قام قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي، الخميس الماضي، بتوجيه حكومته لتنفيذ حزمة جديدة من برامج الحماية الاجتماعية، في محاولة لاحتواء الغضب الشعبي الناتج عن زيادة أسعار بيع البنزين بنسبة 11%، والارتفاع المتصاعد في أسعار السلع والمنتجات كافة، على وقع تراجع قيمة الجنيه أمام الدولار.

توجيه السيسي رفع الحد الأدنى لأجور العاملين في الجهاز الإداري للدولة من 3000 إلى 3500 جنيه، وزيادة دخولهم إجمالًا بحد أدنى 1000 جنيه شهريًا، فضلًا عن تقديم موعد زيادة المعاشات من يوليو إلى إبريل المقبل، وزيادتها بنسبة 15% بدلًا من 13%.

وقال السيسي، على هامش افتتاح بعض المشروعات في محافظة المنيا، إن الحد الأدنى لرواتب العاملين في الدولة سيبلغ 3500 جنيه شهريًا للموظفين على الدرجة السادسة، أو ما يعادلها، و5000 جنيه للموظفين على الدرجة الثالثة النوعية، و6000 جنيه لحاملي درجة الماجستير، و7000 جنيه لحاملي درجة الدكتوراه.

ووجّه السيسي أيضًا بزيادة المبالغ المالية المخصصة لبرنامج "تكافل وكرامة" بنسبة 25%، الذي يمنح الأسرة الفقيرة معاشًا شهريًا بقيمة 450 جنيهًا، ورفع حد الإعفاء الضريبي على الدخل السنوي من 24 ألف جنيه إلى 30 ألف جنيه، بداية من أول إبريل 2023.

 

سيمفونية "بنحاول"

وتابع السيسي بالقول: "أقول للمعنيين بالأمر، خلوا بالكم المصريين بقالهم 10 سنين عايشين في الكلام ده، وطول ما إحنا كده ماحدش أبدًا هايقدر يعمل حاجة"، مستدركًا: "العالم يمر بأزمة كبيرة، ولا أبالغ في هذا لأنكم أكيد متابعين اللي بيحصل. ونحن نحاول بقدر الإمكان ألا تنعكس آثار هذه الأزمة على حياة الناس أكثر من اللازم".

وأردف مخاطبًا المصريين: "هاتقولوا بعد كل الضغط اللي إحنا فيه ده، أنت بتقول بنحاول مانخليش الآثار تبقى قوية علينا، آه صدقوني بنحاول. طيب السؤال بقى أنت مش خائف؟ لا مش خائف لأن ربنا موجود، وهو قادر على كل شيء. وهم (من يعارضونه) يستهدفون شيئًا واحدًا فقط، هو أن يفقدوكم الثقة في أنفسكم، وفينا (النظام)".

 

نصباية الأجور والمعاشات

إلى هذا الحد، يمكن للقارئ أن يعتقد أن مصر تقوم برفع مستوى معيشة أبنائها، وأن قائد الانقلاب يهتم بذوي الدخول القليلة والأسر الفقيرة، وأن حكومته تعمل على رفع كرامة المواطن ومنحه المال والخبز الذي يريد.

لكن وقفة تحليلية أمام خطاب السيسي، الذي دسّ فيه السم بالعسل بطريقته المعهودة في النصب والاحتيال، والضحك على البسطاء من المواطنين، يتبين لك كيف أنه يهتم بالأرقام بينما هي خواء، ويهتم برفع الأجور وهو يعلم أنه رفع أسعار البنزين والغاز ما سيترتب عليه رفع الأسعار أضعافًا مضاعفة، وأن الزيادة التي قررها، في ضوء خفض قيمة الجنيه، إنما تعني فقرًا وبؤسًا ومشقة بطريقة متزايدة على جيوب وحياة المصريين.

ونقول إن الحد الأدنى للأجور كان يبلغ 2700 جنيه في مارس 2022 وهو ما يساوي 172 دولارًا حين كان الدولار يساوي 15.7 جنيهًا، أما اليوم وبعد أن أصبح الدولار يساوي 30.78 جنيهًا، فإن زيادة الحد الأدنى من الأجور إلى 3500 جنيه يساوي 113 دولارًا فقط، وهو ما يعني في الحقيقة خفضًا لقيمة الرواتب والأجور والمعاشات وليس رفعًا لها.

 

مزيد من المعاناة للمواطنين

حديث السيسي واكبته حالة من الاحتقان في الشارع، بسبب تداعيات قرار رفع سعر بنزين 80، المعروف بـ"بنزين الفقراء في مصر"، من 8 جنيهات إلى 8.75 جنيهات للتر، بزيادة 9.3%، وبنزين 92 من 9.25 جنيهات إلى 10.25 جنيهات للتر، بزيادة 10.8%، وبنزين 95 من 10.75 جنيهات إلى 11.50 جنيهًا للتر، بزيادة 7%.

ويعاني المواطنون من أوضاع اجتماعية واقتصادية شديدة الصعوبة نتيجة القفزات المتتالية في أسعار جميع السلع الأساسية، على خلفية فقدان الجنيه أكثر من 95% من قيمته في غضون عام، وفقًا لـ"العربي الجديد".

ويتوقع خبراء اقتصاديون أن تؤدي سياسات الحكومة إلى مزيد من المعاناة للمواطنين، مع استفحال التضخم وارتفاع الأسعار إلى معدلات غير مسبوقة.

 

زيادة الأجور توازي خفض الدعم عن البنزين

وترى آية زهير، رئيس قطاع البحوث فى زيلا كابيتال، أن زيادة الأجور سيوازنها خفض الدعم عن البنزين الذي أقرته مصر بزيادات في الأسعار تراوحت بين 75 قرشًا وجنيه للتر البنزين. وأوضحت أن رفع الأجور توقيته ملائم لأنه يخفف من تداعيات أزمة الدولار وانخفاض قيمته ورفع أسعار الوقود.

وقال محمد أبو باشا، كبير المحللين الاقتصاديين ونائب رئيس قطاع البحوث في المجموعة المالية هيرميس، إن رفع تقديرات عجز الموازنة خلال العام المالي الحالي مدفوع بارتفاع تكلفة الفوائد، مع حفاظ الموازنة على تحقيق فائض أولي، بما يتماشى مع المستهدفات التي كشفت عنها وثائق صندوق النقد، وفقًا لـ"investing".

ولم يكشف التقرير نصف السنوي لوزارة المالية حجم دعم البنزين، لكنه نوه إلى ارتفاع تقديرات أسعار خام برنت في الموازنة إلى ما بين 90 و95 دولار بدلًا من 80 دولارًا للبرميل، وكل دولار زيادة في سعر البرميل يؤدى لزيادة فاتورة الدعم بمليار جنيه، أي أن فاتورة الدعم المُقدرة عند 97 مليار جنيه مرشحة للزيادة ما بين 10 و15 مليار جنيه، قبل احتساب أثر سعر الصرف.

وتوقعت هبة منير، محلل الاقتصاد الكلى والبنوك في شركة إتش سي للأوراق المالية، اتساع عجز الموازنة إلى 7.3% من الناتج المحلي خلال العام المالي الحالي، بسبب تداعيات الأزمة العالمية على الشأن الداخلي في مصر، والتي تشمل ارتفاع أسعار الفائدة عالميًا وانخفاض قيمة الجنيه، وخفض مستهدفات النمو.

 

زيادة الأجور لن ترفع أعباء التضخم

وتعليقًا على قرارات قائد الانقلاب وحكومته، أصدر الحزب المصري الديمقراطي بيانًا، الأحد، أكد فيه أن زيادة أجور العاملين بالدولة والمعاشات لن ترفع أعباء التضخم الحقيقية عن كاهل المواطنين.

وقال الحزب إن "قرارات زيادة الأجور والمعاشات يجب أن يصاحبها بعض الإجراءات المالية الأخرى، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: رفع الحد الأدنى للإعفاء الضريبي على الرواتب، وزيادة مخصصات الدعم لبعض السلع الأساسية، مع الإقرار بأن تلك الحلول العاجلة والضرورية لن تغني عن ضرورة بذل جهود كبيرة أخرى في سبيل تغيير السياسات الاقتصادية والمالية والنقدية، من أجل محاولة كبح التضخم وغلاء الأسعار".

وشدد على "أهمية تطبيق طرق واستراتيجيات مختلفة لسد الفجوة التمويلية من العملات الأجنبية، والتي يرى الحزب أنها السبب الرئيس والأهم في أزمة التضخم"، مستطردًا بأن "التدهور الكبير في أسعار صرف الجنيه هو نتيجة تراكم أخطاء جسيمة في السياسات المالية والنقدية والاقتصادية من الحكومة، مع تكرارها كل عام".