أثار انخفاض الجنيه العديد من التعليقات والتساؤلات من البنوك الأجنبية وخبراء الاقتصاد، بشأن حجم التراجع الذي قد يصل إليه في نهاية المطاف.

وتراجع سعر الجنيه أمام الدولار بنسبة 104% خلال العشرة أشهر السابقة، ليصل إلى 29.65 جنيهًا للدولار الواحد، ما أسهم في تناقص العديد من السلع الأساسية من الأسواق إضافة إلى زيادة أسعار العديد منها.

ومنذ بدأت رحلة تعويم سعر الصرف الأولى في نوفمبر 2016 انخفض الجنيه مقابل الدولار من مستويات 8.88 جنيه للدولار إلى مستويات 29.65 جنيه للدولار بتراجع 234%.

وكشفت شاشة أسعار البنك المركزي، اليوم الأحد، عن استقرار سعر صرف الجنيه مقابل الدولار عند مستويات 29.64 جنيه للدولار للبيع ومستويات 29.56 جنيه للدولار للشراء.

 

ارتفاع الدولار إلى 32.5 جنيهًا

رفع بنك HSBC توقعاته لسعر الدولار مقابل الجنيه، مرجحًا أن يسجل على المدى القريب 32.5 جنيه في المتوسط مقارنة بـ 26 جنيهًا في توقعات سابقة.

وأوضح التقرير أن استمرار انخفاض الجنيه على المدى القريب يرجع إلى زيادة احتياجات التمويل العالية للغاية من الدولار وتدفقات رأس المال المنخفضة نسبيًا في هذه الفترة.

وأضاف بنك اتش إس بي سي أن قرار رفع سعر الفائدة جاء لاستيعاب خفض سعر الصرف حيث قرر البنك المركزي رفع سعر الفائدة بمقدار 3% في ديسمبر الماضي.

ولفت البنك إلى أن المركزي أبقى على معدل التضخم على المدى القريب بنسبة 7% (+/- 2) مستهدفا نزوله إلى 5% بزيادة أو نقصان 2% خلال الربع الرابع من 2026.

 

الجنيه سيبقى تحت الضغط

مع تدهور الجنيه توالت التعليقات من البنوك الاستثمارية الكبرى والمؤسسات الدولية.

وأفاد بنك غولدمن ساكس، أنه يجب على السلطات الآن التأكد من تلبية الطلب على العملات الأجنبية في السوق الرسمية وبالتالي توحيد سعر الصرف والقضاء على السوق الموازية.

وتوقع بنك ستاندرد تشارترد، أن الجنيه سيبقى تحت الضغط لحين تحقيق المزيد من التدفقات الدولارية مما سيوازن بين العرض والطلب على النقد الأجنبي ولحين إغلاق الفجوة مع السوق الموازية، وفقًا لـ" investing".

أما بنك أبوظبي التجاري فيتوقع تراجعًا إضافيًا للجنيه مشيرًا إلى أن السياسة الأخيرة لمصر قد لا تكون كافية لجذب رؤوس الأموال الخاصة لحين تراجع التكدس المتراكم على طلب العملات الأجنبية وهو ما سيتطلب سيولة دولارية من غير الواضح حاليًا من أين ستأتي.

 

ناقوس الخطر

ويشير الخبير الاقتصادي، مصطفى عبد السلام، أن ما حدث الأربعاء الماضي "يدق ناقوس الخطر، حيث فقد الجنيه نحو 13% من قيمته في يوم واحد، وشهدت سوق الصرف قفزات ومضاربات شديدة قادت السعر من أقل من 27.5 جنيهاً للدولار إلى أكثر من 32 جنيهاً في يوم واحد، وتسببت في تعميق خسارة الجنيه الذي فقد ما يزيد عن 100% من قيمته في فترة لا تزيد عن 10 شهور.

ويواصل عبد السلام في مقاله " أزمة الجنيه والجبهة الداخلية لمصر" بموقع "العربي الجديد" أن "المضاربات لم تقتصر على السوق السوداء بل قادتها البنوك سواء العامة أو الخاصة وفروع البنوك الأجنبية، وهو ما دفع البنك المركزي للتدخل في السوق لوقف التهاوي المفرط للعملة، حيث تردد أنه ضخ نحو 880 مليون دولار في السوق اليوم".

وينبه عبد السلام إلى أن البنك المركزي من حقه التدخل للدفاع عن العملة؛ "لأن الاتفاق مع الصندوق يتيح ذلك في حال حدوث مضاربات عنيفة وتقلبات حادة كما جرى يوم الأربعاء".

 

لا حل قريب للتضخم

ومن جهته استبعد الخبير الاقتصادي، ممدوح الولي، أي تفاؤل قريب فيما يخص استقرار سعر الصرف، وقال إن “المرونة في السوق ابتدأت الآن وحصل تحريك للسعر داخل الجلسة أكثر من مرة”.

وأشار في حوار مع المسائية على "الجزيرة مباشر"، إلى أن ما حدث اليوم من تحريك للسعر، “مقصود لتوصيل رسالة للمضاربين أن السعر الموجود في السوق السوداء اليوم (33 جنيهًا) ليس عادلًا، ويجب أن يكون أقل من ذلك”، متابعًا أن الدفاع عن سعر الصرف مرهون بتوافر الدولار في الجهاز المصرفي.

وتحدث عن وجود أزمة حقيقية في الدين الخارجي، وأكد أنه “لا يتوقع حل مشكلة التضخم في شهر أو شهرين، فكل التوقعات تشير إلى زيادة في معدلات التضخم وليس العكس، وبيانات الصندوق أفادت بأن بيانات العجز التجاري سيزيد خلال السنوات المقبلة. المشكلة كبيرة”.

 

لن تنتهي قريبًا

وذهبت الأستاذة في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، عالية المهدي، إلى أن التقلبات والتغييرات في سعر الصرف لن تنتهي قريبًا، وستأخذ وقتًا حتى تدخل دولارات جديدة للقطاع المصرفي.

وقالت المهدي لبرنامج المسائية على "الجزيرة مباشر" إن “الدولارات التي حصل عليها البنك المركزي من الأفراد مقابل عوائد بقيمة 25% بلغت 4 مليارات دولار، وهناك توقع لدخول ودائع عربية بأرقام ليست كبيرة، لكن هذا لن يمنع اضطراب سعر الصرف لفترة وجيزة”.

ولا ترى الخبيرة الاقتصادية أي فائدة قريبة وسريعة على الاقتصاد من وجود سعر صرف مرن، “بل ستأخذ وقتًا طويلًا حتى تظهر”.

 

محطات التعويم

مر الجنيه بـ4 محطات رئيسة للتعويم منذ عام 2016، وجاءت كالتالي:

التعويم الرابع.. يناير 2022 انخفض الجنيه من مستويات 24.8 جنيه للدولار إلى مستويات 29.65 جنيه للدولار بتراجع 20%.

التعويم الثالث.. أكتوبر 2022 انخفض الجنيه من مستويات 19.7 جنيه للدولار إلى مستويات 24.8 جنيه للدولار بتراجع 25.4%.

التعويم الثاني.. مارس 2022 انخفض الجنيه من مستويات 15.77 جنيه للدولار إلى مستويات 19.7 جنيه للدولار بتراجع 25.4%.

التعويم الأول.. نوفمبر 2016 انخفض الجنيه من مستويات 8.88 جنيه دولار إلى مستويات 15.77 جنيه للدولار بتراجع 78%.

ويعد برنامج قرض صندوق النقد الدولي، بقيمة 3 مليارات دولار على مدى 46 شهرا نقطة في بحر الـ42 مليار دولار التي تحتاجها مصر لخدمة ديونها في العام المالي الحالي.

ويبلغ احتياطي البنك المركزي من العملات الأجنبية 34 مليار دولار فقط مقارنة بـ 41 مليار دولار في فبراير الماضي، بينما تضاعف دينها الخارجي أكثر من ثلاثة أضعاف في العقد الماضي إلى 157 مليار دولار.