قال موقع "ميدل إيست آي" إن الجيش رفض خططا وضعتها نقابة المهندسين، من شأنها أن تجمع بين التطوير، ورغبات المجتمع المحلي، دون الحاجة إلى هدم البيوت.

ونقل الموقع عن مصدر أمني تبرير ذلك بأن "تطوير المنطقة يحمل بعدا أمنيا بالإضافة إلى البعد الاقتصادي، وأن أي مستثمر أجنبي يأمل في إدارة الميناء، لا يفضل أن يكون بجواره مناطق سكنية، ربما يتسلل منها مهاجمون، وانتحاريون"!

 

تهجير قسري

الموقع البريطاني (MEE) قال إن آلاف المصريين مهددون بالتهجير القسري بسبب مشروع الميناء الذي تعمل السلطات على تطويره في العريش بشمال سيناء.

وقال التقرير إن ما يقرب من 21 ألف من السكان سوف يتضررون من الميناء الذي يتم التخطيط لإقامته في العريش، أكبر مدينة في شبه الجزيرة، والتي تقع على ساحل البحر المتوسط إلى الشرق من ثغر القناة.

في حين يقدرهم رحمي بكر "نائب" برلمان العسكر عن مدينة العريش بما يقرب أربعة آلاف مواطن.


بيع الأصول

وأضاف تقرير موقع ميدل إيست البريطاني أن مشروع الميناء خطوة لخصخصة الشركات وغير ذلك من الأصول التي تعود ملكيتها إلى سلطة قناة السويس، بما يسمح للمستثمرين الأجانب أو الكيانات الأجنبية التحكم بستة موانئ استراتيجية تطل على البحر المتوسط وعلى البحر الأحمر، بما في ذلك ميناء العريش.

وأوضح أن خصخصة الميناء وتمليكه لشركات أجنبية -في الأغلب من الخليج- تدعي حكومة السيسي أنه يساهم ذلك في تعزيز اقتصاد البلاد الذي يواجه مصاعب جمة.

وقال التقرير إن الأرض فيما مضى كانت ملكاً للدولة، ولكن في عام 2019 اشتمل مرسوم رئاسي على "إعادة تخصيص منطقة من الأرض المملوكة للدولة في محافظة شمال سيناء لصالح القوات المسلحة من أجل استخدامها في توسيع وتطوير ميناء العريش"، حيث أنيط بسلطة الهندسة في القوات المسلحة مسؤولية تطوير الميناء والمناطق المحيطة به.

وشمل البناء توسيع الأرصفة التي تستخدم لتحميل وتنزيل البضائع والحاويات على السفن ومنها، ونقل "موقع ميدل إيست" عن محمد عبد الفاضل شوشة، الذي يعمل داخل مكتب محافظة شمال سيناء، إن 100 عائلة تم تعويضها حتى الآن، إلا أن السكان يقولون إن هذا الرقم هو نفسه منذ عام 2020، من بين نحو 21 ألف مواطن يسكن الريسة.

وبحسب حجم المنزل، فإن التعويضات تتراوح ما بين 100 ألف و 350 ألف جنيه مصري (ما يعادل 3275 إلى 11455 دولاراً).


احتجاجات يومية للأهالي

ولكن في حركة نادرة من التحدي في شبه الجزيرة الذي يخضع لإجراءات أمنية مشددة؛ ينظم السكان احتجاجات يومية أمام مبنى محافظة شمال سيناء في منطقة الريسة من المدينة، رجاء أن يفضي ذلك إما إلى إلغاء مشروع التطوير أو تقديم تعويضات مناسبة إلى الذين يتم إخلاؤهم.

ونقلت عن "خورشيد"، خباز منزله معرض لخطر الهدم: "عليهم أن يقتلونا إذا كانوا يريدون طردنا، فبيوتنا هي شرفنا".

وفي تصريح لموقع ميدل إيست آي، قال محمد عبد الفاضل شوشة، الذي يعمل داخل مكتب محافظة شمال سيناء، إن مائة عائلة تم تعويضها حتى الآن، إلا أن السكان يقولون إن هذا الرقم هو نفسه منذ عام 2020.

مكتب شوشة قال: "المحافظة ليست صاحبة القرار، وإنما هي مجرد قناة بين الناس والحكومة. لقد عقدنا اجتماعات في الثاني عشر والثالث عشر من فبراير في مقر المحافظة الرئيسي، وننوي تسليم رفض السكان إلى الإدارة السياسية".

وتخضع المدينة لحملة من القمع منذ عام 2017، وذلك مع أن وتيرة وشدة الهجمات تراجعت إلى حد ما خلال العامين الماضيين، بينما زادت حدة في منطقة الإسماعيلية على الضفة الغربية من القناة.

ونقلت عن سلمان، (حارس أمن في إحدى شركات النفط)، وعمره 55 عاما، ويمتلك شقة في منطقة شاليهات السعد، والتي صنفت باعتبارها "مشروع تطوير في الجوار". ولكن في شهر سبتمبر من عام 2022 تم إبلاغه من خلال كتاب خطي إن عليه إخلاء المكان. ثم صحا ذات يوم ليجد كلمة "هدم" قد طليت على باب منزله باللون الأحمر. خلال ثلاثة أيام كان المنزل قد هدم بوجود قوات مكافحة الشغب للحيلولة دونأي نوع من التجمع أو المقاومة.

وقال سلمان متحدثاً لموقع ميدل إيست آي: "لا يمكنني إقناع أبنائي الذين رأوا منزلهم يدمر على أيدي الجيش بأن يكونوا وطنيين أو قوميين". وقال إن عائلته اضطرت للانتقال إلى الإسماعيلية المجاورة حيث تقيم مع بعض الأقارب. وقال إن المشاعر المعادية للحكومة تتنامى داخل المدينة.

وقالت أم محمد، التي تبلغ 35 من عمرها: "لقد عانينا من الإرهابيين وتهديداتهم، وها نحن الآن نواجه إرهاب المحافظة التي تعزم هدم منزلنا وطردنا".

وأضافت: "معظم المنازل التي في منطقة الريسة شيدها عمال كدحوا لسنوات من أجل تأمين سكن لعائلاتهم. لقد عمل شقيقي ووالدي في مشاريع البناء في مختلف أرجاء شبه الجزيرة من أجل أن يدفعوا ثمن كل لبنة. والآن يريدون منا أن نرحل".

وتخشى أم محمد، ويشاركها في ذلك آخرون، من أن التعويض المقترح لن يكفي لشراء أراض أو منازل في شمال سيناء، فالأسعار لم تلبث ترتفع بشكل حاد منذ 2019 مع فقدان الجنيه المصري لقيمته واستملاك الجيش لمعظم المساحات الخالية من أجل إنشاء مجمعات سياحية أو سكنية.

وكثير من السكان هم من أهل البلاد الأصليين في سيناء، عاش أسلافهم في المدينة منذ أيام الاحتلال البريطاني. وعن ذلك تقول أم محمد: "شاركت عائلتنا في المقاومة ضد البريطانيين ثم ضد الصهاينة في عام 1948. لقد قاتل والدي في حروب مختلفة، بما في ذلك في حرب العبور عام 1973، وبقينا نعيش في العريش على الرغم من أن الإرهابيين كانوا يجولون ويصولون في شوارعنا".

ويندر أن تنظم احتجاجات في شمال سيناء، حيث تقوم الأجهزة العسكرية والأمنية بإخفاء المدنيين قسرياً.

ويحتج السكان عبر الإنترنت من خلال نشر مقاطع الفيديو والتدوينات التي يعترضون من خلالها على هدم منازلهم.

وفي مقطع فيديو نشرته مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان، يظهر رجل ضمن مجموعة من الناس احتشدوا داخل منطقة الميناء، وهو يتحدث للكاميرا متسائلاً: "لماذا يلقون بنا في الشوارع؟ يأتون على ظهر الدبابات ليهدموا منازلنا. لماذا؟ ألسنا بشراً؟".

ويمضي قائلاً: "لماذا يحدث هذا؟ لمصلحة قطر، الإمارات العربية المتحدة، إسرائيل، المملكة العربية السعودية، أم من؟ لقد تم بيع البلد".

لقد أخفقت المحاولات التي قام بها المجتمع المدني في 2021 ثم في 2022 للخروج بحل بديل يحقق للجيش احتياجاته الإنشائية وفي نفس الوقت يحافظ على البيوت ويحول دون هدمها.

 

مقترحات للتطوير بدون التهجير

وقال رئيس نقابة المهندسين في شمال سيناء، أمين جودة، إن النقابة وضعت خططاً من شأنها أن تحافظ على "هدف التطوير والاستجابة لرغبة المجتمع المحلي" من خلال توسيع الطرق الموجودة حالياً بدلاً من هدم البيوت لإنشاء طرق جديدة. ولكن جودة قال في تصريح لموقع ميدل إيست آي إن الجيش وسلطة الهندسة رفضا المقترح.

وفي حديثه مع موقع ميدل إيست آي، قال بكر، نائب برلمان الانقلاب عن العريش، إنه رغم إقراره بالأهمية الاقتصادية للمشروع، فإنه يطالب بإعادة النظر في عملية التطوير لتفادي طرد السكان، ولكنه لم يتلق حتى الآن أي رد من الحكومة.

إلا أن بكر رفض التعليق على تجمعات السكان الاحتجاجية، ودعا كبراء شمال سيناء وزعماء القبائل فيها إلى التدخل حتى لا يتم السماح "للعناصر المحرضة ببث الكراهية بين الجيش والشعب".

وفي تصريح لموقع ميدل إيست آي قال مصدر أمني إن الغاية من مشاريع التطوير هي ذات بعد أمني بالإضافة إلى البعد الاقتصادي. فأي مستثمر أجنبي يأمل في إدارة الميناء، كما قال، يفضل ألا يكون بجواره مناطق سكنية، لأنه سيخشى من تسلل المهاجمين أو الانتحاريين.

وتداول نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، فيديوهات لمواطنين غاضبين من السكان القاطنين في محيط ميناء العريش، بعد توجه السلطات المصرية لتهجيرهم من المكان، لتنفيذ قرار بنقل ملكية المنطقة إلى القوات المسلحة.

وقال أحد المواطنين، إنهم يواجهون “قوات احتلال لا قوات مصرية، بسبب ما يفعلونه بهم عبر مداهمة المنطقة من أجل هدم المنازل”.

وفي 17 فبراير 2023، احتل هاشتاج #العريش_مش_هنسيب_بيوتنا ، قمة التغريدات في موقع "تويتر" احتجاجا على قرارات العسكر بطرد أهالي مدينة العريش من منازلهم ، بعد قرار إعادة تشغيل ميناء العريش في حرم سكن الأهالي ، بدلا من نقله إلى الكيلو 17 خارج الحيز السكاني.

الهاشتاج جاء وسط حالة من العضب لرواد التواصل الاجتماعي والنشطاء، مطالبين بوقف تهجير وطرد المصريين من منازلهم

يذكر أن 5 آلاف أسرة من العريش شمال سيناء، صدر قرار بإزالة بيوتهم ، لعمل ميناء العريش على الرغم من وجود أماكن أخرى كثيرة لإنشائه ، لكنهم لم يختاروا إلا المنطقة العامرة بالسكان لإزالتها.

وسبق محاولات تهجير أهالي حي الميناء، تهجير العديد من الأسر في سيناء، إذ سبق وقام الجيش في العام 2016 لمحاربة ما وصفه بالإرهاب، وجرى تهجير الأهالي من تلك المناطق ، فضلا عن تجريف المزارع بحجة إيواء المسلحين.

وهجرت قوات الجيش أهالي عدة مناطق بجنوب رفح وجرفت مزارعهم، كما حصل في قرية الجورة التي أصبحت خالية من السكان، وقرية المقاطعة والزوارعة.


حملات أمنية

وقالت تقارير إن سكان شمال سيناء تحملوا عبء حملة استمرت أكثر من 8 سنوات داخل المنطقة بين القوات المسلحة المصرية وولاية سيناء، الفرع المحلي لتنظيم الدولة. بدأ المسلحون بشن هجمات في عام 2011 حينما كانوا يرتبطون بالقاعدة، ثم ما لبثوا بعد ذلك أن بايعوا تنظيم الدولة وبدأوا يعرفون باسم ولاية سيناء.

ولا توجد أرقام رسمية لأعداد من قضوا نحبهم في الصراع، ولكن بحسب الإحصاءات التي جمعها باحثون مستقلون لا يفصحون عن هويتهم حفاظاً على سلامتهم فإن ما يزيد عن 1500 من عناصر الجيش لقوا حتفهم ما بين عام 2011 وشهر  يونيو من عام 2018.

وفي هذه الأثناء، تعتقد منظمة "هيومن رايتس ووتش" إن ما يزيد عن مائة ألف من سكان شمال سيناء الذين يبلغ تعدادهم 450 ألف نسمة أخرجوا قسراً أو نزحوا من المنطقة منذ عام 2013.

ولم تزل مدينة العريش مسرحاً للعديد من الهجمات الكبيرة وعمليات الخطف، ولقد أفضت حملة القمع التي تشنها الأجهزة الأمنية إلى مقتل المئات من المدنيين وعناصر الجيش.