تشير عدد من الشركات الأمريكية والعالمية في وول ستريت، إلى أن تخفيض قيمة الجنيه أصبح وشيكا في مصر التي تواجه طلبًا متزايدًا على الدولار.

وقد يضطر البنك المركزي إلى رفع أسعار الفائدة بما يصل إلى 300 نقطة أساس عندما يجتمع في وقت لاحق من مارس الجاري، بعد أن تجاوز التضخم في فبراير التوقعات بكثير.

واتفق مجموعة من الخبراء، تحدثت إليهم "بلومبيرج"، على أن حكومة الانقلاب "لا تزال تحرك العملة المحلية، وهذا ليس ما يريده الصندوق أو مديري ديون الأسواق الناشئة. ولا أحد يريد التداول على عملة ضعيفة تحاول حكومتها إعطائها قيمة أعلى من حقيقتها، وهذا هو ما يتسبب في ارتفاع التضخم لعدم حصول مصر على أي تدفقات رأسمالية".

واستبعد الخبراء تخلف مصر عن الالتزام بالدفعات المقررة من الديون خلال شهري مارس الجاري وإبريل المقبل، لكنهم حذروا من عدم تأثير التحرك الجديد لسعر الصرف على التدفقات الأجنبية، سواء عبر الاستثمار المباشر أو في الأصول المصرية، ما يعني تفاقم الأعباء.

 

أكثر من تخفيض قادم

ومن جانبه، اتفق الخبير الاقتصادي، كريم سلام، مع توقعات "بلومبيرج" بشأن اقتراب موعد انخفاض جديد للجنيه خلال مارس الجاري، كما توقع حدوث تخفيض آخر خلال الثلاث أشهر المقبلة أيضًا.

وتوقع أن يتجاوز سعر صرف الجنيه بعد التعويم المقبل حاجز الـ35 جنيهًا لكل دولار، وفقًا لموقع "الحرة". 

وقال الخبير الاقتصادي إن تعويم الجنيه سيتكرر طالما لم تحدث قرارات اقتصادية سليمة. وتوقع أن "ينخفض الجنيه مباشرة ليصل الدولار إلى 37 جنيها بنهاية يونيو القادم، وقد يتعداها".

وأبدى سلام تشاؤمًا في نظرته المستقبلية للأزمة الاقتصادية في مصر، وتوقع أن تتجاوز قيمة الدولار 50 جنيهًا بنهاية العام الجاري، وشكك في أن تكون لدى إدارة السياسات النقدية المصرية القدرة على إصلاح الوضع قريبًا.

وتحدث عن أسباب تكرار خفض قيمة الجنيه، موضحًا أن مصر تحتاج إلى ما يقرب من 8.5 مليارات دولار لتسديد أقساط وفوائد الديون الخارجية حتى نهاية يونيو المقبل، وليس لديها مصادر دخل بالعملة الأجنبية تكفي تسدي هذه الديون، وفي الوقت نفسه يزداد الطلب على الواردات التي تستهلك العملة الأجنبية المتوفرة في مصر.

 

تأخر التدفقات الدولارية

وتقول محللة الاقتصاد الكلي بأحد البنوك، منى بدير، إن "المؤشرات الحالية توضح العودة إلى الوضع الذي شهدته مصر في شهر أكتوبر الماضي، والذي شهد الانخفاض الثاني لسعر الصرف، من حيث الضغوط الخارجية، وتأخر الحكومة في بعض الإجراءات، وتخوف المستثمرين من قدرة مصر على الالتزام، وقدرة البنك المركزي على الحد من التضخم، خاصة بعد تثبيته لأسعار الفائدة بشكل غير متوقع في اجتماعه الأخير في فبراير".

ووفق المحللة الاقتصادية، فإن "استمرار تأخر التدفقات المتوقعة من دول الخليج العربي، وتأخر اتخاذ خطوات جادة بشأن الطروحات الحكومية، وتعطل المفاوضات بشأن طرح بعض الشركات منها المصرف المتحد، كانت إشارات سلبية راكمت الضغوط وجددت المخاوف بشأن سعر الصرف".

وترى بدير أن "المخاوف الكبرى ليست في التحرك الحالي لأسعار الصرف، وإنما في عدم حدوث تغيّر بشأن مستوى التدفقات والاستثمار في الأصول المصرية، ما يعني وصول الوضع لمستوى حرج يتطلب التدخلات الجادة لإثبات جدية الحكومة في برنامج الإصلاح والخصخصة"، وفقًا لـ"سبوتنيك".

 

صعوبة الالتزام بسداد الديون

ولفتت بدير إلى أن "سداد الديون المقررة في مارس وأبريل لا يمثل معضلة، خاصة أن مصر تلتزم عبر تاريخها بجداول السداد، وتتوفر على احتياطيات "معقولة" في الوقت الراهن، لكن التحدي الأكبر في الفترات المقبلة بشأن الالتزام بسداد الديون، مع استمرار ضغوط تتراكم من حين لآخر وتأزم الوضع بصورة أكبر".

ويبلغ إجمالي قيمة الالتزامات على مصر خلال العام المالي الحالي 2022 - 2023، الذي بدأ في شهر يوليو الماضي، وينتهي في يوليو المقبل، نحو 20.2 مليار دولار، منها نحو 8.7 مليار دولار خلال النصف الأول، الذي انتهى في ديسمبر 2022، وفق بيانات البنك المركزي.

ويشير جدول سداد الدين الخارجي متوسط وطويل الأجل، إلى أنه يتعيّن على مصر سداد 8.32 مليار دولار، حتى نهاية يونيو 2023، فيما يجب سداد 10.9 مليار دولار في النصف الأول من 2024، و13.3 مليار دولار في النصف الثاني من العام نفسه.

ويقدّر صندوق النقد الدولي، بلوغ فجوة التمويل الخارجي في مصر نحو 17 مليار دولار خلال البرنامج المتفق عليه مع القاهرة، ويمتد 46 شهرًا، ويتوقع أن يسهم الاتفاق مع الصندوق في إتاحة تمويلات إضافية بنحو 14 مليار دولار للبلاد من شركاء دوليين وإقليميين.

 

المواطن يدفع الضريبة

وأكد أستاذ الاقتصاد بالجامعة البريطانية في مصر، مصطفى عبدالكريم، أن المؤشرات الاقتصادية تؤكد تكرار عمليات تخفيض قيمة الجنيه، متوقعًا انتعاش السوق السوداء وتجارة العملة.

وعن مدى تأثير تكرار التعويم على الأسعار ومدى قدرة المواطنين في مصر على تحمل في هذا الوضع، قال عبد الكريم إن معاناة المصريين ستتفاقم نتيجة لارتفاع أسعار السلع المستوردة بعد خفض الجنيه، متوقعًا زيادة معدلات الفقر، وفقًا لـ"الحرة".

وأوضح أن "المواطن هو من يدفع بمفرده ضريبة الفشل الحكومي"، مؤكدًا أن أكثر ما يسبب غضب المصريين حاليًا هو سوء الإدارة والتخطيط من قبل الحكومة وليس فقط ارتفاع الأسعار.

وأشار إلى غضب قطاع واسع من الشعب بسبب قرارات الحكومة في بيع الشركات والأصول المملوكة للدولة والتي تمثل قيمة اقتصادية وأمنية بدون تقديم أي شرح يوصف الحالة والأسباب للشعب الغاضب، الذي لا يرى أي ثمار لعمليات البيع.

وأعطى أستاذ الاقتصاد مثالًا على سوء الإدارة والتخطيط الحكومي، قائلًا إن الشركة الإماراتية التي اشترت شركة أبو قير للأسمدة أعلنت تحقيقها أرباحًا كبيرة بالدولار في الربع سنوي للعام الجاري بما يتجاوز ضعف ما حققته الشركة في الفترة نفسها من العام الماضي عندما كانت تحت ملكية الحكومة المصرية".

وأكد أن "كل ما يحدث في مصر هو سوء إدارة وتخطيط وشفافية"، منتقدًا "استمرار الحكومة وتصميمها على تنفيذ المشاريع غير المجدية والتي لا تأتى ضمن أولويات المرحلة، وعلى رأسها المشاريع العمرانية في العاصمة الإدارية".