوى التي ارتكبها مسؤولون مصريون بالتزامن مع ما تشهده مصر من أسوأ أزمة اقتصادية مرت عليها، وارتفاع معدلات التضخم، وبالتالي أسعار السلع الأساسية مصحوبة بشح الدولار.